قالت: هيت لك
بقلم/ مجلي احمد الجرباني
نشر منذ: 9 سنوات و 8 أشهر و يومين
الثلاثاء 17 مارس - آذار 2015 10:32 ص

لا أدعي بأن هـذا تـفسيرًا أو حـتى تأويلاً لـلـقرآن بل هو إسـتحـضار بعض المواقف التي وردت في قـصة يوسف عليه السلام وإسقاطها عـلى مجـريات الربـيع العربي لا أقـل ولا أكـثر. مأساتـنا – يا بني قومي - لم تـقـتصر على أحـدى عـشر كـوكبــًا كما هو الحال مع يوسف بل هي زنـقـة مع عصابة عـلي بابا والأربعـين حـرامي..!! نعم نحن مجتمع طيب إلى حـد السذاجة بل نحن بسطاء إلى مستوى الضعف؛ نـتدافع لـتـقبـيل الـيــد التي يصعب كسرها, ونحـتسب تـلـك البوسة ضربــًا من السلام والحكمة, فـتـبــًا لنا وله ولها..!!

لو كان الربـيع العـربي يملـك إذنيـن لـتمكـن من سماع تحـذيـر يعـقوب المبكـر: لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا..\". مجـازًا ما حـدث ليوسف حدث للربيع العربي مع فارق التوقيت وسعر الصرف؛ تآمر وانـقـلاب وثورة مضادة, فالجـليد لم يُسقط براعم الربـيـع اليانعة فحسب بل اجـتـثـه من فوق الأرض دون أن يترك خـيـطـــًا واحـدًا يخـبرنا بتـفاصيل الحادثـة وملامح المشـتـبه فيه, ومن المستحيل أيضـــًا أن يعود الجاني إلى ساحة الجـريمة كما كان يصنع في السابق أو كما تـقـول الـتحـقيـقات البوليسية لأنـنا في عصر تـطور فيه كـل شيء حـتى أن الجـريمة فيه أصبحـت منـظمة وعـلمــًا له مدارسه وتلاميذه وأساطينه, ألم يقـل الانقلاب: \" إقتلوا يوسف أو أطرحوه أرضـــًا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومـــًا صالحين..\"؟

بصمات اليـد التي انـتـفضت من تحت الركام كانت هي نفسها التي رسمت النهاية الحـتمية للربـيع, بل هي نفس بصمة اليد التي لفـت الحـبل على عـنق الثورة؛ كل هذا حـدث لأنها كانت يـدًا إخـطـبوطـيه رخوة لم تجـب ما قبلها...!! إذن يعـقوب يُـعـيد نفسه...!! لـقـد أرسلـنا الربـيع معهم يرتع ويلعب وجُــل الخوف ليس منهم إنما: \" أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون..!! قـذفـوا الربيع في غيابات الجـب, أصبح لـقيطــاً منبوذاً لا تعـرفه المنطـقة, ولا شعوبها تعـلم له أبــًا ولا أمــًا...!! عادوا بأسماله الممزقة, تركوه يـبدأ يومه الأول دون ملابس, حـتى الشمس بجـرأة فـتـاة مراهـقـة لم تغـض طرفها حياءًا حـيـن رأته عاريــًا: \" وجاءوا على قميصه بدم كذب..\". من سيدلي بدلوه؟ غلام بلا هـوية.. ثمنه بخـس.. دراهـم معـدودة.. تـرفـضه شرائـح المجـتمع: \" وكانوا فيه من الزاهدين...\".

الطائـفية فـتـنة فاتـنة تطارد الربـيع منـذ وقعـت عـيناها عـليه, يدفعها عـنـفـوان ساقـطـة تبحـث عن الرذيلة, وتستمر المطاردة بعد أن خـلت بـه لا ثالث لهما إلا الشيطان يـؤجـج العواطف, كـرٌ وفـرٌ فلا يفـتـر الـتـدافع بـيـنهما – هي سنة كونـية – لذا قـد تـتـلاشى الحـدود السياسية القومية بيـن بني قومي وتطـفـو حـدود اجـتماعية طائفية بحيث يصبح لكـل جماعة مذهـبـية إقـليمــًا خاصــًا بها وحكمــًا ذاتيــًا بمعـزل عن بقية الجماعات الدينية الأخرى التي تـشاطرها الـقـبلة والكـتاب والـرب. الـطائـفـية فـتـنة تـزينت, لبست حـلـتها, عـرضت مفـاتـنها للبـيـع, بذلت كل ما تملك من إغـراء وإغـواء, واستـفردت بالربـيع داخـل اسوار القصر:\" وغلقت الأبواب وقالت هيت لك..\". الآن وقد تمت محاكمة الربـيع وحـبسه وقـمعه وتـغـيـيـبه خـلف قضبان الحـبس, نعـلم يقـينــًا كما يعـلم عـزيـز مصر بأن الربـيع بريئـــًا من التهمة المعـلبة وبشهادة شاهد من أهـل بـيـته وبعـينيه: \" رأى قميصه قد من دبر..\". فـلم يشفع كل هذا من إلصاق الـتهمة به وحجـتهم في ذلك أن الربـيع كان في غاية من الجـمال والروعة لدرجة أنهم أعـتـبـروه مثـيـر فـتـنة... هذه هي تهمتـك أيها الربـيع الفاتـن, لقد كـنت وسيمـــًا إلى حـدٍ لا ترتـقي إليه قـباحـتهم...!! ثـرثـرة الإعلام – كـثـرثـرة نسوة في المدينة – تـروج للربـيع سمعة سيئة, تـشــوهُ صيته في المدينة, ولكي يتجاوز المحـنة لابـد له أن ينحـني للعاصفة:\" رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه...\".

ليست أضغاث أحـلام لو قـلت بأننا قـادمون عـلى سبع سنوات عجاف أو أكـثر من الفـتـن والاحـتراب والـتي لن يتخـلـلها صراع بـيـن حـضارتيـن بل حـربـــًا ضروســًا بـيـن طوائـف ومذاهـب وأحـزاب الحضارة الواحدة لأنـنا مجـتمعات قـاصرة لم تـبلغ سـن الرشـد بعـد ولم تظهر عـليها عـلامات الـبلوغ والـنـضـج, وشهادة إيجابـية متـأخـرة في براءة الربـيع من كـل هذه التهم الملـفـقة لـن تـكـن مجـدية: \" ما علمنا عليه من سوء..!!\" لـطالـمـا سمعـناهم يتـشدقـون:\" تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين..\". إذن فـلماذا انـتـفضت شعـوب الوطن العـربي؟ وعـلى من ثارت ثـائـرتها؟ ألم تـكـن آلة الفساد والاخـتلاس والظـلم والـقمع هي الدينامو المحـرك؟ يتبجحـون عما مضى وكأنـنا كـنا نتـلـذذ على أرائـك سلطة مثـالية, ومدينة فـاضلة, وإمـام عـادل..!! لو نطـق الربـيع لـقال: \" أنتم شر مكانـــا...\".

هذه الشعـوب تحـملت مافيوزية متـغـطرسة نهـبت الأرض وما تحـتها وما فـوقها, نعـم مافيوزية شرهـه جعـلت الإنسان العربي هامشـــًا ليس أولوية لها أو محـط أنظارها, وربما شعـروا في فـترة من الفـترات أن الإنسان العـربي مجـرد وهـمــًا, أو شبحــًا, أوفي أحـسن الأحـوال رأوه ظـلاً لـكائـن ما, لكنه من وجهـة نـظرهـم لم يكـن إنسانـــًا حـقـيـقـيـــًا أويشغـل حـيزًا من الفـراغ كما تـقـول قوانيـن نيوتـن الـفـيـزيـائـية...!! وهـكـذا تمت مصادرة حـقـوق الإنسان العربي وحـريته, تركوه كـيوم ولدته أمه يُـصارع الجـوع والجهل والمرض بمفـرده, وعـندما لاح الربـيع في طريـق الشعـوب المسحـوقـة تكالبت عـليه شياطيـن الجـن والأنـس فـليس من المصلحة العامة أن يستـيقـظ العـفـريت في هذا الـتـوقـيـت,\" يا أسفى على يوسف..!!\" والسؤال الـذي لم يجـد جـوابـــًا ولـم نـتـفـق عـليه حـتى اللحـظة: هل خـطـيئة الربـيـع العـربي كانـت في روعـته وحضوره البهي؟ أم عـندما قـال للـنـظام الـقـديم:\" لا تـثريب عليكم اليوم\"؟ قـد تـأتي حـيـاة وهـي حـبـلى بـجـواب لي لكن بعـد أن تـكـون العـيون قـد أبـيضت من الحـزن أو بعـدما يكـون يوسف قـد عـفى عـن أخـوته للـمرة الـثـانية تمــامـــًا كما حدث في المشهد الأخـير: \" وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي..!!

 
مشاهدة المزيد