كيف يكتب التاريخ
بقلم/ بقلم الشهيد الرئيس صدام حسين
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 24 يوماً
الأحد 21 ديسمبر-كانون الأول 2008 08:39 ص

علينا أن نركز على تاريخنا العربي الإسلامي، ونوليه اهتماما بارزا واضحا، لأن التاريخ الإسلامي هو تاريخ العرب في أساسه، بالإضافة إلى دور الرسالة واتجاهاتها... وهو تأريخ مشرق في الحضارة العربية... فعلينا أن نهتم به، وأن نكتبه بما ينسجم مع هذا الفهم، لا أن نحرفه ونكتبه حسب الهوى الشخصي.

 والمقصود من ذلك أن نبرز فيه تلك القيم التي تنسجم مع طور البناء الجديد، ورسالة امتنا، والدور الوطني لشعبنا العراقي، فنحن حين نتحدث عن تأريخنا العربي الإسلامي، يجب أن نبتعد عن الطريقة التي حاول من خلالها البعض تصوير بواعث الفتوحات الإسلامية بأنها كانت تنصب على ترغيب المقاتلين بالغنائم، وأنهم كانوا يمنونهم بذلك ليقاتلوا قتالاً حسناً... فصياغة التاريخ على النحو المذكور تحمل الطالب على أن يتصور أن أجداده كانوا يقاتلون منطلقين من الرغبة في الحصول على الغنائم، وليس من قيم أو مصل أخرى، التاريخ بما يجعل التلميذ والطالب يفهم أن من يؤمن بمبدأ.. ومن يؤمن بقيمة عليا قادر على أن يقاتل.. وقادر على أن ينتصر، إذا ما تذرع بالصبر وعرف طريق الوصول إلى الهدف.. وبين أن يكتب بما من شأنه أن يضعف هذه القيم، ويسوق الأحداث باتجاهات وتحت أغطية من التفاصيل، والأسباب، ولتحل اعتبارات موهومة محل قيم العقيدة.

وعندما يجري الحديث عن الحركات الانشقاقية، وحالات الصراع في الإسلام... علينا أن نضع في حسابنا كل ما يساعدنا على تجنب الإثارة الطائفية في المجتمع وإضعاف جذورها، ويبطل الاتجاهات التي عمل الاستعمار والأجانب على تعميقها، وعلى هذا الأساس يجب أن يعد التاريخ بالشكل الذي يحقق هذا الغرض... لا أن يكتب بالروح والشكل اللذين ينميان الطائفية في مجتمعنا العربي ومجتمعنا العراقي. وفي هذا الجانب علينا، ونحن نكتب التاريخ، أن نبرز دور الشعب.. أننا نجد أنفسنا بحاجة حضارية وسياسية إلى هذه المسألة، مع مراعاة الأمانة التاريخية، والابتعاد عن التفاصيل التي لا تخدم هذا الاتجاه، ولا يسبب عدم الغوص فيها نقصا ذا قيمة في تسجيل تاريخنا تسجيلاً صحيحاً.

وقد يقول البعض، في موضوع كتابة التاريخ: أن التاريخ كله يتحدث عن أشخاص ولا يتحدث عن دور الجماهير... التاريخ يحتفظ بالوقائع كما هي وكما حصلت.. في حينها، أما كيف يكتب وبأية عقلية يكتب؟ فإنه غالباً ما يكتب بعقلية النظام المسيطر.. وفي وقت سابق كان الحاكم يوجه المؤرخين كما تفعل اليوم، ومع اختلاف المواقع والدوافع.. نحن نريد أن يكتب التاريخ بما يقوي اعتزاز المواطن بتأريخ شعبه وأمته، ويكون مصدر الهام رئيسيا في عمله وإبداعه وتضحيته، وفي الوقت نفسه، عندما نتحدث عن التاريخ ودور الشعب فيه، علينا أن لا نغفل أو ننسى الجانب المعنوي الذي يدفع المواطنين إلى التضحية والفداء والانتصار للخير ومناهضة الشر، لكي يسجل التاريخ أسماءهم وأسفارهم في مكان بارز، مما يستوجب أن لا نغفل دور الأبطال في التاريخ، تحت ستار إبراز دور الجماهير، إن التسجيل الأمين لدور الشعب والقادة عملية ممكنة، دون أن نغفل دور أي منهما، أو يكون تسجيله على حساب الآخر، وفي الوقت نفسه علينا أن نبرز القيم التي جعلت تأريخنا مشعاً، والقيم التي لها الدور الأساس في تحريك وتعبئة وتعميق دورها وإيمانها آنذاك.

إن الفتوحات العربية الإسلامية لم تكن بفضل القادة فحسب، كما لم تكن بفضل قوة جماهير فحسب، وإنما كانت مزيجاً من مبادئ وسياسات وقوة، أي جمهور وقادة ومبادئ.. وعندما نتحدث عن القيم الاعتبارية المعنوية فيجب أن نأخذ في حسابنا عدم إغفال هذه القيم من ناحية، وأن لا نجعلها ستارا لترويج الخرافات والابتعاد عن الموضوعية، من ناحية أخرى.

عندما كنا في الابتدائية أو في المتوسطة والثانوية، كنا نقتصر على قراءة التاريخ الأوروبي أكثر مما نقرأ عن تاريخ العرب، إننا نريد من الطالب أن يفهم أولا تاريخنا العربي، ويفهم تاريخ العراق، في تأريخه القديم والحديث، والعراق كجزء من الوطن العربي.

وبعد ذلك نتحدث عن التاريخ ونؤشر مساراته بالإطار الذي ينمي قيم الطالب والإنسان ضمن المجتمع، باتجاه مبادئ الحزب، ومنها النضال من أجل وحدة الأمة العربية وتقوية وحدة العراق، وبما يقوي التفاؤل بإمكانية تحقيق هذه المبادئ، معززين ذلك باستشهادات محددة من تاريخ الأمم الأخرى، على طريق وحدتها.

ويركز من خلال عرض تلك التجارب بالقدر الذي يجعل الطالب يستفيد من دروس تلك الأمم على طريق وحدتها بعد أن كانت مجزأة، ويكتب تأريخ تلك الأمم بما يجعل الطالب يرى أهداف الطموح قريبة، وليست بعيدة، في حالة تمسكه بمستلزماتها للتحقق، ويراعى كذلك، إبراز دور الأمة العربية وتأثير حضارتها إيجابياً عن تأريخ تلك الأمم، وبما يقوي الطالب وقارئ التأريخ بشعبه وأمته، وحتمية الانتصار وتحقيق مبادئ الطموح في كل الميادين.

في موضوع العلاقة بين المجتمع والفرد والتاريخ، لنا أن نسأل: (لمن) يكتب التاريخ وكيف يكتب؟ هل يكتب التاريخ للأحياء أم للأموات والشهداء. ولماذا نلح على أن يكتب التاريخ، بما ينصف الفرد المستحق، دون أن يكون إنصافه على حساب المجتمع؟

عندما يكتب التاريخ بالإطار الذي أشرنا، فإن مثل هذا النهج يقدم خدمة كبيرة للأحياء من الناس في المجتمع، لأنه يشجعهم على البطولة، بعد أن يبين لهم أن الناس المضحين يكونون، باستمرار، محل تقدير المجتمع والتاريخ لهم، وبما يغرس ويعمق روح التضحية والإقدام في نفوسهم، لأن الإنسان الذي يستشهد إنما يكون قد قدم كل ما لديه للمجتمع وللوطن، وله الحق في أن يترك استشهاده أثراً حسناً وبارزاً، يذكر من بعده من قبل الشعب والتاريخ، فيكون ذلك من دواعي اعتزاز ذويه ومعارفه وأصدقائه وهذا يفرض علينا، ونحن نكتب التاريخ، أن ننصف الشهداء، ليس من أجل استشهادهم فحسب، وإنما من أجل الأحياء الذين نطلب منهم الاستبسال في الدفاع عن القيم، التي تستوجب الاستشهاد أيضاً.

ويقودنا الحديث في هذا الموضوع إلى تساؤل آخر هو: هل تصورنا يوما ما أن تتقدم الحياة والمجتمع، أو أي فرع فيهما على طريق الأهداف المرسومة، بدون قائد أو قيادات؟ الجواب، لا يمكن تصور ذلك، ولم يكن في التاريخ استشهادات يقتدى بها في هذا الاتجاه، إن القائد هو ابن المجتمع وأبوه، في آن معاً، إذ هو ابن المجتمع في عملية الخلق الأول والتكون الأول، وهو أبو المجتمع وأخوة في المرحلة التي يلعب فيها أدواراً قيادية.. وعندما يكون القائد أبا المجتمع لا يعني ذلك أن يكون أبا عشائرياً متخلفاً، بمعنى أن يكون وصياً عليه، وإنما تكون أبوته ضمن سياق العلاقة الديمقراطية الثورية، وما تتطلبه من تفاعل، بالإضافة إلى الأسس والشروط الديمقراطية الأخرى، كما تفهمها.

وفي تاريخنا العربي الكثير من الشواهد على الأبوة بهذه الصيغة، صيغة المجتمع الذي يخلق القائد، ثم يكون القائد أبا وأخا كبيراً له، بصيغة التفاعل، لا بصيغة الأبوة العشائرية، لدينا أمثلة كثيرة وقادة كثيرون، نقدمهم نموذجاً صالحاً لتدعيم هذا الاتجاه، وإن علاقة القائد بالمجتمع، وفق هذه الصيغ والاتجاهات، القائمة على أساس التفاعل الديمقراطي، لا تضعف من مواقع القيادة، وإنما تعززها وتعمقها وتزيدها احتراماً ومحبة، بخلاف التصورات المضادة.

وعندما نتحدث عن التاريخ، علينا أن لا نأخذ الأحداث السابقة، ونحاكمها بمقاييس الحاضر... لأن محاكمة الأحداث يجب أن تجري بظروفها، وبإطار حركة المجتمع آنذاك، ذلك لأن الحدث والإنسان هما أبنا المجتمع، والركائز الأساسية لقيمة، التي كانت سائدة آنذاك إلى حد كبير، والقيم التي كانت سائدة في الماضي هي غيرها الآن، وإنسان الماضي هو غير إنسان الحاضر.

فالإنسان يتصل اتصالاً حياً بحركة المجتمع، يتقدمه من ناحية ويكون جزءاً منه من ناحية أخرى، فالإنسان المناضل، الإنسان الثائر، يثور على مفاهيم وقيم المجتمع المتخلف برأسين: رأس يرتبط بالمجتمع، ويرى ويدرس الأمور بنظرة واقعية من أجل تغييرها، ورأس آخر ينزع إلى الأمام، من أجل تقدم المجتمع وتحريكه إلى أمام وفق التصورات المركزية التي يؤمن بها.

على هذا الأساس، لا بد لنا، عندما نتحدث عن حركة مايس عام 1941م، أن نبرز أبطالها، لا من أجل إنصاف التاريخ في أشخاصهم حسب، وإنما من أجل أشخاص الحاضر أيضاً... من أجل أبطال الحاضر غير المرئيين، الذين نريدهم أن يستبسلوا، في الجولان وفي سيناء، وفي الضفة الغربية، وفي الدفاع عن كل شبر من أرض القطر والوطن العربي.. من أجل هؤلاء جميعاً يجب أن لا ننسى الأبطال والشهداء الذين كان لهم شرف الاستشهاد، دفاعاً عن الوطن.

حركة مايس لم تلق الاهتمام الكافي في السابق، وينظر إليها أحياناً نظرة فيها كثير من التجني.. عندما يسقط بعض الناس، من تحليلهم لتلك الحركة، تعقيدات الظروف وطبيعة المرحلة آنذاك، ولو أن أؤلئك الناس قد تفحصوا ظروف الثوار بشكل دقيق، وعرفوا أن بعض السياسيين في بلدان العالم الثالث، ومنهم سياسيون في الوطن العربي، لا زالوا يرتجفون أو ينحنون ((باحترام)) خاص، حتى الآن، عند ذكر الإنجليز والاستعمار الإنجليزي، لأدركوا بطولة أولئك الناس الذين ثاروا على الإنجليز سنة 1941م، إن من يتصور الظروف التي حدثت فيها الثورة، تصورا دقيقاً، يدرك ويتصور عندها، عظمة وقوة الإرادة التي ثارت على الإنجليز وحلفائهم وأعوانهم آنذاك.

عندما نتحدث عن الفرد، ولا ننسى أنه ابن المجتمع، فعلينا أن لا ننسى أن البطولة أيضاً هي ابنة المجتمع، في جانب أساسي منها، إذ لو لم يكن المجتمع آنذاك بطلاً في استعداده للتضحية، وفي وعيه وفي عطائه، وفي إرادته، لما أنجب بطلاً، وعلينا، على هذا الأساس، أن نربط ربطاً صحيحاً بين ذلك، وبين دور الفرد ومبادراته، وتضحياته، بهذا الإطار، أي أن لا نتحدث عن دور الشعب في المجتمع، ونسقط دور الفرد ونسحقه، أو نتحدث عن الفرد، ونسحق دور الشعب في المجتمع... لأن الاتجاهين خاطئين والمطلوب هو أن نتحدث عن المجتمع، و عن الفرد، في عملية تفاعل تام.

*حديث الرئيس الشهيد القائد صدام حسين في مناقشة تقرير لجنة التاريخ لإصلاح المناهج في 19/2/1975م

إعداد :أ.عبدالعزيز أمين موسى عرار