|
مبروك. أفرجوا عنكَ أخيرا.
ـ أخيرا. لكن بعد هياط ومياط، وشفاعة من..
ـ شفاعة من نقابة الصحافة، طبعا.
ـ أبدا. شفاعة من نقابة الإسكافية، قالت للحكومة:
ـ تصليح الأحذية ازدهر في العراق، بعد ضرب بوش بالحذاء.
ـ لكن. أراكَ حافيا بلا حذاء! ـ ما زال الحذاء معتقلا للتحقيق معه.
ـ ألم تناشد منظمات حقوق الإنسان الحكومة الإفراج عن الحذاء؟
ـ بيني وبينك. الحكومة عرضت علىَّ الإفراج عن الفردة اليمين.
ـ والفردة اليسار؟! ـ خاضعة إلى مزيد من التحقيق. الحكومة تشتبه بأني أمشي ضدها على اليسار.
ـ بعد الذي جرى، ألا ترى أن القلم الحر أقوى من الحذاء الناسف؟
ـ أبدا. ست سنوات وأنا أكتب وأتكلم عن الاحتلال.
-لم يحدث ما حدث، إلا بعدما خلعت الحذاء.
ـ رسم صدام بوش الأب على مدخل الفنادق. داسته الأحذية. فأسقطه بوش الابن.
ـ أنا اقتديت بخروشوف. تحدى خروشوف الأميركان.
خلع حذاءه. وضع الفردتين أمامهم على مائدة الأمم المتحدة.
هددهم: سندفنكم.
ـ أنا خائف. أخشى أن تدفنني الأجهزة.
ـ تشعر بالندم؟
ـ أشعر بالأسف. قررت أن أكون صحافيا. كان عليَّ أن أكون إسكافيا.
** ـ سَلامو عليكو.
ـ شالوم عليك.
ـ هويدا. كيف تستقبلين السفير في المكتب؟
ـ أُمَّالْ. عايزني أستقبله في الشقة؟
ـ ما اجتمع عربي وإسرائيلي، إلا وكان نتنياهو ثالثهما.
ـ السفير راجل مؤدب. مهذب. يكذب في الخارج باللغات الأجنبية، وبالنيابة عن وزيره ليبرمان.
ـ أخاف على مصر من إنفلونزا التطبيع. أنتِ تستقبلين السفير. الشيخ طنطاوي يشد على يد شمعون بيريس...
ـ وفيها إيه يعني؟! سيدنا الشيخ افتكره محمد هنيدي.
عندما اكتشف أنه فخامة رئيس إسرائيل، انتهز الفرصة.
طالبه فورا بالتوبة ودفع الجزية.
ـ وهل طالبتِ أنت السفير بدفع الجزية؟
ـ وعدني بالدفع بعد التطبيع، كان صريحا. اعتذر. قال إنه يدفع الآن ضريبة باهظة لجيش الاحتلال. ويتبرع لمستوطني الضفة الذين طردتهم غزة.
ـ مش عايز يدفع الجزية. كان أحسن يدي صوته لفاروق بتاع اليونسكو.
ـ بَرْضُهْ. السفير كان صريحا. قال انه صوّت للمرشحة إيلينا خرشوفا بتاعة بلغاريا. قال بلغاريا دولة صديقة وحضارية. بلغاريا لا تَرْفَع الصوت ضد الاستيطان.
ليس فيها أحزاب وصحافة ضد تهويد القدس.
ـ بأه. بالذمة. عشان إيه الضجة دي ضدك؟! ـ عشان أنا مثقفة وكاتبة. السفير جاب معاه شوية كتب لعاموس عوز ودافيد غروسمان هدية لفاروق حسني. يقترح إخراجها أفلام سينما.
( يصدح الراديو بصوت عبد الوهاب:
كل ده كان ليه. لما شفت عينيه.
قاللي كام كلمة. يشبهوا النسمة...
في ليالي الصيف)
** ـ عيدٌ، بأية حال عدت يا عيدُ؟
بما مضى؟ أم لأمر فيك تجديد؟
أصخرة أنا؟ مالي؟
لا تحركني هذي المُدامُ ولا هَذي الأغاريد؟! ـ كفى. كفى. تكاد تبكيني، يا شيخ، على اللي جرى.
كل عيد وأنت بخير. يكفي أنك في اليمن السعيد.
ـ كان اليمن سعيدا، ويا ولدي، كان اليمن أصل العرب العاربة. البقية تفاصيل. عرب مستعربة.
ـ هاكَ منديل أصالة. امسح دموعك. واحكيلي على اللي جري.
ـ غنت أصالة. صَدَّعَ صوتها سد مأرب.
ـ الحق ليس على أصالة. الحق على الفئران. قرضت الفئران السد. فَعَمَّ الخراب.
ـ لا تصدِّق الفئران، يا ولدي. فَتِّشْ عن الأصالة.
فتش عن قبيلة الإنجليز. استعمرت الجنوب.
نسيت استعمار الشمال. تعلم الجنوبيون الانجليزية. فطالبوا بالانفصال.
ـ النضال، يا عمّاه، من أجل الإصلاح، يجب أن يتم من داخل الوحدة، وليس بالانفصال عن الدولة.
ـ صدقتَ، يا ولدي. هاتِ المنديل. أمسح دموعي.
لأحكيلك على اللي جرى في الشمال: أرسلت الحكومة وابورات الزلط لشق الطرق. استولى عليها الحوثيون.
مشايخ القبيلة استغنوا عن الحمير. يستخدمون وابورات الزلط في تنقلاتهم الخاصة.
ـ أراك تحمل خنجرا في وسطك. هل القتال يدور بالخناجر؟
ـ هات المنديل، يا ولدي، مرة أخرى. أمسح دموعي.
أحكيلك على اللي جري: القتال يدور بالصواريخ والمدافع.
ـ لماذا، إذن، الخناجر؟
ـ الخناجر لإثبات الرجولة والشجاعة. العرب المستعربة تعتبر اليمن العاربة المؤنثة. لكن من حاول فك ضفائرها.
فهو، يا ولدي، مفقود. مفقود.
ـ لكن خنجرك يقطر دما.
ـ آه يا ولدي. عندي ثلاثة أولاد. ولد يقاتل في الجيش. ولد متمرد مع الحوثيين. الثالث يتظاهر مطالبا بالانفصال مع الجنوبيين. أنا أب، يا ولدي، الخنجر يقطر دما من قلبي.
ـ والعلاج؟
ـ خذ المنديل. هات حزمة القات هذه بجانبك. لعلي أنسى. (يقطف الشيخ الأوراق. يُخزِّن. يمضغ. ينطلق الصوت كفحيح قطار شحن عتيق: أصخرة أنا؟ مالي؟ لا تحركني هذي المدام ولا هذي الأغاريد؟)
*الشرق الأوسط
في الجمعة 25 سبتمبر-أيلول 2009 05:13:13 م