كتاب العريقي في المياه .. قراءة في المعاني والأبعاد
بقلم/ شائف الحسيني
نشر منذ: 14 سنة و 3 أسابيع و 6 أيام
السبت 16 أكتوبر-تشرين الأول 2010 04:31 م

قرأت بإمعان الكتاب القيم بعنوان ( المياه واقع ورؤية ) لمؤلفه الصديق محمد عبد الماجد العريقي الذي تناول فيه مشكلة المياه في بلادنا من ألفها إلى يائها .

وفي كل فصل من فصول الكتاب الأربعة وأنا أقف على شجون وهموم كبيرة يبثها إلينا قلم بل صاحب قلم مترع بحب الوطن, يقرع فيها جرس إنذار لخطر قادم عظيم هو إهدار الثروة المائية وتبديدها بسرعة متوالية عاماً بعد آخر ؛ لتصبح البلاد بعد ذلك ـ إذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم من العبث والإسراف واللا مسئولية ـ صحراء يباباً ومضيت أثناء قراءتي للكتاب أبحث باهتمام في شتى جوانب المشهد الذي رسمه لنا الكاتب بشفافية عالية وبروح وطنية مخلصة ؛ لأجد أن الكتاب بذلك الأسلوب السهل الممتنع لا يعد مجرد معلومات ودراسات علمية مستقاة من مصادر محلية ودولية حول المياه في اليمن فحسب ؛ وإنما هو أدب رفيع وتراجيديا حزينة جمع أشتاتها العريقي من المدينة والريف .. من السهل والجبل ؛ ليقرب الصورة أكثر للخاصة والعامة بهدف تكوين رأي عام يساعد في حل المشكلة التي غدت تؤرق الجميع مواطنين ومسئولين ريفاً ومدينة .

ومحمد عبد الماجد العريقي معروف بأسلوب كتابته التي يمكن إدراجها ضمن صنف الحمائم والتي تقرأها في سطور عموده اليومي في صحيفة الثورة ( تأملات ) ؛ فهو تلك الشخصية المهمومة التي تتحلى بالخلق الرفيع وصدق الولاء والانتماء لهذا الوطن أرضاً وإنسانا ؛ فيوصل ما يؤمن به من رأي بأسلوب هادئ يخلو من الخصومة والعراك، وينساب كالمياه الرقراقة التي تسير على الأرض دون أن تخلف وراءها كدراً وطينا .

لذلك فإن كتابه هذا من النوع المصبوغ بالأدب والهدوء والرزانة ؛ يقدم فيه الحقيقة رغم مرارتها بأسلوب التهذيب والإقناع، ويخلق أجواء تعاونية تتضافر فيها الجهود لمواجهة ما هو قائم من مشاكل في هذا المجال أو ذاك بروح جماعية " الكل متضرر والكل مسئول " ولو كان غيره أمام مأساة حقيقية تعيشها البلاد بهذه الصورة المفجعة التي تضمنها الكتاب والتي نعيشها في الواقع والحال، وأكدتها حقائق علمية منشورة في كل مكان، وعاشها هو متابعة وكتابة وجهداً وعناءً منذ فترة طويلة ؛ لكال التهم لهذا وذاك بالجملة والمفرق، وحاكم وحكم على من تسبب؛ إنما يبتغي هو بأسلوبه هذا إبداء الرأي بالتي هي أحسن ؛ فحجم المشكل كبير جداً والمتسببون فيها كثر، والتسمية بتحميل المسئولية لأي كان بنظره غير ذي جدوى, فالمسئولية جماعية والحل جماعي.

فهل ياترى ستكون الاستجابة من المعنيين على غرار حسن تعامله مع هذا الموضوع؛ أم أن ديدن الناس في هذه البلاد هو الأخذ بمقولة يا ظالم يا مظلوم وشريعة ومشارعين والأرفع صوتاً هو الأكثر حضورا وإذن من طين وإذن من عجين وغيره .

ورغم أن الكتاب يخاطب الجميع مسئولين ومواطنين ؛ إلا أنها في حقيقة الأمر مسئولية مؤسسات الدولة المختلفة التي تملك آليات إيقاف العبث والعابثين وصيانة الثروة وحماية البيئة والصحة العامة ونشر السكينة والطمأنينة بين الناس، وإذا لم تكن هذه المؤسسات صارمة في إجراءاتها فماذا عساه أن يصنع الرأي العام في ظل تباطؤها وترددها، وهي المعنية قبل غيرها .

إن الكتاب بمضمونه الشامل يعتبر رسالة عظيمة موجهة للمجتمع اليمني للتنبيه من المخاطر التي تحيط به وتشكل تهديدا لمستقبله واستقراره والمتمثلة في استنزاف الثروة المائية وتلويث ما تبقى منها بالمخصبات الكيماوية والسموم والمخلفات الصناعية، فقد رسم بذلك أبلغ صورة لواقع المياه في اليمن والتأثيرات المحيطة به، وبهذا فإنه لم يعد في نظري بعد أن قرأته مجرد كتاب كتبه أحد أبناء اليمن المسكونين بهم الوطن ؛ لكنه حقيقة يصلح أن يكون منهجاً بل وكتابا وطنيا يدرس في المدرسة، ويكون لدى وزير المياه والبيئة ووزير الصحة والهيئات الصحية المختصة والهيئات التنفيذية والمجالس المحلية والتشريعية لدراسة المعاني التي يحتويها والحقائق التي يتضمنها ؛ فهو جامع شامل، وهو فوق ذلك روح إنسانية تجلت في إبراز ما يمكن أن يصبح مأساة عامة في المستقبل تشكل تهديداً لحياة الناس في هذه البلاد التي كان يطلق عليها يوماً الأرض السعيدة .

وصاحب هذا الكتاب يستحق أن يمنحه الوطن وساماً رفيعاً ؛ فقد ترك كل شيء في شئون السياسة والحكم والمعارضة وصياغة العناوين المثيرة الرنانة التي يتسابق عليها كثيرون وفي أن يحظى برضا هذا أو ذاك ؛ بل ذهب يبحث ويدقق في قضية أهم ؛ ليلفت انتباه الجميع إلى مشكلة خطيرة جداً لا تميز بين حاكم ومحكوم، ولا بين سلطة ومعارضة, إنه تهديد حقيقي لمستقبل أبناء اليمن ـ صغيرهم وكبيرهم ـ، وهل بدون الماء تكون الحياة ؛ فالله سبحانه وتعالى يقول : (( وجعلنا من الماء كل شيء حي )) صدق الله العظيم.

 إن الكتاب في مضمونه يخاطب اليمنيين ويذكرهم بأن مشكلتهم كانت في الأمس هي الماء، فعندما تهدم سد مأرب تفرقت أيدي سبأ وهاجر اليمنيون إلى أرجاء المعمورة باحثين عن مواطن جديدة تؤويهم في الشام والعراق ومصر وفي المغارب والمشارق، وهي اليوم أخطر مما كانت عليه بالأمس، وفي هذا الزمن لن يجد الناس متسعاً للهجرة إلى أي بلد, فالحدود مغلقة والهجرة ممنوعة والسكان لم يعودوا بالآلاف، وإنما بالملايين ؛ بحيث لا تتسع لهم أي أرض أخرى، ولا مكان يؤويهم سوى وطنهم ؛ فإما الحياة وإما الموت .

ومع أن الكتاب حاول طمأنة الناس بأن الحلول للمشكلة ممكنة من خلال معالجة الأسباب التي أدت إلى ذلك واتباع نظم صارمة في الري ومنع حفر الآبار والبحث عن إمكانية تحلية مياه البحر ؛ إضافة إلى إقامة السدود حتى وصل به الأمر إلى التطلع إلى المريخ .. وغير ذلك مما طرحه من الحلول العاجلة والآجلة .

لكن هذا التفاؤل سرعان ما يغيب لعدم وجود إجراءات رسمية صارمة وقوانين رادعة ومجتمع واعٍ، ولا تزال تداعيات المشكلة متواصلة دون أن يوقفها أحد ؛ ففقر الماء مستمر يشمل الناس كافة، والزيادة السكانية تتعاظم عاماً بعد عام في ظل غياب الحلول تستنفد ما هو موجود من كميات المياه المخزونة، وبالتالي يصبح الحل مستعصياً، ويلجأ الناس للهجرة الداخلية بحثا عن المياه، وهو ما سيصبح سمة عامة لليمنيين في القرن الحادي والعشرين, والمؤلف يدرك ذلك دون شك ؛ لكنه رفع شعار " ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل " وحتى يكون هذا الاستطراد والتعليق على الكتاب مجدياً وذا معنى ؛ فإني أقترح عدة مقترحات تتمثل في قيام وزارة التربية والتعليم بإدراج أجزاء من الكتاب ضمن المنهج المدرسي للحفاظ على ما هو متوفر من الثروة المائية، وطرح المشكلة في الفصول الدراسية

ليتسنى للطلاب التفكير خلال مراحل الدراسة بوجود مشكلة ؛ ثم المشاركة في وضع الحلول المستقبلية لها.

بينما تتولى وزارة الصحة العامة والسكان تكثيف التوعية الصحية بالمخاطر التي يسببها تلوث المياه، وما ينتج عنها من أمراض مستعصية ؛ إضافةً إلى إعادة النظر في التشريعات الخاصة بالمياه والبيئة والإجراءات التنفيذية التي ينبغي اتباعها لتحقيق الأهداف المنشودة، وكذا قيام المجالس المحلية بدورها التنفيذي والتوعوي من خلال طرح المحاذير التي وردت في الكتاب ومنع الحفر العشوائي بحثا عن المياه .

كما نقترح أن تتولى الجهات المختصة بالزراعة والمياه اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع استنزاف المياه من خلال الري بالغمر لعدد من المزروعات التي تحتاج للمياه بصورة مستمرة مثل شجرتي القات والموز، وإلزام المزارعين بتغيير أنظمة الري المتبعة حالياً .

ومن جانب آخر فإن على الأحزاب السياسية القيام بدورها في هذا الجانب؛ بالمشاركة في توعية الرأي العام بمخاطر إهدار الثروة المائية على مستقبل البلاد والعباد .

وما الذي يمنع وسائل الإعلام التي تثقل المشاهد يومياً بمواضيع وقضايا لا صلة لها بهموم المواطن اليمني أن تخصص حيزاً من برامجها للتوعية بمثل هذه المخاطر، وإشراك المواطن في إيجاد حلول لها عبر توظيف الدراما التلفزيونية والبرامج الحوارية المفتوحة، وهو أجدى نفعاً من شغله في مواضيع درامية لا صلة لها بالواقع الذي يعيشه المواطن اليمني .

وسائل كثيرة يمكن توظيفها في سبيل إيقاف إهدار الثروة المائية وتلويثها إذا تكاتفت الجهود وخلصت النوايا، حيث لا ينبغي أن نظل مكتوفي الأيدي أمام مثل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل التي تحدث أمام أعيننا يومياً ولانحرك ساكنا, وفي أحيان كثيرة نسمع عن أحاديث هنا وهناك حول موضوع ما ومقترحات بالحلول الناجعة ولكن بدون فعل على أرض الواقع ويصبح الحال نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً. وهكذا دواليك.

وفي الأخير ليس بوسعنا إلا أن نقدم الشكر الجزيل لصديقنا محمد عبد الماجد العريقي, على الجهد الذي بذله في إصدار هذا الكتاب القيم الذي نعده عملاً وطنياً يخدم به بلده وأهله, ونأمل أن تحظى الأفكار والآراء الواردة فيه باهتمام من قبل المعنيين في الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني حتى يتم محاصرة هذه المشكلة والتخفيف من تداعياتها، واضعين نصب أعيننا التأملات الشعرية لشاعر اليمن الكبير الدكتور / عبد العزيز المقالح التي تنبىء بحجم المشاكل حيث يقول فيها :

كل شيء على هذه الأرض يشكو الفساد ؛ المياه، الهواء، الرجال، النساء، الطيور، ولون الشجر . . أيها الناس ماذا تبقى لكم في الحياة اللعينة غير رماد الحروب وغير جنون البقر !!.