طلاس رئيساً لسورية الجديدة؟
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 9 أيام
الأحد 08 يوليو-تموز 2012 04:45 م

باتت اجتماعات 'اصدقاء سورية' تذكرنا باجتماعات الجامعة العربية، مجرد خطب قوية في معظم الأحيان تطالب بأقوال لا افعال، ثم ينفض الجمع ويعود كل منهم الى بلاده انتظاراً لاجتماع جديد.

المعسكر العربي في مؤتمر باريس الاخير بات قلقاً من اطالة أمد الأزمة السورية، ويستعجل التدخل العسكري الأجنبي، ودون اي التزام بمجلس الأمن الدولي وقراراته، تماما مثلما كان الحال في كوسوفو، ويريد من الغرب ان يقوم بمهمة اسقاط النظام السوري، مثلما اسقط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، واطاح بحركة طالبان في افغانستان، ونظام العقيد معمر القذافي في ليبيا.

في افغانستان استخدمت الولايات المتحدة القاذفات العملاقة 'بي 52' للقيام بقصف 'سجادي' مهّد لتدخل القوات البرية، وفي العراق استخدمت الاثنين معاً في الوقت نفسه، وفي ليبيا اكتفت بغارات الطيران ودون ارسال اي جنود باستثناء بعض الخبراء العسكريين.

النظام السوري يملك جيشا قويا وصواريخ روسية قادرة على التعامل، ولو جزئياً، مع الطيران الحربي، وإسقاط الطائرة الحربية التركية احد المؤشرات في هذا الصدد.

الغربيون ليسوا في عجلة من أمرهم مثل نظرائهم العرب، ويتبنون سياسة التدرج والنفس الأطول في التعاطي مع القضايا، وفق سيناريوهات معدّة سلفاً ومتفق عليها. ففي العراق بدأوا بالحصار الاقتصادي الخانق، ثم بالتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل، وبعد ذلك مناطق الحظر الجوي في الشمال والجنوب، وانتهى الأمر بالغزو العسكري الشامل.

' ' '

المعارضة السورية التي شاركت في المؤتمر ممثلة بالمجلس الوطني السوري، طالبت بحظر جوي وممرات آمنة، واسهبت في وصف الوضع المأساوي على الارض، حيث سقط اكثر من عشرين الف قتيل، ولكن مثل هذه المطالب قوبلت بالصمت، في الوقت الراهن على الأقل.

من المؤكد ان النظام السوري بدأ يشعر بالضعف، وانعكس ذلك في حدوث شروخ في بنيته السياسية والعسكرية، تمثلت في تزايد وتيرة الانشقاقات من قبل ضباط وجنود، بينهم عشرة جنرالات، حسب تصريحات منسوبة للقيادة التركية.

السمكة الأكبر، حسب التعبيرات الغربية، تمثلت في الاعلان عن هروب العميد مناف طلاس قائد أحد أبرز الأولوية في الحرس الجمهوري السوري، وأحد الاصدقاء والمقربين للرئيس السوري بشار الاسد.

العميد طلاس ابن وزير الدفاع الاسبق مصطفى طلاس، كان من المقرر ان يشارك في اجتماع اصدقاء سورية، بحيث يشكل المفاجأة الاكبر فيه، والاعلان عن الانضمام الى المعارضة السورية، وربما قيادتها.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيفية تمكنه من الهرب، في ظل وجود اكثر من 17 جهاز استخبارات في سورية يقال انها ترصد كل صغيرة وكبيرة في البلاد، وهل تم هذا الهرب بتنسيق ورعاية اطراف داخلية ام خارجية، بعلم النظام او بدونه، في اطار صفقة او بدون ذلك؟

التكهنات كثيرة، وهناك من يقول ان عملية الهروب هذه جاءات في اطار سيناريو فرنسي جرى إعداده بإحكام، تتحدث بعض مفرداته عن إعداد العميد مناف لكي يكون رئيسا لسورية ما بعد الاسد، حيث تتوافر فيه صفات عديدة تؤهله لهذه المهمة، ابرزها خلفيته العسكرية، وإرثه العائلي، وانتماؤه السني، ولمنطقة حمص بالذات. فالمحاصصة الطائفية التي بدأت في العراق، وبالتحديد اثناء تركيب مجلس الحكم من قبل الجنرال بريمر، هي احد ابرز الخيارات لرسم مستقبل 'سورية الجديدة'. ثم هل نسينا ان مصطفى عبد الجليل رئيس ليبيا المؤقت كان وزيراً للعدل عند القذافي، واللواء مصطفى يونس رئيس جيش الثوار كان عضواً في تنظيم الضباط الاحرار؟

العميد طلاس كنز من المعلومات العسكرية والأمنية سيستفيد منها اصدقاء سورية استفادة لا تضاهيها الا تلك التي تمثلت في الانشقاق المرتب بعناية للسيد موسى كوسا رئيس جهاز استخبارات نظام العقيد القذافي لسنوات طويلة، حيث قدم معلومات لا تقدر بثمن لمضيفيه البريطانيين وحلفائهم الامريكان، ساهمت في التعجيل بإطاحة نظام العقيد القذافي في ليبيا.

ربما لا توجد فوارق كبيرة بين العميد طلاس ونظيره الليبي كوسا، ولكن قطعاً توجد هذه الفوارق بين الرئيسين معمر القذافي وبشار الاسد. فالأول كان بلا اصدقاء، ومكروهاً من الجميع داخل ليبيا وخارجها، مع بعض الاستثناءات المحدودة، بينما الرئيس الاسد يجد دعماً غير مسبوق من روسيا والصين ودول عظمى صاعدة مثل الهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية، او ما يعرف بدول البريكس.

' ' '

يفغيني بريماكوف وزير خارجية روسيا الاسبق قال في حوار تصادمي مع هنري كيسنجر ان روسيا اهينت في ليبيا، وانها لن تخدع مرة اخرى من الغرب في سورية، وستقف مع النظام حتى النهاية حفاظا على مصالحها، وهذا الموقف لم نر له مثيلا في العراق او ليبيا او حتى في صربيا، الامتداد الطبيعي الديني والسياسي لموسكو.

في حواره مع صحيفة 'جمهوريات' التركية اكد الرئيس الاسد انه ليس مثل شاه ايران، وانه يتمتع بتأييد من قبل شعبه، موحيا بأنه سيقاتل حتى النهاية، اي انه لن يهرب مثل زين العابدين بن علي، ولن يتنحى جانبا مثل الرئيس حسني مبارك، وهذ لو صحّ فإن علينا ان نتوقع حربا اهلية طائفية طويلة في سورية، للأسف الشديد.

الرئيس الاسد راهن على سحق الثورة السورية في ايام معدودة، ولكن رهانه خاب، وها هي الثورة تستمر لأكثر من 15 شهرا متواصلة، وتزداد قوة بفعل التسليح الخليجي الذي بدأ يعطي ثماره على الارض، من حيث زيادة اعداد القتلى في صفوف قوات النظام بصورة لافتة للنظر.

النظام السوري امام احتمالين رئيسيين، الاول ان يقاتل حتى النهاية، مثلما حدث في ليبيا، في مواجهة تحالف يضم اكثر من مئة دولة، بينها دول عربية غنية ومصممة على اسقاطه حتى لو خسرت كل ملياراتها، ورهنت نفطها لعقود قادمة، او ان يرفع راية الاستسلام ويبحث عن ملاذ آمن في روسيا، وليس في المملكة العربية السعودية التي كانت دائما ملجأ للسياسيين السوريين، وجاءت حالة الرئيس السابق بن علي استثناء ربما لن يتكرر.

الرئيس الاسد ربما يختار الخيار الاول، اي القتال حتى النهاية، ولكن ليست النهاية التي انتهى اليها معمر القذافي، وانما نهاية الحرب الاهلية في الجزائر، التي انتصر فيها النظام على حساب قتل حوالى 200 الف انسان.

نحن لا نقرأ الطالع، ولكن من الصعب جدا التكهن بالنتيجة النهائية التي سينتهي اليها الوضع السوري، ولكن ما يمكن التكهن به ان معدلات سفك الدماء سترتفع وتيرتها الى مستويات قياسية، لأن هذا النظام عقد العزم على القتل والمزيد منه، على امل النجاة في ظل الاطمئنان الى الدعم الروسي، وتردد المجتمع الدولي، ووجود اعداء مثل تكتل اصدقاء سورية، يتنقلون بين العواصم بمؤتمراتهم، في تجسيد بليغ لسياحة المؤتمرات.