الحراك.. انحراف المسار وغموض المصير
بقلم/ حسن الحاشدي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 6 أيام
الإثنين 04 يناير-كانون الثاني 2010 04:30 م

(قميص عثمان) الذي اتسع خرقه :

تتداخل عوامل عديدة أبرزها العامل السياسي في بروز ظاهرة الحراك في العديد من المحافظات الجنوبية .

ويؤرخ الداعون إلى تلك الظاهرة بأنها بدأت عقب حرب الانفصال عام 1994م، والتي انتهت بانتصار الشرعية ، وعودة اليمن موحداً أرضاً وإنساناً ، بينما يرى آخرون أن الحراك قد ظهر عملياً عام 2007م .

وقبل ذلك كله كان أخطر إرهاصات الظهور ، يتمثل في انتشار ثقافة ظاهرها التسلية والضحك ، وباطنها بث الفرقة والمناطقية (الدحابشة) ويتطور الأمر إلى التنابز : (شمالي) (جنوبي) ، وهو مسلسل خطير مستمر إلى يومنا هذا .. ويوماً بعد يوم تزداد التعقيدات سوءاً.

إن الراصد لمعطيات الحراك عبر مسيرته يلحظ جلياً أن الأمر لم يتوقف وينتهي ذوهو ما كان يفترض- عند قضية الحقوق لمنتسبي القوات المسلحة من أبناء المحافظات الجنوبية ، وهي القضية التي بدأت كمنطلق ، وحاولت الدولة معالجتها بمختلف الوسائل ، بل اتضح بمتوالية الأحداث والتحركات أن تلك القضية إنما كانت (قميص عثمان) لأهداف أخرى .

ورغم أن الحراك بدأ من حيث قياداته في البداية أنها قيادات مشتتة وليست لديها رؤية إستراتيجية ، بدليل تعدد المتحدثين والممثلين ، واختلاف رؤاهم ، وتناقض سلوكياتهم وتصريحاتهم ؛ إلا أنهم قدموا لمن بعدهم من القيادات مشروعاً يعتقدون أنهم بتبنيه سوف يحققون مكاسب ، لعل أهمها : عودتهم إلى واجهة الأحداث ، بعد أن تلطخت سجلاتهم وتاريخهم السياسي بدعوتهم للانفصال في عام 1994م ، ولا تزال دماء الكثيرين ، سواء من أبناء الجيش أو من مشايخ وأعيان وعلماء في أعناقهم ، ومن هؤلاء القادة : مهندس الانفصال حيدر أبو بكر العطاس ، وعلي سالم البيض ، وغيرهم من الذين أصبحوا جزءاً من تاريخ اليمن الحالك السواد .

قل ما تريد وأنا أفعل ما أريد :

ومن باب العدل والإنصاف هنا ينبغي أن نشير إلى أمر مهم ، وهو أن ما فتح الشهية لأولئك الذين يلهثون طلباً للانفصال هو تطور المطالب وتعددها ، فبعد أن كانت مقتصرة على حقوق المنتسبين للجيش تدرجت تدرجاً مخيفاً ، إلى الشعور بالظلم ، بأن قلة قليلة فاسدة استحوذت على مقدرات وأملاك لمواطنين أو لأراضٍ ومنشآت كانت قبل الوحدة تتبع الدولة . ولعل ما زاد الأمر سوءاً أن تلك القلة الفاسدة تتمثل في قيادات ومسؤولين محسوبين على المحافظات الشمالية .

ورغم أن الدولة اتخذت تدابير لحل تلك القضية عبر تشكيل لجان مختلفة المسميات للوصول إلى حل ، وهي اللجان التي توصلت إلى نتيجة مفادها رصد قوائم بالأسماء لأبرز المفسدين ، ولأن نفوذهم ذو سيطرة لمفاصل هامة في الدولة ؛ فقد بقيت تلك الأسماء ولسان حالها (قل ما تريد ما دمت أفعل ما أريد) ، وأصبحت المسألة وكأنها امتصاص للاحتقانات وللاستهلاك الإعلامي ، بمعنى أوضح أن تلك اللجان انتهت إلى لا شيء .

وهو ما كان ردة فعله توسع رقعة الاحتجاجات ، فبعد أن كانت الاحتجاجات مقتصرة على محافظة الضالع ، إذا بالأمر ينتقل إلى محافظات أخرى ، مثل : لحج، وعدن التي أضحت مركزاً للعديد من التجمعات والفعاليات التي يتبناها الحراك، إلا أن عدن بدت (بسبب التدابير الأمنية المختلفة) عصية على أن تنقل إليها عدوى الحراك كالمحافظات السالفة الذكر .

تعددت الأسماء والفعل واحد !!

ويبدو أن ألَقَ الحراك وتوسعه قد حرك المياه الراكدة لدى العديد من الساخطين والناقمين على الوحدة ، على مستوى الداخل والخارج.

فعلى المستوى الداخلي بدأ الحراك منذ انطلاقاته يعتمد على قيادات من الداخل ، تتبنى الفعاليات المختلفة هنا وهناك ، وتحاول جاهدة وضع ملامح لمسمى يحمل قضايا الحراك ، وهو ما لم يتحقق ، فقد ساد الاختلاف وتعددت المسميات ، والتي تمثلت في:

1-الحراك الجنوبي .

2-الحراك الجنوبي في اليمن.

3-الحراك السياسي .

4-الحراك السلمي .

5-الحراك الجنوبي السلمي .

6-الحراك السياسي في اليمن .

وأما على المستوى الخارجي ؛ فقد كان (علي ناصر محمد) بين الفينة والأخرى يتبنى خطاباً يدعو إلى التعقل لدى قادة الحراك والتفهم من قبل الدولة للمطالب التي ينادي بها الساخطون ، إلا أن تطور الأحداث ومساراتها جعلت من خطاب علي ناصر أكثر حدة وفرقة ، كالمطالبة بحقوق الجنوبيين المنهوبة من خيرات وغيرها .

ويبدو أنه خلال كل ذلك كان قادة الحراك قد بدأوا يعدون العدة نحو مزيد من التأزيم ، وذلك عبر تحركاتهم ولقاءاتهم ، وهي التحركات التي كان أبرزها : مغادرة علي سالم البيض لسلطنة عُمان التي منحته اللجوء السياسي ، وعاش فيها منعماً بعيداً عن الأضواء لسنوات عديدة .

فقد تفاجأ العديد من الأوساط السياسية بظهوره على القنوات الفضائية ، متبنياً الدعوة إلى انفصال اليمن ، وعودته إلى ما قبل 1990م ، وهنا يظهر بجواره عَلَم ما كان يسمى بـ(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) قبل الوحدة ، وهو ما يعني نقلة نوعية أسفرت عن مخطط يهدف إلى تمزيق اليمن ، ولم تكن لافتات النضال السلمي للحراك إلا واجهة لما يُراد .

وهو بدوره ما سبب انقساماً في قيادات الحراك ، فبعضها ينادي بأن الوحدة خطٌّ أحمر لا يُسمح تجاوزه ، ويرى استمرار فعاليات الحراك ، ولكن سلمياً .

ومنهم من تبنى -بفذلكة- مبدأ رفض الوحدة القائمة على الظلم ، ونهب الحقوق والمقدرات ، ويغلّف ذلك بالمطالبة بالوحدة القائمة على العدل والمساواة وحفظ الحقوق .

وينتقل ذلك المشهد عملياً عبر فعاليات الحراك ، حيث أضحى العديد من المتظاهرين ، وفي فعاليات مختلفة ، يرفعون الأعلام التشطيرية وصور رموز التشطير ، مثل : علي سالم البيض .

وهو بدوره ما عزز ثقافة الكراهية والمناطقية ، والتي تعززت على أرض الواقع عملياً بالعشرات من الحوادث ، ابتدأت بقطع الطرقات والمضايقات لأبناء المحافظات الشمالية المقيمين في المحافظات الجنوبية الملتهبة طلباً للرزق .

وبنزق محترفي الإجرام يتطور الأمر إلى نهب الممتلكات والخطف والقتل بدم بارد لأولئك المساكين رغم توسلاتهم ذكما في حال القباطي (بائع الحلوى) وأولاده- فأضحى الأمان مفقوداً ، وخصوصاً التهديدات لأبناء المحافظات الشمالية ، بالعودة إلى محافظاتهم وإحراق ممتلكاتهم والتهديد بالقتل .

في ظل ما يحدث . . مصير اليمن مجهول !!

ولعل ضعف هيبة الدولة قد أدى بدوره إلى الجرأة علناً في الداخل لإعلان الانفصال وفك الارتباط ؛ فقد أعلن أبرز الموالين للدولة ، وهو الشيخ طارق الفضلي ، (أبرز مشايخ محافظة أبين) أعلن انضمامه للحراك ، وانتقل إلى محافظة أبين ، واتخذها معقلاً لفعالياته التي أيضاً نقلت الحراك إلى مسمى آخر ، وهو الدعوة إلى الانفصال عن الشمال، وأضحى أعوانه يغيرون على الممتلكات العامة، وكذا مقار المؤسسات الرسمية للدولة، وخصوصاً في عاصمة المحافظة زنجبار ، والتي أضحت لا حول لها ولا قوة .

ولعل ما يزيد الأمر سوءاً الضربات الجوية الاستباقية التي نفذتها القوات اليمنية بالتنسيق مع الأمريكيين ، والتي خلفت عشرات القتلى والجرحى من بينهم نساء وأطفال ، وهي الضربات التي يرى الحراكيون أنها استهدفت أبناء المحافظات الجنوبية ليس إلا .

فالعديد من المحللين السياسيين يرى أن تلك الضربات قد جنى ثمارها الحراكيون، وذلك بتعاطف العديد من القبائل في تلك المناطق مع تنظيم القاعدة ، وأيضاً توحّد تلك القبائل فيما بينها عبر شدّ أزر الحراكيين ، الذين انتهى بهم المطاف إلى انفصاليين لا خلاق لهم.

إن كل ما سبق ذكره في هذه التناولة يحدث في ظل نوم عميق يغط فيه عقلاء اليمن وعلماؤه ومشايخه ، ويقظة منهكة لدولة لا تلوي على شيء ، وجيش أنهكته حروب ستة يخوضها منذ سنوات مع (الحوثيين) وكلاء الفرس في اليمن ، وفي ظل التشفّي من قبل أحزاب المعارضة للحزب الحاكم التي ترتقب انهيارات متتالية -لا قدّر اللهذ والتي سوف تطال الجميع في يمن الإيمان .

فمتى تتفجر ينابيع الحكمة في ظل ما يحدث ، والذي يقود البلاد عبر نفق مظلم إلى مصير مجهول؟!

* مدير تحرير مجلة المنتدى

*رئيس اللجنة الإعلامية للملتقى السلفي العام