|
المتابع لتطورات أحداث التحولات الثورية التي يصنعها اليوم باقتدار شباب وشعوب عدد من الدول العربية يلمس موقف أمريكي مثير للجدل والتساؤلات، وكذا مواقف دول الاتحاد الأوروبي من هذه الثورات التي تستهدف تحريك مياه راكدة ظلت كذلك لعقود حتى فاحت منها الرياح النتنة التي تشكل تهديدًا لاستمرار حياة سكان هذه البلدان.
لقد ظللنا نتابع أحاديث وتصريحات العديد من المسؤولين الأمريكيين سواء أكانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، وكذا المسؤولين في دول الاتحاد الأوروبي حول حاجة البلدان العربية إلى التغيير، وإلى الديمقراطية وإلى تحولات تصنع تطورات تنقل شعوب هذه البلدان إلى حياة القرن الواحد والعشرين.
كنا مع المشروع الأمريكي الأوروبي الذي سطع بارزًا في العشر السنوات الأخيرة من القرن الماضي، الذي تم التعبير عنه في – حينها – من خلال مشروع (باول) حول أهمية التغيير والديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط الكبير،والذي تبلور بعد ذلك من خلال مواقف الدول ألثمان الكبرى والتي تجسد حينها من خلال منتدى المستقبل العالمي برعاية هذه الدول الكبرى وكان حينها الجدل بارزًا حول ما إذا كان هذا التغيير المطلوب يأتي بوسائل وأدوات من خارج هذه البلدان أي عبر التدخل المباشر من أمريكا وأوروبا – كما حصلت مع نظام صدام حسين في العراق – أو أن يأتي من داخل هذه الأنظمة أو البلدان وكان قد استقر الموقف – حينها – بأن تأتي هذه التغييرات من داخل هذه البلدان، وهو ما التزم به حكام هذه الدول – العربية – خصوصـًا؛ ولأنّ المعنيون في الإدارة الأمريكية وفي الدول الغربية الذين أخذوا على عاتقهم دعم هذه التحولات نحو التغيير المنشود كانوا يعلمون أنّ الحكام العرب لن يحترموا ما وعدوا به – كعهدهم بهم – فقد كان الأمل يرتبط بدور الشعوب وشباب هذه البلدان بوجه خاص.
وبدأت عجلة الفعل، وخلقت تراكمات المطالب، والغضب حتى تحوَّلت إلى عمل منظم تجلت اليوم بثورات الشباب في الساحات والميادين.. فكان الحراك الجنوبي في اليمن أول من تحدى أنظمة الحكم القمعية وكان يمكن لهذا الحراك أن يحقق أول انتصار للتغيير في بلاد العرب لولا الاختراقات والتآمرات التي واجهت هذا الحراك من داخله ومن خارجه، ما أدى إلى طول مدة حراكه رغم ما قدمه من تضحيات من الشهداء والجرحى والمعتقلين.
وجاءت ثورة الشباب في تونس وعززت الثقة لدى الشباب وشعوب المنطقة ثم تلاها شباب وشعب مصر، وجاء شباب وشعب اليمن ليوسعوا من حراكهم الجنوبي ليشمل كل محافظات اليمن شمالاً وجنوبـًا وشرقـًا وغربـًا.
وخرج الملايين من كل حدب وصوب من مساحة الأرض اليمنية شبابـًا وشيوخـًا رجالاً ونساء وأطفالا وطلاب وطالبات.
وامتلأت ساحات وشوارع مختلف هذه المحافظات بالملايين اليومية، جميعهم يرفعون شعارًا واحدًا : "الشعب يريد إسقاط النظام".
ورغم هذا الزخم ألملاييني الغاضب الذي يتواصل مشهده لأكثر من شهرين، ومع ذلك فما تزال الإدارة الأمريكية تراوح بمواقفها .
فالمثير للتساؤلات والجدل هنا هو الموقف الأمريكي والموقف الأوروبي من مطالب هذه الملايين من أبناء اليمن الذين صنعوا ثورتهم هذه من أجل تحقيق هدف مشروع، ظلت الإدارة الأمريكية وحكومات أوروبا تنصح الحكام العرب القيام بها وتدعم تحقيقها ولكن دون أي جدوى .
لن نذهب بعيدًا فقد كان للرئيس أوباما موقفـًا رائعـًا في دعم ثورة شباب وشعب مصر، حيث كان متابعـًا بالساعات اليومية لمسار هذه الثورة، وكان موقفه واضحـًا بدعوة الرئيس مبارك بالتنحي والرحيل وحينها اسبشرت قوى التحديث والتغيير خيرا .
وما زلنا نتذكر تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أثناء زيارتها إلى المنطقة وزيارتها لليمن في السابع من يناير مطلع العام الجاري، التي كانت تؤكد فيها أهمية التغيير، وأنّ التغيير حق من حقوق الشعوب.
مبررات الإدارة الأمريكية في عدم مطالبة صالح بالرحيل والتعلق بوجود تنظيم القاعدة في اليمن أمرٌ لا يمكن إقناع ثوار اليمن به، حيث أنّ ذهاب الرئيس صالح ونظام فساده لن يؤثر في جهود مكافحة الإرهاب وتنظيم القاعدة، بل على العكس؛ فإنّ ذهاب الرئيس صالح ونظامه الذي كان يدعم القاعدة ويغذيها ويدعم الإرهاب سيؤدي الى مواجهة ومعالجة حقيقية لتنظيم القاعدة؛ لأن الشعب هنا سيكون سندًا للنظام الجديد، ولن يسمح بأي نشاط للقاعدة التي أثبتت الأدلة أن وجود تنظيم القاعدة في اليمن جرى المبالغة فيه من قبل الرئيس صالح ونظامه لأغراض ابتزاز دول الإقليم والإدارة الأمريكية.
ثمَّ أنَّ مطالب الشباب والشعب الذين يصنعون اليوم ثورتهم في اليمن ورؤاهم في بناء اليمن الجديد، لا يمكن تحقيها في ظل وجود الإرهاب سواء أكان ما يمثله تنظيم القاعد أو غيره، وهذا يعني أنّ مكافحة الإرهاب ومصادره وأسبابه سوف تحتل المهمة الأولى للنظام الجديد.
وتمسك الإدارة الأمريكية الآن بالرئيس صالح، سوف يضر كثيرًا بالمصالح الأمريكية في اليمن وبعَلاقاتها بالشعب اليمني، بل وستضر كثيرًا بمصداقية السياسة الأمريكية التي بذلت إدارة الرئيس أوباما جهودًا كبيرة وعظيمة إلى إعادة بعض من احترام شعوب المنطقة لها .
إذا كانت الإدارة الأمريكية ترى بالرئيس صالح أملاً إيجابيـًا لمصالحها في اليمن والمنطقة، فقد كانت تستطيع المحافظة عليه حتى 2013 من خلال الضغط عليه وإقناعه باحترام مطالب الشعب ووقف فساده ووقف ممارسات الظلم والقهر والقتل والاستبداد بحق الشعب، ولأنها لم تستطع ذلك أو لنقل أنـّها فشلت في ذلك؛ فإنّ أمر بقاء صالح الآن لم يعد مقبولاً من الشعب، كما أنـَّه لم يعد صالحـًا لضمان مصالح الولايات المتحدة ودول الإقليم وبالذات في مكافحة الإرهاب، فلقد أصبح مصدرًا للأزمات والإرهاب.
وأصبح رحيله هو الحل، وعلى الإدارة الأمريكية أن تعي كل ذلك قبل فوات الأوان، فثورة شباب وشعب اليمن حتمـًا.. حتمـًا ستنتصر.
*رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان
في السبت 16 إبريل-نيسان 2011 06:03:54 م