جمع الكلمة حول رؤية الأهلة
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 28 يوليو-تموز 2010 04:08 م

كَتب عن رؤية الأهلة وبم تثبت، كثير من العلماء والفقهاء المعاصرين، ما لو جمعت أبحاثهم، لكانت مجلدات ضخمة، وهذا الخلاف بين علماء العصر في واقع الحال قديم، يرجع إلى اختلافهم في تقديري في الأخذ بالحساب الفلكي، فأساس الحساب الفلكي قائم على علم الفلك القائم على المراصد الفلكية وعلم الرياضيات، فمن أجاز الأخذ بالحساب الفلكي، أجاز الاعتماد في رؤية الهلال على أجهزة التلسكوبات والمراصد الفلكية، ومن منع الأخذ بالحساب الفلكي منع كذلك من الاعتماد على أجهزة الرصد الفلكية، كما سيأتي بيانه، لذا فلا نطيل هنا بإعادة ذكر اختلافهم وحججهم، تفصيلاً، وإنما نذكرها باختصار، ثم نحاول مناقشة بعض هذه الحجج عسى أن نصل إلى قول يجلي المسألة ويبينها ويرفع عنها النزاع والاختلاف ويحقق فيها جمع كلمة المسلمين.

فمن قدامى العلماء العلامة ابن رشد حيث نقل خلاف أهل العلم في الأخذ بالحساب الفلكي فقال يرحمه الله:

\\\"اختلفوا في الحكم، إذا غمّ الشهر، ولم تمكن الرؤية، في وقت الرؤية المعتبر، فأما اختلافهم، إذا غم الهلال، فإنّ الجمهور يرون أن الحكم في ذلك أن تكمل العدة ثلاثين... وذهب ابن عمر إلى أنه، إن كان المغمى عليه هلال أول الشهر، صيم اليوم الثاني، وهو الذي يعرف بيوم الشك.

وروي عن بعض السلف أنه إذا أغمي الهلال، رجع إلى الحساب بمسير القمر، والشمس، وهو مذهب مطرف بن الشخير، وهو من كبار التابعين، وحكى ابن سريج عن الشافعي أنه قال: من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر، ثم تبين له من جهة الاستدلال أن الهلال مرئي، وقد غم، فإن له أن يعقد الصوم، ويجزيه\\\" بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 1/436.

وهذا الخلاف المشار إليه بين الجمهور وغيرهم في الأخذ بالحساب الفلكي، امتد إلى علماء عصرنا، حيث انقسم علماء العصر إلى مجيزين ومانعين للحساب الفلكي، على النحو الذي سيأتي بيانه في المطالب الآتية.

المطلب الأول: القائلون بالمنع وذكر حججهم.

ممن ذهب إلى عدم الأخذ بالحساب الفلكي، أو الاعتماد على الرؤية بواسطة الأجهزة الفلكية، هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله، حيث قال: \\\"المعول عليه في إثبات الصوم والفطر وسائر الشهور هو الرؤية أو إكمال العدة، ولا عبرة شرعاً بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري بدءاً وانتهاءً بإجماع أهل العلم المعتد بهم ما لم تثبت رؤيته شرعاً ..ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله وقوله مردود، لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع إجماع السلف. (من إملاءات الشيخ ابن باز، نقلا عن الموقع الرسمي لفضيلته، يرحمه الله.).

ومن العلماء المانعين من الاعتماد على الحساب أو المراصد الفلكية في دخول رمضان وشوال القاضي اليماني/ محمد بن إسماعيل العمراني حيث قال في فتاويه ردا على سؤال: هل يمكن أن نعتمد على رؤية الأرصاد في رؤية هلال شهر رمضان؟.

فأجاب: لا. لا نعمل بالأرصاد لحديث (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) فالمراد الرؤية بالعين المجردة. (من فتاوى القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، المنشورة على موقع جامعة الإيمان) أ هـ.

والعلماء القائلون بالمنع كثر جدا، وهم جماهير أهل العلم قديما كما نقل ابن رشد وحديثا كما هو معلوم بالاستقراء.

واحتج المانعون بأدلة نقلية وعقلية:

من أدلتهم النقلية: حديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين). إلى غير ذلك من النصوص التي علقت الصيام والإفطار بالرؤية لا بغيرها.

فقالوا: أرشد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى تحري الهلال بالرؤية، فإن لم تمكن الرؤية لغيم ونحوه، فنكمل الشهر ثلاثين، ولو كان سبيل آخر غير الرؤية لأرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته إليه.

وأما أدلتهم العقلية، فقالوا بأنه اتضح أنّ الحساب الفلكي غير دقيق، ومتناقض، وحيناً يصدق، وحينا لا يصدق، فهذه الأجهزة والتلسكوبات ليست دقيقة دقة تطمئن إليها النفس، فنعود إلى الأصل وهي الرؤية البصرية، ولا حاجة إلى غيرها، ونكتفي بما أرشد إليه الشارع الحكيم ولا نزيد ولا ننقص، ولا نبتدع في الدين ما لم يأذن به الله.

وقالوا أيضا: أنّ جماهير أهل العلم لا يرون الحساب الفلكي، وأطبقت الأمة على عدم اعتباره، فكيف نصير إلى قول جديد غريب لم يقل به سلف هذه الأمة وجمهورها؟!.

المطلب الثاني: القائلون بالحساب الفلكي وذكر حججهم.

ممن قال بالحساب الفلكي، مُطَرّف بن عبد الله بن الشِّخّير أول من قال بالحساب طريقا شرعيا لإثبات الرؤية، كما نقله ابن رشد وقد مرّ معنا، ثم قال بذلك بعده ابن مقاتل الرازي وابن قتيبة الدينوري وذهب أبو العباس بن سريج من أئمة الشافعية إلى أنّ الرجل الذي يعرف الحساب، ومنازل القمر، إذا عرف بالحساب أن غدا من رمضان فإن الصوم يلزمه؛ لأنه عرف الشهر بدليل، فأشْبَهَ ما إذا عرف بالبيّنة، لأنه سبب حصل له به غلبة ظن، فأشبه ما لَوْ أخـبره ثقة عن مشاهدة. وقال غيره: يجـزئهُ الصـوم ولا يلزمه. وبعضهم أجاز تقليده لمن يثق به، وبه قال تلميذه القفال الكبير الشاشي الشافعي ثم ابن دقيق العيد فالسبكي الشافعي الذي ألّف بحثا مستقلا سماه: \\\"العلم المنشور في إثبات الشهور\\\" دافع فيه بقوة عن رأيه في رد الشهادة بالرؤية إذا خالفت مقتضى الحساب الصحيح.

ثم جاء الشيخ طنطاوي جوهري الذي أثار المسألة في القرن العشرين، معتبرا الحساب في الإثبات حجة، وصنّف رسالة سماها \\\"الهلال\\\" يستدل فيها على رأيه عام 1913م، وكان للشيخ محمد مصطفى المراغي رأي كرأي السبكي برد شهادة الشهود إذا نفى الحساب إمكانية الرؤية (حوالي 1925م). ثم تبنى السيد محمد رشيد رضا عام 1927م العمل بالحساب ودافع عنه، وجاء الشيخ محمد بخيت المطيعي فاقتفى تلك الآثار وصنفَ في ذلك كتابا ضخما عام (1933م) بعنوان: \\\"إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة\\\" ثم الحافظ ابن الصديق الغماري 1953م الذي صنف كتابا أسماه \\\"توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار\\\"، كما يعتبر أحمد محمد شاكر(المحدث) أشهر من قال بالحساب في رسالته المدونة: \\\"أوائل الشهور العربية هل يجوز إثباتها بالحساب الفلكي؟\\\" عام 1939م، واشتهر من بعده عدد من كبار الفقهاء المعاصرين، من أمثال العلماء: يوسف القرضاوي والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ، وغيرهم من أهل العلم.

واحتج المجيزون للحساب الفلكي، بما يأتي:

قالوا لا حجة في الحديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) إذ وسيلة الرؤية ليست مقصورة محصورة على العين المجردة، بل كل ما يفيد اليقين، أو غلبة الظن، كما أن اختلاف الخطاب باختلاف الأحوال أمر وارد، وهو أساس لتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال.

وأما كون الأجهزة الفلكية والحساب الفلكي غير دقيق، ومضطرب، فدعوى غير صحيحة، فقد أصبح من المعلوم أن علم الفلك يدرس في جامعات شتى، وغدت تخدمه أجهزة ومراصد على مستوى رفيع وهائل من الدقة، ومن المقرر المعروف عالميًا اليوم : أن احتمال الخـطأ في التقـديرات العلمـية الفلكـية هو نسـبة 1 – 100,000 في الثانية!!، وعلى فرض ضعف دقتها، فليست العين المجردة بأدق منها، وقالوا في ردودهم أن الرؤية.. وسيلة متغيرة لهدف ثابت.

وقال المجيزون للحساب الفلكي أيضاً: لقد أثبت الحديث دخول الشهر بخبر واحد أو اثنين يدعيان رؤية الهلال بالعين المجردة، حيث كانت هي الوسيلة الممكنة والملائمة لمستوى الأمة، فكيف يتصور أن يرفض وسيلة لا يتطرق إليها الخطأ أو الوهم، أو الكذب، وسيلة بلغت درجة اليقين والقطع، ويمكن أن تجتمع عليها أمة الإسلام في شرق الأرض وغربها، وتزيل الخلاف الدائم والمتفاوت في الصوم والإفطار والأعياد، إلى مدى ثلاثة أيام تكون فرقا بين بلد وآخر، وهو ما لا يعقل ولا يقبل لا بمنطق العلم، ولا بمنطق الدين، ومن المقطوع به أنّ أحدها هو الصواب والباقي خطأ بلا جدال.

وقال المجيزون للحساب الفلكي أو الرؤية عبر التلسكوبات الفلكية: أما كون هذا القول بالحساب الفلكي، يعارض قول السلف، وجمهورهم، فصحيح، إلا أنه لو كان السلف في عصرنا لقالوا بما قلنا، لأن الرؤية البصرية كانت هي المتيسرة والممكنة لهم، سيما مع اضطراب الحساب الفلكي، آنذاك، ودخول التنجيم والخرافات فيه، بخلاف عصرنا، ولمزيد من الاطلاع يمكن الرجوع إلى بحث الشيخ د. يوسف القرضاوي \\\"الحساب الفلكي وإثبات أوائل الشهور\\\" على موقع القرضاوي .

المطلب الثالث: مناقشة حجج المجيزين والمانعين.

من خلال استعراض أقوال المجيزين والمانعين، يبدوا أنّ أقوال المجيزين في الاعتماد على الحساب الفلكي والمراصد الفلكية، أظهر وأقوى حجة، وأنسب لظروف العصر، وأكثر مواءمة لمقاصد الشرع، فالراجح الذي نميل إليه هو القول بجواز الاعتماد على أجهزة التلسكوبات والأجهزة المكبرة، في رؤية الهلال، سيما وأننا نعتمدها في التوقيت للصلاة، وغيرها من الأزمنة، مما يجعل هذا يقوم مقام الإجماع السكوتي، فكيف نعتمدها في توقيت الصلاة ولا نعتمدها في توقيت الصوم، على أننا نرى تقييد هذا القول بالقيود الآتية، حتى لا نضل، أو نتبع الهوى، وهي:

1) يجب أن يعتمد في الرؤية الفلكية، ودخول الشهر وخروجه، على الثقاة المسلمين، سواء بواسطتهم، أو بإشرافهم وعلمهم، حيث لا يخفى ما يجري عالمياً من التضليل والكذب والخداع الدولي العالمي، وأن تعدّ الدول الإسلامية المتخصصين من أبنائها الثقاة لهذا الغرض، حتى لا نكون عالة حتى في صومنا وإفطارنا وحجّنا على الكفار، وهذا فيما يتعلق بالرؤية عبر المكبرات والأجهزة الفلكية، وأحسب أن هذا مما لا إشكال فيه، تقريباً، لدى الجميع.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام، أنه قد أفتى الشيخ ابن باز رئيس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، يرحمه الله، بنحو هذا فقال ردا على سؤال:\\\" ما صحة رؤية الهلال عبر المراصد الفلكية، هل يعمل بها يا سماحة الشيخ؟.

فأجاب: \\\"نعم، إذا رآه بالعين من طريق المرصد أو من طريق جبل أو من طريق المنارة، إذا ثبت أنه رآه بعينه يعمل به، سواء من طريق المراصد أو من طريق المنارة أو من طريق السطوح، أو من أي طريق، لكن لا بد أن يشهد شاهد ثقة أنه رآه بعينه\\\". (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس عشر، نقلا عن الموقع الرسمي للعلامة عبد العزيز بن باز يرحمه الله).

وعلى هذا فلعلّ مما يرفع الخلاف ويوحد الكلمة أن تعتمد الدول الإسلامية على أجهزة الرصد الفلكية ، فهي أقوى وأضبط من العين المجردة، بلا خلاف .

2) أما الحساب الفلكي المجرد من الرؤية، فهو وإن كان بلغ مبلغ اليقين أو غلبة الظن، لكنه قد يرد عليه الشك، لأنه لا يبلغ درجة اليقين الذي تطمئن إليه النفس، ولذا أرى ألاّ يعتمد على الحساب الفلكي منفرداً، إلا بالرؤية عبر أجهزة الرصد، وعبر الثقاة من المسلمين، فإذا توافقت هذه الرؤية مع الحساب الفلكي، فذاك، وإن تعارض الحساب الفلكي مع الرؤية عبر أجهزة الرصد، فلا يعتد بالحساب، وإنما يعتد بالرؤية عبر وسائل الرصد الفلكية، لأن الرؤية يقينية، بخلاف الحساب، جمعاً بين الأقوال كلها، والله تعالى أعلم.

3) يبقى احتمال وارد وقوي وهو : أن يكون لكل دولة أو بلدة رؤية خاصة، باعتبار منازل القمر، وإذا كنا نرى فوارق التوقيت بين مدينة إسلامية ومدينة، فمن المحال أن تجتمع كل الدول الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها على رؤية واحدة، وعلى هذا فلا إشكال أن تختلف بعض البلدان الإسلامية في إثبات رؤية الهلال سواء هلال رمضان أو شوال، وبالتالي فلا يضير أن يختلف المسلمون في أول الشهر أو آخره، وإنما المشكل أن يمتد هذا الخلاف حتى يتجاوز ثلاثة أيام أو أربعة، بين بعض الدول التي تقع على خط طول وعرض واحد، فهذا مما لا قائل به، بل هو نابع والحال هذه عن أمراض وأغراض فكرية وسياسية، عافانا الهل والمسلمين أجمعين،، وآخر دعوانا أن الحمد لهب رب العالمين،،،

Moafa12@hotmail.com