تركيا و اليمن.. بين سياسة تصفير الأزمات وتخليقها
بقلم/ هاني التميمي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 8 أيام
الأحد 03 يناير-كانون الثاني 2010 06:09 م

إن المتأمل في نموذج الحكم التركي الحالي ونظيره اليمني يرى بوناً قيادياً وأخلاقياً شاسعاً لا ينقضي منه العجب، فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ورهطه امسكوا بزمام بلد معقد الجغرافيا ومتعدد الأعراق وغارق في الأزمات، ذلك كله فضلاً عن مؤامرات حرس صنم أتاتورك ومكر الليل والنهار، فانطلقوا متوكلين على ربهم بخطوات واعية وأعلنوا إستراتيجية عهدهم الجديد حيث رفعوا منذ يومهم الأول في الحكم شعار تصفير أزمات بلدهم والوصول بها إلى نقطة العدم، فالأزمة الكردية على سبيل المثال تفوق في تعقيداتها التاريخية والأيدلوجية والعرقية كل أزمات اليمن مجتمعة، ولكن أردوغان وفريقه المتناغم تمكنوا من الوصول ببلدهم إلى بر الأمان بالإرادة الصادقة والأيادي المتوضئة والعقول المنفتحة على الجميع.

وأوفى النظام الصادق ما وعد به شعبه الذي اختاره، حيث تقترب تركيا يوماً بعد يوم من تحقيق حلم الوصول إلى نقطة الصفر على صعيد الأزمات، أما على صعيد الإنجازات السياسية والاقتصادية فإن العالم كله يراقب بإعجاب ارتفاع أسهم تركيا على المستويين معاً.

وإذا انتقلنا إلى نظام الحكم في اليمن سنلحظ نموذجاً لا يقل فاعلية ولا كفاءة عن النموذج التركي ولكن للأسف في مجال تخليق الأزمات وليس تصفيرها (باستثناء الكفاءة العالية في تصفير عداد الانتخابات الرئاسية كلما انتهت فترة ولاية الرئيس)، إن أكبر وأهم أزمات اليمن كما شخصها رأس نظام الحكم تتمثل في الحوثيين و القاعدة والحراك الجنوبي، ويمكن أن يضاف لها الوضع الاقتصادي بالغ السوء، لو تأملنا ملياً في هذه الأزمات الأربع لاكتشفنا بكل وضوح أن نظام الحكم الذي يئن ويشكو منها ليل نهار هو الذي أسهم إسهاماً مباشراً في خلقها وتوسيع رقعة تأثيرها وانتشارها، ولا أظن هذا اكتشاف جديد يحتاج مني إلى مزيد استدلال واستقراء للوقائع والأحداث فالأمر غدا حقيقة واقعة يتعامل معها الإعلام الغربي والعربي قبل الإعلام المحلي المعارض والحانق على النظام.

وبلغت مأساتنا قمتها حينما أصبحنا نعيش حالة عهر و مجون سياسي مقيت يتحفنا فيه رأس النظام الحاكم وأركانه بمواعظهم الأخلاقية الرقيقة للفاسدين بأن يكفوا عن فسادهم، وفرخوا لنا لجان وهيئات كرتونية للتعريف بمخاطر وأضرار الفساد، وكأن الشعب المسحوق لم يتجرع حتى الثمالة كؤوس علقم فسادهم ونتنهم.

إن هذه المقارنة على الصعيد القيادي يجب أن لا تغفلنا عن الالتفات إلى عمق الوعي السياسي والقيمي لدى الشعب التركي، وهو رافد مهم من روافد نجاح أي إصلاح سياسي، إن مصيبتنا الحقيقية تكمن في طابور طويل من المثقفين والعلماء والوجهاء والبسطاء من الذين آثروا أن يكونوا شهود زور وحملة مباخر حين صفقوا وهللوا للقائد بأن يستمر في صنع المعجزات والمنجزات العملاقة، نعم إن هذا النظام قد حصل على الأغلبية بالتلاعب والتزوير ولكن الحقيقة المرة التي يجب أن نقر بها هي أن التزوير - لو لم يقع- لحرم النظام من الأغلبية فقط، ولكنه لن يحرم من الفوز ولو بفارق بسيط على كل خصومه.

إن أملنا بالله كبير ثم بالحركة الإسلامية التي أنجبت لتركيا هذا النموذج القيادي الفريد أن تعيد لبلدنا ابتسامة طالما طمست تحت ركام الأزمات المتتالية، ولكن على المصلحين المخلصين والراغبين في استلهام التجربة السياسية التركية، أن لا يركزوا فقط على صنيع فريق أردوغان اليوم، بل الأهم من ذلك أن يدرسوا بعمق وعناية سيرة هذه النخبة قبل وصولها إلى كرسي الحكم، فهذا - بحسب فهمي- هو كلمة السر والمفتاح الحقيقي لنجاح كل مريد للإصلاح والتغيير، وذلك مصداقاً لقول المولى الكريم: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).