ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
مأرب برس – خاص
200 ألف يمني يلجئون للعلاج سنوياً في جمهورية مصر الشقيقة، رقم مهول يقترب من عدد السياح الذين يزورون اليمن في العام من مختلف دول العالم بدون إرهاب ، ولكن لا غرابة فهشاشة الوضع الصحي والمستشفيات والعيادات ستدفع وبدون تردد جميع اليمنيين للسفر إلى الخارج لعلاج أبسط الأمراض ليس لأنهم الأكثر دخلاً في المنطقة ولكن لاختصار سنين من الدوام في المستشفيات وتجارب الأطباء واختلاف وجهات نظرهم التي تكلف الفرد خسائر فادحة في الممتلكات وربما تدفع بكثير من أبناء اليمن إجبارياً باتجاه شارع الفقر و التسول في الجوامع والجولات باستثناء قلة قليلة.
فالطبيب في بلادنا يفكر كثيراً كيف يجعل من عيادته تبيض ذهباً ، فحال الذهاب إليه سرعان ما يفاجئك باسطوانة مكررة:" تأخرت كثيرا وبالتالي صارت الحالة معقدة وباتجاه مرض خطير يمكن التأكد منه بقائمة من الفحوصات الموجودة داخل المستشفى وخارجه وبعدها تتشابه عليه الأمور ولا يستطيع تحديد المرض الذي تعاني منه وتبدأ التخمينات ، والنتيجة "شوف هذا العلاج" ( المتفق بشأنه مع الشركة التي تعطي نسبة أكبر) وإذا ما نفعكش رجعت مرة ثاني ..وربنا يستر من المضاعفات اللاحقة للعلاج .
ولعل من أبرز دواعي الانتحار المريح.. أن ينسى طبيب مثلاً في أحد المستشفيات الكبيرة بصنعاء موعد عملية استئصال ورم خبيث لامرأة قبل أن يستفحل ولكنه نسى الموعد المحدد يوم الثلاثاء وجاء اليوم التالي وقالوا له وينك يا دكتور قال :" أوه .. نسيت " ليش ما تتصلوا بي ".
وفي حادثة أخرى رفض طبي أجنبي إجراء عملية في العمود الفقري بقسم العمليات في المستشفى ذاته نظراً لتشقق الغرفة وتركيب "الشفاط" بعكس تركيبته الصحيحة وبالتالي أصبح يأتي بالهواء الملوث من الخارج إلى داخل غرفة العمليات .
ولا تستغرب لهذه المواقف الطريفة التي يتحفك بها الأطباء في المستشفيات الحكومية وأحياناً تصاب بالقرحة والضغط العالي جداً عندما يقول الطبيب ببرود بعد أن تجري عملية لقريبك لا قدر الله " مافيش سرير فاضي " .
وفي مرات عديدة بإمكانك أن تعطي (2000) ريال فقط فتحصل على ملف وتقرير طبي موقع من الطبيب ورئيس القسم ونائبي المدير والمدير دون عناء إحضار المريض وربما واحد يوقع عنهم جميعاً...إذا كان معروف ومعه علاقة مع مدير مكتب المدير لأن الأخير الكل بالكل ".
في نفس المستشفى الحكومي وأمثاله الكثير لا يمكن أن تعالج حالة مرضية مستعجلة حتى يستكمل مندوب البحث كافة تحرياته ببطء ، وكذلك قطع ملف رقود وبعد أن تكمل هذا الروتين يمكن لمريضك أن يحظى بلفته من الطبيب إذا لم يكن قد انتقل إلى الرفيق الأعلى .
ولعلني شاهدت شخص مصاب بنوبة سقط من السرير المتحرك إلى الممر وقريبه لم يستكمل ملف الرقود المحول من العيادة الخارجية ، وطبيب " أذن" يقول لك أنت بحاجة إلى سرويس كامل.. وهذا الكرت.. ونلتقي لاحقاً ، فالمستشفى صار محطة جذب الزبائن إلى العيادة الخاصة ، ومع هذا يطالب هؤلاء بإستراتيجية أجور ومرتبات و" العيشة أصبحت تعب!!!".
وبرغم المبنى الضخم إلا أن الموظفة التي تطبع التقارير ووثائق المستشفى تشكو من الآلة الكاتبة الرديئة ، مؤكدة أنها ستعتبر يوم تغيرها بكمبيوتر ...عيد وطني... ، فيما يتجسد الظلم بأبشع صورة عندما تقول الممرضات أنهن يتقاضين (20) ألف ريال فقط ، فيما هناك أشخاص معدودين في المستشفى هم فقط المستفيدون من صفقات الأدوية والمستلزمات الطبية وهو نموذج مصغر لما يحصل بشكل عام حيث تقهر تخمة القلة الأغلبية المريحة .
وهناك أيضاً سيقول لك طبيب أخر بعد النظر إلى الإشاعة العادية جداً أنك بحاجة " لرجل صناعي" لتفادي التهاب بسيط في الورك ، وفي 20 رمضان المنصرم أسعف شخص يدعى صالح عبد العزيز إلى غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات الأهلية على اثر نزيف دماغي ناجم تناوله أدوية ومقويات في مقدمتها "فياجرا" ثلاث مرات في اليوم .. كوصفة علاجية من طبيب بمحافظة تعز لمقارعة الشيخوخة ..ولولا عناية الله وتدخل عاجل لأشهر أطباء المخ والأعصاب لتغمده الله بواسع راحمته ، كونه قدم "جزء كبيراً !!" من عمره في خدمة النمو السكاني .
وهناك سيقول لك طبيب أن الأول عزك الله "حمار" وما يفهمش في الطب وعندما تذهب لثالث سيردد لك نفس العبارة، فيما رابع "يضًيع وسط الأحشاء حصاة كانت في الكلية ، وبعد حوالي نصف ساعة من البحث اضطر للاستعانة بطبيب مصري يعمل في المستشفى التعاوني بتعز .
وهؤلاء في العادة – باستثناء نماذج مشرفة للأطباء في اليمن - يختلفون حول تسمية المرض أكثر من اختلاف الأئمة الأربعة في قصر الصلاة ، ففي وجع في الظهر يذهب الرأي الأول إلى أنه انزلاق والثاني "جرثومة " والثالث " مرض نفسي " والرابع "تهتك في الأعصاب" ويوصيك بأن لا تكثر الطلوع والنزول من الدور الرابع ولا تسوق السيارة وقائمة من المحاذير ..وبعد سنة من الخسارة يقولون لك ببساطة شديدة " شوف واحد يسفرك مصر وإلا الأردن لأن عندنا ما فيش أجهزة حديثة " .
لجأت مرة لمعالجة زميلي في مستشفى حكومي بعد علاج رئيس قسم الباطنية فيه من عيادته الخاصة وتفاجأت بالإحالة إلى مستشفى الدرن وأثبتت جميع الفحوصات خلوه من الإصابة بالسل و"التي بي" وعدت بعد أيام قليلة ويقول لي نفس الطبيب " أنت مؤمن بالقضاء والقدر " وبانهيار تام قلت له نعم " فقال بصوت خافت "عبدالله " مصاب بالسرطان ، لم أتمالك نفسي ...وهم يحجزون له سرير رقود بغرفة مرضى السرطان ، وبعد أن شبع أفراد أسرته من البكاء والعويل ..قلت له : أريد تقريراً بالحالة للسفر به إلى القاهرة لتدارك الحالة ، فقال مافيش داعي المسألة مسألة وقت ، يا أبني هذا قضاء وقدر.
وبعد مرور ثلاث أيام جاءت بعثة طبية ألمانية واستغرب الطبيب بلهجته عن سبب رقود زميلي في القسم المخصص للسرطان بعد أن نظر في عينيه وفمه وألقى نظرة إلى جسمه فبادرة الدكتور صاحبنا طبعاً .. بأخذ الألماني إلى خارج الغرفة وشرح له الحالة لكن ذلك أصر وطلب عمل إشاعة مستعجلة وبعد نصف ساعة ...قال الطبيب الألماني بلهجة الواثق " التهاب في الرئة جراء العلاج الخاطئ " ..فوقع قلب رئيس قسم الباطنية ...وبشريط فيه ثمان حبات صغيرة غادرنا المستشفى في اليوم الثاني وقد تحسنت الحالة كثيراً .. ولله في خلقه شئون .
وفي هذا المستشفى تسبب اختلاف شركتي علاج في فضح عملية المشتريات التي تمت لنموذج فقط مكون من ألفي خيط عملية جراحية وتجميلية منتهية الصلاحية ومربوطة " بربالات " الفلوس ...دون رادع من ضمير أو ذرة أخلاق وكان التهديد بإدخال الشركة ضمن القائمة السوداء المستفاد منها ، وظل الفاسدون على حالهم ، مادام هناك رقابة طبية ترتدي النظارة السوداء ، ووزارة تؤكد أن 70% من الأدوية في اليمن مهربة وبشهادة رسمية ولا حياء من برنامج الرئيس الانتخابي.
في هذا المبنى الضخم كل شيء يجسد هشاشة الوضع الصحي في البلاد وسوء تقديم الخدمات الصحية وفيه تردد بغصة "ياعم ما ارخص الإنسان في بلدي "، وإذا أردت المزيد من الكوارث والأخطاء الطبية القاتلة عليك زيارة المستشفيات الأهلية المكونة من طابق أو طابقين فلن تجد إلا شماعة "تلحيم" للمغذية فقط ، وتشعر تماماً انك في مسلخ.. فالمغذية مثلاً تجيبها من الشارع وكذلك القطن وشاشة الربط والمطهر ، والبطانية من بيتكم ، ولن تجد أحد في مكتبه غير صاحب الصندوق وبالكاد تحصَل صرف ألف ريال ، وما خفي كان أعظم ..والمشكلة كاتب في البورت "عبارة مسروقة عن مستشفى غير نموذجي "نحن بعون الله نرعاكم ، وعلى مدار 24 ساعة " .. فيما تؤكد الجهات المختصة أنها تغلق (50) عيادة مخالفة وتتحفظ على (100) وأن المكافحة مستمرة على الهواء عكس الواقع الذي يناقض ذلك بعشرات العيادات الباسطين أصحابها على "الجولة" ومداخل الحارات .
إن المشكلة لم تعد تكمن هنا بل في أنك تصبح بحاجة لعلاج يفسد الود مع العلاج السابق وهكذا يفقد كل مريض الثقة تماماً بإمكانية وجود حل نظراً لكثرة الاختلافات وتباين نتائج التشخيص وتعدد قوائم العلاج ، وإذا أردت أن تتأكد فقارن أي تقرير طبي من هذه المستشفيات سواء الحكومية والأهلية مع تقرير لطبيب مصري ستدرك الفرق وبدلاً من العناء في الداخل عليك السفر إلى الاسماعيلية بمصر التي تحتضن مئات المرضى اليمنيين ،معظمهم ضحايا للمستشفيات الحكومية والخاصة ولسان حالهم يقول " منكم لله يا أطباء اليمن ".
إنك عندما تستمع لعشرات القصص الواقعية أو تزور مستشفى لا قدر الله ستدرك سر الرحلات الجماعية للمرضى إلى بلدان مثل الأردن والسعودية وألمانيا وتتصدر مصر القائمة ولعل أبرز الدلائل وجود مواعيد يومية لفرزة "اليمنية" إلى القاهرة .
إننا بحاجة إلى ثورة صحية ومراجعة شاملة خصوصاً وأن هناك كليات في مذبح وذمار وعدن وحضرموت تدفع بأطباء جدد يملئون شوارع المدن بعيادات الطب العام ، كما أننا بحاجة إعادة تأهيل الموجودين في الميدان الصحي أسوة بالمعلمين ، بحيث يشعر الأطباء أنهم ملائكة رحمة وليسوا "حصالات" ، كما أننا بحاجة قصوى لهيئة غير جامدة لمراقبة الأدوية التي صارت تباع في البقالات وتفاوت أسعارها من صيدلية إلى أخرى بدون ارتفاع عالمي!!، وقبل كل هذا نحن بحاجة إلى وزير للصحة لا تهمه مناقصات الأدوية ولا يكون له مكتب يسقط فيه الواجب ضارباً عرض الحائط بكل ما يجري من سخط عارم لتردي الأوضاع الصحية سواء في العاصمة ومكارثية ما يجري في المحافظات والأرياف.
ولابد من معالجة جدية للطب في بلادنا لاستعادة الثقة ووقف نزيف السياحة العلاجية الإجبارية..بدلاً من استشراء الوضع الحالي الذي يجعل من الانجازات الصحية التي نزايد بها عدمية تعزز انتشار وتكاثر المشعوذين والطب البديل، وتتلاشى فرحتنا بالثورة الطبية وتقدمها بشكل يومي ومخيف ، ونحن ما زلنا نسعى بجهود ودعم الأشقاء ...بارك الله فيهم .. لمكافحة الملاريا والنامس .
وهنا لا شك..ستدرك لماذا يسافر 200 ألف يمني إلى مصر للعلاج سنوياً ..مروراً من أمام " وزارة الصحة العامة والسكان!!" وكان الله في عون الرئيس وإلهامه لمبادرة إصلاح طبية عاجلة أو إنشاء مؤسسة وطنية لاحتضان ضحايا المستشفيات التي تنتج يومياً معاقين وفقراء جدد .