مصر.. وجع الثورة و(مشعبي النُخبة)
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
الأربعاء 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 10:46 ص

منذ وصلت إلى القاهرة الأسبوع الماضي عزمت على أن أعيش جواً مختلفاً بعيداً عن السياسة وكدرها والنقاشات العقيمة والجدل اللامفيد, وأن أركز اهتمامي فيما وصلت لأجله من عمل يرتبط بمهنة الصحافة، وهو المؤتمر السنوي للصحافة الاستقصائية.

قررت أن أبتعد أكثر حتى عن أخبار وطني وأتناسى كل مافيه من آلام وآمال وأحزان وانفراجات ومنغصات, وقد تخلصت من خدمة أخبار الموبايل والتزمت بعدم تصفح المواقع الإخبارية الالكترونية، وأيضاً عدم الاطلاع على تعليقات المعلقين و(المشعبين) في الفيسبوك, والاكتفاء بتحميل صور الذكريات الخاصة بي والعديد من الأصدقاء.

لكن للأسف الشديد كل أحلامي ذهبت هباءً بالنسبة للشأن المصري, فأنت مضطر غصباً عنك للخوض في السياسة والحديث عما يدور في البلد, ولن يسمح لك سائق التاكسي بعدم مشاركته الهم وسيبرر تأخره في الوصول إلى مشوارك بالوقت المناسب بمظاهرات ميدان التحرير وتوترات شارع محمد محمود.

القليل منهم فقط, تجده في التاكسي وفي البوفيه والمطعم والكافتيريا والمحلات وغيره, يرى إلى الأمور من منظار حمدين صباحي وتهاني الجبالي وأحمد الزند ومحمد البرادعي والشباب المتوتر في التحرير ومحمد محمود أو على شاشات التلفزة وصفحات الصحف.

تخدعك الضوضاء وضجيج الإعلام وشتائم الصحافة المنفلتة وتعتقد أن مصر كلها انتفضت ضد الرئيس محمد مرسي.

غير أنك تجد أن ما في التحرير ومحمد محمود بضعة عشرات الآلاف من المصريين، فيما القاهرة وحدها يزيد سكانها عن 20 مليون نسمة ولا تجد سوى نخبة تضج وتنتقد وتشتم وتمارس التخوين والتكفير الليبرالي أو القومي وفلول تعمل بطريقة ذكية لتزيد صف الثورة انشقاقاً وتفتيتاً وتضاعف توتر منتسبيه لتحول المشهد الى فسطاطين, مع أو ضد.

أدهشنا المتجمعون في التحرير بخلافاتهم وتوزعهم إلى كتل وفرق وجماعات متنازعة بينها ويجمعها الحقد الشخصي للإخوان المسلمين ورئيسهم والرغبة في تصفية حسابات الانتخابات الرئاسية وحسابات قديمة وجديدة أو (الدولاز) أو (مشعبين) أو (مغرر) بهم, فيما عجزنا عن الوصول إلى محمد محمود لما يعانيه من توتر شديد وصل حد رفع لافتة (ممنوع دخول الاخوان) وكنا نخاف أن يطولنا توتر المتواجدين فيه رغم أن لاعلاقة لنا بالإخوان ومجرد ضيوف صامتين.

الرئيس مرسي والاخوان المسلمين فرداً فرداً كغيرهم من البشر ليسوا منزهين عن الخطأ وليسوا معصومين, وأثق بفرضية الكاتب القدير فهمي هويدي بأن قرارات الرئيس مرسي كانت (انقلاب على الانقلاب) الذي كان مخططاً له من قبل فلول النظام السابق في الجهاز القضائي ورجال أعمال وجرجروا إلى صفهم العديد من رموز الثورة وشبابها.  

في التاكسي يحدثك الإنسان المصري عن محمد مرسي الرئيس الذي يريد إعادة محاكمة قتلة الثوار الذين قتلهم بعض ممن يقودون الحملة ضده حالياً, وفي الكافتيريا يتحدث آخر عن الرغبة في الأمن والاستقرار و«كفاية مظاهرات ودوشة عطلت مصالح الناس».

وفي (المول) كان أحدهم يتحدث عن البورصة ومليارات الجنيهات التي فقدتها مصر خلال أيام من النفخ في بوق الأزمة عبر الإعلام والصحافة, وآخر يشير إلى حاجة المصريين لمنح الرئيس المنتخب فرصة ليؤدي دوره ومحاسبته بعد ذلك على ما أخفق فيه.

انقسام حاد ومقلق على مستوى النخبة والإعلام يدق طبول الحرب، وصل حد إعلان توقع حرب شوارع في مانشيت عريض على صدر إحدى الصحف وحينما تقرأ مضامين الصحف لا تجد معايير مهنية ولا أخلاقاً صحفية ولا مسؤولية وطنية، الكل يشتم في بعضه على هيئة مقالات رأي وأخبار مفبركة ومختلقة أحياناً وملونة أحياناً أخرى.

والغالبية الكاسحة صامتة أو تتفرج أو تمسك على قلبها خوفاً على وطنها, فيما النخبة تتصارع بطريقة سيئة وتنقسم إلى فسطاطين (مع أو ضد) وينتقل رموز الثورة إلى فسطاط الفلول في مواجهة شركاء الثورة.

 هذه هي قذارة السياسة ودناءتها ولا تختلف عما هو في اليمن، حينما تسمع ثورياً يتحدث عن الرئيس السابق ونجله بترحيب وتفضيل نكايةً باللواء علي محسن وحميد الأحمر وحزب الإصلاح.

ساعة كتابة مقالي هذا وبشائر انفراج لأزمة البيان الدستوري وإقالة النائب العام السابق تلوح في الأفق بعد تفسير الرئاسة المصرية للبيان أنه يتعلق في القضايا السيادية فقط, فيما قبل ساعات قليلة كان الكثيرون ينصحوننا كيمنيين بعدم مغادرة السكن وعدم الاقتراب خاصة من التحرير ومحمد محمود.

لو انتكست ثورة مصر، فلن نجد عافية لثوراتنا المنتكسة أصلاً في اليمن وليبيا وتونس والمؤجلة في سوريا، ولذلك أيدينا على قلوبنا, فاللهم الطف بثورتك في مصر والطف بمصر وأهلها الطيبين لندخلها دوماً بسلامٍ آمنين ولا نمنع من أي بقعة فيها وخاصة التحرير وشارع محمد محمود.