بين الرئيس هادي والرئيس مرسي!
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
الخميس 16 أغسطس-آب 2012 12:32 ص

الرئيس مرسي والرئيس هادي كلاهما أتيا إلى سدة الحكم في نفس الظروف وكلاهما مدينان للربيع العربي في وصولهما إلى ذلك المستوى وإلى تلك المناصب الرفيعة التي تُعد - في هذه المرحلة بالذات- تكليفاً وعبئاً وليست تشريف ، كما ان كلاهما قد أتيا عبر انتخابات حرة ونزيهة عبَّرت عنها صناديق الاقتراع وقالت فيها الشعوب كلمتها بمحض إرادتها لأول مرة في التاريخ العربي المعاصر ، لكن ما الذي يا تُرى جعل ذاك الأول وهو الرئيس المصري يبدو أكثر سرعة في خطاه وجرأة في اتخاذ القرارات الهامة والخطيرة وأكثر ثقة بالنفس ومقدرة على انتزاع صلاحياته التي خولها له الشعب ، مع أنه لم يمض على استلامه لمهام منصبه سوى مجموعة أسابيع ، بينما بدا الرئيس هادي في اليمن - رغم قراراته الكثيرة والتي وُصفت معظمها بالشُّجاعة وكذا طول فترته نسبياً - لا أقول عاجزاً ولكن ربما بدا أشبه بالمقيّد أو المكبل ، مقيّد بالمبادرة الخليجية من جهة ومن الأطراف التي دعمته في الانتخابات من جهة أخرى ، ثم بالظروف السياسية والقبلية المعقدة التي لازالت تحتاج من اليمنيين إلى وقت ونفس طويل للتخلص منها ، تلك الظروف التي تعُد العائق الأكبر ليس أمام الرئيس هادي ولكن أمام اليمنيين على حد سواء.

لكن ومن باب الموضوعية في الحديث سيتوجب علينا كيمنيين أن نعترف أيضاً أن ثمة فوارق جوهرية بين كلا الرجُلين لا يجب علينا إغفالها عند المقارنة بين الاثنين ، ليس بالضرورة لشخصيهما ولكن لظروف وطبيعة المرحلة التي عاشها كلاً منهما قبل توليه هذا المنصب الهام والحساس في أعلى هرم في الدولة ، وأهم تلك الفوارق بتقديري تتلخص في أن الأول هو رئيس مدني محسوب على القوى المدنية وهي سابقة لم تُعرف في العالم العربي منذ عقود ، بينما الثاني وهو الرئيس هادي رجل عسكري محسوب على المؤسسة العسكرية ، كما أن الأول خرج من السجن إلى ميدان التحرير ومنه إلى قصر الرئاسة ، بينما الأخير انتقل من غرفة النائب إلى غرفة الرئيس في القصر الجمهوري، ثم إن الأول كان محسوباً على المعارضة وأي معارضة ، إنها جماعة الإخوان المسلمين ألد أعداء النظام المصري لعقود ، بينما ظل هادي محسوباً على النظام ونائباً لرئيسه طوال 18عاماً ، أضف لذلك وهذا هو الأهم أن الأول أتى عبر انتخابات شعبية حرة ونزيهة في ظل أجواء تنافسية حقيقية اشرأبت لها أعناق العالم بأسرة وهو يتابعها على الشاشات ، في سابقة لم يعهد لها التاريخ الحديث مثيلاً في المنطقة برمتها ، بينما هذا الأخير أتى عبر انتخابات "توافقية" بين الأطراف المختلفة ، بحكم الضرورة التي تقتضيها طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد ، بمعنى آخر .. الكل توافقوا عليه من باب " سد الذرائع" ، ومن باب أن" درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة".

لا أريد القول بكل تأكيد أن مرسي أفضل من هادي أو أنني أحاول التقليل من جهود الرئيس هادي مقابل مرسي فكلاً له ظروفه الخاصة ببلده ، ولكنني أردت القول أن الرئيس "أي رئيس كان" أكان مرسي أو هادي أو غيرهما ما لم يأتِ إلى سدة الحكم محمولاً على أكتاف الجماهير التي تهتف له بملئ إرادتها ، لا يدفعها لاختياره هذا الفصيل أو ذاك حسب أجندته وتوجهاته السياسية ، تختار طريقها بنفسها ، ضمن انتخابات تنافسية حقيقية ، ليست مزيفة ولا مصطنعة ، بل ولا حتى "توافقية" عندها فقط يستطيع هذا الرئيس أن ينجز شيئاً ما على واقع الأرض ، لأنه حينها سيستمد قوته من وكيله الذي فوضه وهو الشعب ، ولن يعُد يخاف أحداً – بعد الله- غير ذاك الشعب الذي سيحاسبه إن قصّر أولاً ، وسيشكل الدرع الحامي له من سطوة الجنرالات والعسكر أو الفلول أو من بقايا أنظمة الحكم السابقة ثانياً، إذا حاولت استهدافه أو الوقوف في طريقه ، وهذا هو ما حصل مع الرئيس المصري محمد مرسي خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية.

لربما كانت ظروف التفجيرات الإرهابية بين سيناء ورفح "والتي لا أشك للحظة أنها إحدى أفاعيل الكيان الصهيوني" هي "الضارة النافعة" كما يقال في المثل ، فقد أوجدت مناخاً سوغ للرئيس المصري الجديد أن يتصرف كرئيس فعلي ،جسَّد وبشكل عملي انتزاعه الكامل لكافة صلاحياته التي أراد الجنرالات أن يسلبوها منه ، فلم يكن ليجرؤ –باعتقادي- على اتخاذ مثل تلك القرارات الهامة والخطيرة بإقالة رئيس جهاز المخابرات ومحافظ سيناء ، ثم اتخاذ الخطوة الأكبر بإقالة وزير الدفاع "رئيس المجلس العسكري الأسبق" المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان ، وإحالتهما للتقاعد وكذا إلغاء الإعلان الدستوري المكمل ، لم يكن ليجرؤ على فعل كل ذلك لولم يكن رئيساً يعلم يقيناً أنه قد أتى بإرادة شعبية تؤيده في قراراته تلك، ومستعدة لحمايته بالنفس والنفيس إذا اقتضت الضرورة ذلك.

أعتقد أن الرئيس هادي يملك أيضاً الكثير من الصلاحيات التي منحها له الشعب ولو بشكل "توافقي" والتي يتوجب عليه انتزاعها دون خوف أو وجل أكان من الأطراف الخارجية الراعية للمبادة الخليجية ، التي لا يهمها من شأن اليمن سوى أمنها هي واستقرارها هي ، او من الأطراف الداخلية التي تعتبر نفسها بمثابة الحارس والحامي للرئيس ، بحكم دعمها له في الوصول إلى كرسي الرئاسة ، وبحكم أنها ترى في نفسها البديل "الشرعي" إن جاز التعبير عن النظام السابق باعتبارها وقفت مع الثورة ودعمتها وناضلت لعقود طوال من أجل الوصول إلى هذه اللحظة وهذا الاستحقاق التاريخي ، وهو استحقاق مشروع لتلك القوى بكل الأحوال ونحن لا ننكره عليها ، لكن لا يجب أن يكون ذلك واحداً من العوامل التي تكبح أو تقيِّد صلاحيات الرئيس المنتخب بالتوافق من الجميع.