الدور الريادي للمثقف
بقلم/ حسن الحاشدي
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 07 إبريل-نيسان 2010 07:06 م

يتشكل البناء الاجتماعي من روافد عديدة يكون نتاجها النمو والتقدم والبناء ، والذي بدوره يكّون مسميات الأرض والإنسان والحضارة ، وتلعب أطراف عديدة في ذلك البناء الذي يفترض فيه أن يتكامل الجانب النظري مع الجانب العملي .

وفي هذا السياق يبرز دور المثقف كمعلم مهم، فالمثقف الجاد هو الذي يتطابق مسمى حقائقه الثقافية مع مجتمعه ، ويسعى جاداً إلى الشراكة الفاعلة في مجتمعه ، فكلما كان المثقف متجدداً ملازماً لقضايا مجتمعه وأمته كان أكثر قبولاً وتأثيراً بل وفاعلية .

فالمثقف المنكفئ على نفسه يصبح قالباً جامداً لا يأتي بخير ، فالثقافة القائمة على النوادي والصوالين تنتج قوالب جامدة منطوية على نفسها ، تعيش في واد ومجتمعها في واد آخر . كما أن الثقافة الانهزامية هي نتاج ثقافات عصور الانحطاط التي توارثت ثقافة التجهيل ، وينتج عنها خنوع وضعف إرادات على كافة الصُّعُد المجتمعية .

لقد مرّت أمتنا العربية والإسلامية بأطوار ثقافية عديدة ، تقلّب فيها المثقف ، بل وتشظى ما بين الماركسية والإمبريالية والقومية ، وكذا الإسلامية ؛ نتج عن ذلك الأنانية والمصالح الضيقة التي أدت إلى تراجع تلك الأفكار بمختلف مسمياتها باستثناء الفكر الإسلامي ؛ لأنه الفكر الحضاري للأمة ، الممتد طرفه في السماء وطرفه الآخر في يد الأمة والتي من بينها ينتج المثقف ، ولذلك أضحت الأمة تتجاذبها أطراف متوحشة غزتها فكراً وثقافة ، وسلبتها مادياً ومعنوياً بل وثقافياً ، غارات بعضها فوق بعض .

ولذلك ينبغي على المثقف أن يكون له أولويات المواجهة وهي الأولويات التي أظنها ستكون فاعلة ومؤثرة ، ومن تلك الأولويات : العمل على تأسيس حقائق ثقافية في الوسط الاجتماعي الذي بعث فيه ، فتأسيس تلك الحقائق يجعل للمثقف دوراً حقيقياً وتأثيراً فعلياً في الوسط الاجتماعي .

إن العصر الذي نعيش فيه تكاثرت فيه التطورات في شتى المناحي الحياتية ، ولابد أن يكون للمثقف دور حقيقي وفاعل .

والمقصود بالحقائق الثقافية هو السعي الجاد لتحويل مجموعة من الأفكار والقناعات الثقافية إلى مؤسسات ونويات اجتماعية تمارس دورها ، باعتبارها خلايا اجتماعية تهتم بالشأن الثقافي ، وتسعى نحو تطويره وتجذيره في الحركة الاجتماعية .

وبدون تأسيس هذه الحقائق الثقافية سيبقى المحيط الثقافي طارداً الكفاءات الثقافية أو غير مستوعب بشكل سليم لها ، وهو بدوره يدفع المثقف إلى العزلة والانفصال الفعلي عن الوسط الاجتماعي ، فالمثقف في العالم الثالث - ومنه أمتنا العربية والإسلامية- غالباً لا يستند في الوسط الاجتماعي على حقائق ثابتة في مجال الثقافة ، ولذلك فإن العمل الحقيقي الذي لابد أن يقوم به المثقف ليس الهروب من الوسط الاجتماعي والانعزال عنه ، وإنما السعي الجاد لتأسيس الحقائق الثقافية التي تمارس دوراً تنويرياً في الوسط الاجتماعي .

إن رسالة المثقف الحضارية اليوم تتجسد في العمل على بلورة المشروع الثقافي للأمة ، الذي يجعلها تتواصل مع تاريخها المجيد دون الغيبوبة فيه ، ويبلور لها النظام الثقافي الفاعل في حاضرها ، والمتناغم مع متطلبات عصرها ، والمجيب على تساؤلاتها وتحدياتها.

ولعل ما يصيب أمتنا في حراكها الحضاري من استهداف لاجتثاثها يجعلنا نتساءل : هل المثقف العربي والإسلامي تبلورت لديه حقائق ثقافية إستراتيجية ذات طابع يرى حقائق الغارات الأمريكية والصهيونية بأبعادها الفكرية والثقافية أنها رُتبت نظرياً وأسقطت عملياً على هيئة غزوات (هولاكية) تستهدف الأخضر واليابس؟

إن صافرة الإنذار قد انطلق دويها ، ولابد من تأسيس حقائق ثقافية إستراتيجية حول المقاومة الهادفة إلى أن نعيد للأمة عزتها وكرامتها ونهضتها .

إن بغداد وكابل والفلوجة وجنين والقدس وغزة قد سطّرت ملامح خالدة ؛ آن للمثقف أن يهتم بها كحقائق متواصلة مع تاريخها الجيد ، فالمثقف لا يُقاس بحجم المعلومات المتوافرة في ذهنه أو الأوسمة المعلقة على صدره ، وإنما يقاس بمدى مساهمته الجادة في مشروع الأمة الحضاري ، وبمستوى التزامه بتطلعاتها وهمومها .

* مدير تحرير مجلة المنتدى