عن التصالح والتسامح الجنوبي!
بقلم/ شفيع العبد
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 03 يناير-كانون الثاني 2012 05:54 م

تقترب منا الذكرى السادسة لدعوة التصالح والتسامح الجنوبي – الجنوبي التي تم إطلاقها في جمعية ردفان الخيرية بمحافظة عدن في 13 يناير2006م، وهي الدعوة التي قوبلت بترحاب من قبل طيف واسع من الناس فرقتهم السياسة وصراعات "الجماعات" التي حكمت الجنوب منذ ما بعد الاستقلال المجيد .

حرياً بنا اليوم ونحن نقترب من هذه المناسبة أن نحتفي بها بشكل مختلف، يليق بها كقيم إنسانية نبيلة تعرضت لتشوهات على خلفية سلوكيات غير حميدة لبني الإنسان، أفرغت المجتمع منها وحولته إلى ساحة للصراعات والنزاعات على خلفية مصالح لحفنة من الناس ارتبطت مباشرة بمواقفهم من السلطة وكيفية الحفاظ عليها والتمسك بها من قبل طرف، او كيفية الوصول إليها من الطرف الآخر، لتأخذ تلك الصراعات الشكل الجغرافي، وتصفية الخصوم وفق منهجية الانتماء الجغرافي دون أن يكون لهم ناقة ولا جمل في مجمل ما حدث، لكنها العقلية الشمولية التي نرى البعض اليوم يؤسس لها من حيث لا يدري، ويسير في فلك دعوات جاهلاً ماهيتها، غير مدركاً لعواقبها وتبعات السير فيها .

الاحتفاء بهذه المناسبة في هذا العام يجب أن يختلف عن سابقاتها، وان يتجاوز مربع الدعوة لإقامة مهرجان هنا او فعالية هناك، ليتسابق على المنصة كل من يريد أن يحدث "ضجيجاً" ليغيب العقل في لحظة فعل طائش او تصرف ارعن، تاركاً الساحة للعاطفة التي اعتدنا تهييجها وتجييش مشاعرها، لينتهي كل شيء مع نهاية آخر فقرة في برنامج هذه الفعالية او تلك، ويعود كلاً منا إلى ذات المكان الذي قدم منه محملاً بكمية هائلة من التعصب والتطرف،و لو وجد أمامه في تلك اللحظة احد المختلفين في الرأي لكال له ما لذ وطاب من مصطلحات التخوين والتشكيك التي يحرص البعض على أن تكون زاده في هكذا مواجهة، لأن المختلف معه في الرأي في نظره بات مداناً دون أن يتيح له الحق في الدفاع عن رأيه واتجاهاته وقناعاته .

الاحتفال في هذا العام يجب أن يرتقي إلى مستوى تلك القيم التي أطلقناها ويلوكها البعض ويرددها دون أن يعي معناها الحقيقي والمقصد والهدف منها، لأن التصالح والتسامح ليست ملتقيات تؤسس، ولا مهرجانات تقام هناك او هناك، ولا مناصب نتسابق عليها، كما أنها ليست مجرد دعوة وإدعاء، بقدر ما هي قيم ترتبط بسلوكياتنا الحياتية والنضالية، وقدرتنا على القبول بالآخر المختلف، والتجرد من "الأنا" المريضة التي أصابتنا في مقتل ونقلت عدواها إلى مساحات كبيرة كنا نعلق عليها الأمل بأن تكون أرضية خصبة يلتقي عندها "الفرقاء ".

أن التقاط الفرصة والاحتفال بالمناسبة من خلال تقييم منهجي شامل لدعوة التصالح والتسامح، وتحديد مكامن القوة لتعزيزها والبناء عليها للمستقبل، ومعرفة نقاط الضعف ومواضع الخلل للتخلص منها، كل ذلك بعيداً عن العاطفة او التعصب لقناعات أشخاص نحولها في لحظة اللاوعي إلى قرارات ضد الآخر، بات مطلباً ملحاً تمليه الضرورة وأهمية المرحلة الراهنة التي نمر بها .

إن الرهان على أن دعوة التصالح والتسامح قد حققت مبتغاها وركون العقل لمثل هكذا رهان، يعبر بالتأكيد عن قصور في الفهم والاستيعاب، وعجزاً في القدرة على قراءة الواقع وتحليل معطياته، لأن الواقع يخبرنا أن دعوة التصالح والتسامح، لم تنضج كلياً، كما انها لم تقنع بعض القوى الجنوبية ممن تضرروا من نظام الحكم بعد الاستقلال حتى عام 90م، لذا فهي تحتاج إلى جهد بشري كبير، وقلوباً تتسع للآخر وعقولاً مشرعة أبوابها له دون شروط او املاءات، وقدرة على إحداث نقلة نوعية في مستوى الفكر والسلوك، بما يؤدي إلى انسجام حقيقي بين الإيمان بتلك القيم والقدرة على تحويلها إلى ثقافة تعبر عنها سلوكيات أصحابها .

السنوات الأخيرة من مرحلتنا النضالية في الحراك الجنوبي كشفت عن تراجع ملحوظ في مفاهيم كثير ممن نسميهم "قادة للحراك" وكذا نشطاءه للتصالح والتسامح، تفضحها سلوكيات الإقصاء والتخوين وعدم القبول بالآخر المختلف، وهذه السلوكيات أظنها نتيجة حتمية لانعدام التصالح مع الذات، والتسامح معها، والتي تسببت في تضخم "الأنا" لدى البعض ووصول الأمور إلى ما هي عليه اليوم. لذا يبقى السؤال ملحاً حول قدرتنا على تقييم الدعوة سلباً وإيجابا، وكيفية تطويرها مستقبلاً لتشمل كل الطيف الجنوبي بلا استثناء؟

صدقوني كثيرون وانا منهم لم تعد تعنيهم وحدة مكونات الحراك الجنوبي لأنها باتت كنكتة سمجة نلوكها ونرددها لنضحك بها على أنفسنا، بقدر ما يعنينا قيم التصالح والتسامح ونشرها بين أوساط الناس كسلوك يظهر في تعاملاتهم ليس النضالية والسياسية فحسب، بل في كل تعاملاتهم الحياتية .