|
الثورة من ثار, يثور, ثورة, فهو ثائر, بمعنى الانتفاضة, أو الغضب والتشنج والثورة أيضا معناها التغيير والانتقال من وضع إلى آخر.
ومنها الثورة العلمية, وثورة التكنولوجيا, والثورة الصناعية .
وقد ارتبطت الثورة في مجال السياسة بالعنف والعصيان المسلح وإن كان قد ظهر في الآونة الأخيرة الثورات الملونة كالثورة البيضاء, والثورة البرتقالية التي خلت نوعا ما عن المظاهر العنيفة للثورات السابقة.
ويعرف علم السياسة الثورة بأنها " تغيير جذري في شتى جوانب المجتمع".
ما يعني أن الثورة يجب أن تؤدي إلى تغيير المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا إلى مستوى أفضل, وتؤدي إلى نقل المجتمع من الصورة الغير مقبولة التي هو عليها إلى صورة أفضل تمكن الفرد من العيش بكرامة وحرية وتحفظ له إنسانيته وآدميته.
وللتوضيح أكثر يجب أن تؤدي الثورة إلى خلق مجتمع مدني يتساوى أفراده في الحقوق والواجبات, وأن تؤدي إلى تذويب الطبقية وصهرها وجعل المجتمع نسيجا واحدا متجانسا لا فرق بين أفراده لا بحسب العرق ولا اللون ولا المكانة الاجتماعية, بل يكون المعيار الوحيد للتفريق بين أفراده هو قدرة كل فرد على الإنتاج وخدمة الآخرين.
ويجب إن تؤدي الثورة أيضا إلى تكافؤ الفرص أمام أفراد المجتمع, ومن يستحق الحصول على فرصة وتنطبق عليه معايير الحصول عليها فهو الأولى بها, أي أن الفرص تخضع للقدرات والمؤهلات ورغبات الأفراد الحقيقة في تطوير أنفسهم وقدرة كل منهم على المنافسة للحصول عليها.
كل تلك أهداف فرعية للثورة تسعى مجتمعة لتحقيق الهدف الأسمى لها وهو تحقيق العيش الكريم لأفراد المجتمع, والمتمثل في أنواع الأمن الثلاثة النفسي والغذائي والصحي التي وردت في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم " من أصبح آمنا في سربه, معافى في بدنه, عنده قوت يومه, فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها", وهذه الثلاثة الأنواع من الأمن لن تتأتى إلا عند تحقيق الحرية والعدالة والمساواة, وهي ما يخلق لدى الفرد القناعة المطلقة بشرعية الثورة وشرعية النظام السياسي الذي حقق تلك الأهداف, فيرسخ ذلك لديه حافزا تلقائيا للدفاع عن وطنه ضد من يحاول تعكير صفو حياته, سواء كان ذلك التهديد داخليا أو خارجيا, فيبذل روحه وماله رخيصين من أجل الحفاظ على مكتسبات تلك الثورة ونظامها السياسي العادل الذين حققا له العدالة والحرية والعيش الكريم, وهذا هو ما يطلقون عليه مجازا (الوطنية).
أما إذا عجزت الثورة عن تحقيق هدفها الأسمى المتمثل كما أسلفنا بالعيش الكريم لأفراد المجتمع مما يعني غياب الحرية والعدالة والمساواة, فالناتج الطبيعي لذلك هو سيادة روح الفرقة والتمزق والتآمر, نتيجة للشقاق والضغينة التي تتفشى بين أفراد المجتمع بسبب مصادرة بعضهم لحقوق البعض الآخر, واختلال موازين عدالة التوزيع والمواطنة المتساوية, مما يقسم المواطنة إلى درجات أولى وثانية وثالثة وهكذا, وهذا بدوره يرسخ لدى البعض وهم السواد الأعظم من الشعب الإحساس بالاضطهاد والظلم, فتتفشى في المجتمع ثقافة الحقد والكراهية والانتقام مِن مَن يسيطرون على ثروات المجتمع ومقدراته, فيعبرون عن تلك الحالة بوسائل احتجاجية قد تصل إلى التمرد ورفع السلاح في وجه النظام السياسي, كما يولد ذلك خوفا كبيرا لدى المستفيدين من الوضع من النخبة السياسية ويخلق ذلك لديهم الاستعداد للهروب بمكاسبهم في أي وقت وهذا يزيدهم شراهة للنهب والسلب قبل ساعة الصفر.
وهنا تغيب الوطنية وتحضر العمالة والاستعانة بالشيطان من أجل القضاء على من يُرى فيه السبب في هذا الوضع المتدهور, فالمضطهدين يسعون إلى الإطاحة بالنظام السياسي والإتيان ببديل أفضل, والنظام السياسي يسعى إلى تشديد قبضته الأمنية على البلاد من خلال القمع والاعتقالات وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات, فيزداد كل طرف تطرفا في مواقفه, وتصبح الحياة جحيما لا يطاق, وتذهب أهداف الثورة أدراج الرياح, ويصبح المجتمع بحاجة إلى ثورة من جديد, (وكأنك يا بو زيد ما غزيت).
وهكذا تعود عجلة التاريخ إلى الوراء ويعود المجتمع إلى نقطة الصفر للبداية مرة أخرى على أمل النجاح.
في الأخير أترك للقارئ الكريم إسقاط ذلك على أوضاع اليمن منذ فجر ثورتي سبتمبر وأكتوبر وحتى يومنا هذا وهل لا زال بالإمكان تصحيح مسار الثورة؟
أتمنى أن أرى بعض الإجابة في التعليقات.
*باحث في العلوم السياسية - جامعة صنعاء.
في الأربعاء 21 أكتوبر-تشرين الأول 2009 09:27:28 م