المعضلة الجنوبية
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر
الأربعاء 01 مايو 2013 03:21 م

أدلت الأحزاب السياسية بدلوها ورؤاها لحل (القضية الجنوبية) تباينت المشاريع والأفكار وغاب الوطن والمواطن عن ذهن الجميع ومخيلتهم، بقي مستقبل الوطن غامضا وبقي جسده يترنح ويتوجع كالمريض الممدد في العناية المركزة بانتظار العملية الجراحية بينما الجراحون المختصون مختصمون متشاكسون بين قائل بأنه يحتاج لعملية تجميلية بسيطة وبين قائل بأن الداء يكمن في الأطراف ويجب بترها عن بكرة أبيها وبين قائل بأن المشكلة في القلب والدماغ ويجب إستئصالهما وإستبدالهما باخرين صناعيين أكثر كفاءة ونشاطا وحيوية فيما حالة المريض تزداد بؤسا وتفاقما كل يوم، وفي عالم الطب إذا أخطأ الطبيب أبسط خطأ أو تأخر في تشخيص المرض وتقرير العلاج المناسب فقد يفتك بالمريض ويقضي على حياته وكذلك الحال في عالم السياسة!

والحقيقة أن الداعون للإنفصال في بلادنا مبدعون وأذكياء ويمتازون بمواهب فريدة من نوعها على مستوى العالم منها أنهم لا يجدون حرجاً في أن يشكوا من الإقصاء والتهميش والضم والإلحاق وهم يرون كل المناصب السيادية بيد أبناء محافظاتهم من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة إلى الجيش والأمن وو، كذلك هم موهوبون ورائعون في تمثيل العديد من الأدوار في نفس الوقت لاسيما دور (الضحية والجلاد) كما يجيدون أساليب الحوار السلمي ويتقنون فنون الحراك المسلح معا، متواجدون في الداخل والخارج وفي كل مكان يخدم توجههم، لهم وسائلهم الإعلامية والدعائية الخاصة المدعومة والممولة من الخارج ومرحب بهم في الإعلام والقنوات الرسمية وحاضرون بقوة بصوتهم الصداح في الحوار الوطني الذي ترعاه وتتبناه الدولة والمجتمع الدولي!

المثال أو السؤال الذي أود طرحه هنا هو هل يحق لأبناء (المنطقة الشرقية في السعودية) الغنية بالنفط أو أبناء محافظة البصرة جنوب العراق الغنية بالثروات والمطلة على الخليج العربي المطالبة بالإنفصال بذريعة أن غالبية موارد البلاد وثرواتها مكدسة في محافظاتهم أو بدعوى أنهم قلة مستضعفون في الأرض مقموعون ومنهوبون ومعتدى عليهم ولم يتم إنصافهم أو الإعتذار لهم، أو بمبرر أنهم شعب راقي مسالم متمدن متعلم ومثقف ومستقبله باهر (باقي يقولوا لنا أنه شعب الله المختار) أما الاخرون فهم غجر همجيون متوحشون من سلالة الخمير الحمر، وغيرها وغيرها من المغالطات التي سيتم محاسبتهم عليها باعتبارهم محرضين ومتمردين ودعاة فتنة بدلا من إتاحة الفرصة للمجاهرة بها في وسائل الإعلام الرسمية!

نعم كل الأنظمة تتفكك وتنهار عندما لا تعد قادرة على فرض سلطتها وتطبيق قوانينها، ومشروعية أي حاكم تنتهي عندما يفقد مصداقيته لدى مواطنيه، عندما لا يعد قادرا على إقناعهم بأنه يمثلهم جميعا ولا يمثل فصيل أو منطقة أو مذهب أو حزب، عندما يتمادى في فساده وظلمه وجوره وإنحيازه متجاوزا كل الحدود حينئذ يصبح المركز عاجزا على السيطرة على الأطراف فتتعالى الأصوات الإنفصالية والنعرات العنصرية وتلاقي من يستجيب لها ويناصرها، لكن الإنفصال ليس حلا أبدا، إذ من يضمن لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية أن الداعين والمحرضين على الإنفصال لن يتناحروا ويتقاتلوا مجددا على شكل وطبيعة وإيدلوجية النظام القادم إذا ما حدث الإنفصال، لنقر أن ما يجمعنا من تاريخ مشترك وتقارب ثقافي ووجداني وقيمي وأسري كبير جدا جدا، وأن الوحدة لم تكن هي المشكلة يوما ما ولكنها السياسات الرعناء للنظام السابق.

كذلك الأمر بالنسبة للفرد، فعندما يقصر المجتمع في توفير ظروف الحياة الكريمة الملائمة له من الصعب أن تتوقع منه مقابلة النكران بالإحسان وقد قيل في الأثر (عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه) فالمواطن المغلوب على أمره الذي شغلته متاعب الحياة وهمومها وطحنه الظلم والفقر والغلاء وأرهقه كفاحه اليومي المستميت لتوفير ما يسد به رمق أبناءه ويشبع أمعائهم الخاوية ويستر أجسادهم العارية حتى غيرته صروف الدهر والسنون فلم يعد كأبيه وجده وحتى كما كان نفسه سابقا يستمع ويطرب ويرقص ويتحمس مع كل أغنية قومية أو وطنية يسمعها، لم تعد تأخذه الشعارات البراقة والخطب الرنانة والمواعظ البليغة تحول إلى ما يشبه الفتيل القابل للإنفجار بيد من يحسن توجيهه وتهييجه ورويدا رويدا يبدأ ذلك السخط الجمعي المكتوم بالتنامي والإمتداد حتى يغدو طوفانا جامحا لا يمكن التحكم بمآلاته!

لا يختلف إثنان أن أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية عانوا أكثر من غيرهم وقاسوا الأمرين قرابة عشرين عاما من فساد وإستبداد وشللية نظام صالح وعائلته بعد الوحدة كما عانوا كذلك قرابة العشرين عاما أخرى قبل الوحدة من شمولية ودموية قيادات الحزب الإشتراكي ومن حقهم الان أن يسعوا للتغيير والنهوض والإستقرار والرخاء، وها هو قطار التغيير قد بدأت خطواته تمضي قدما قد نختلف أو نتفق حول جدوى التغيير الذي تم وللجميع الحق في المطالبة بالمزيد من المشاريع والإصلاحات والديموقراطية ولكن بشرط أن لا نستعجل قطف الثمار قبل نضوجها فكما صبرنا لعشرات السنين على جور الأنظمة التي داست عليها ثورات الربيع العربي فالأجدى والأولى أن نصبر مستقبلا ولو لسنين قليلة حتى نكون جديرين بالمقارنة والإختيار والحكم حينما يتاح المجال لأبناء تلك المحافظات لتقرير مصيرهم عبر إستفتاء ديموقراطي حقيقي دون وصاية من أي كان.

يبقى التأكيد على أن منجز (الوحدة اليمنية) مهما عظم شأنه غير مقدم على حقن دماء اليمنيين وصون أرواحهم وكفالة حرياتهم وإختياراتهم وإلا كانت الوحدة ضما وإلحاقا وجبرا وإكراها بالفعل كما يروج لها، والأفضل للجميع اليوم شمالا وجنوبا شرقا وغربا أن ننظر بتفاؤل للمستقبل وأن نتعاون ونتشارك جميعا لبناء اليمن الجديد القوي العزيز الشامخ الموحد ذلك خير لنا من النكوص على الأعقاب وتقليب صفحات الماضي المرير الذي لن يجر على الوطن والإنسان سوى الويلات والأحزان..