خرج الشباب في 2011 بحثاً عن دولة، عن هوية وطنية جامعة، عن أحلام راودت مخيلاتهم ذات زمان، وكانت الشعارات في عدن هي نفسها في صنعاء، وكانت في مأرب هي ذاتها في تعز والمكلا وعتق وصعدة والضالع وحجة وذمار وإب والحديدة والبيضاء وأبين وغيرها من المحافظات. البحث عن دولة، كان هو هدف جميع الشعارات، دولة لنا جميعاً دون تمييز مناطقي أو مذهبي.
واليوم يرفع الكثير ممن خرجوا في 2011 شعارات جهوية وطائفية وقبلية وعنصرية لا تليق بشعارات المواطنة والمدنية والعيش المشترك والعدالة والحرية والديمقراطية والمساواة، التي كانت مطالب الشباب.
كيف نسمح لأنفسنا بأن ننقسم - اليوم- بفعل هذه الحرب التي فُرضت علينا إلى زيدي وشافعي، وهضبة وسهل، ومطلع ومنزل، وبدوي وحضري، وشمالي وجنوبي، ويافعي وأبيني، وتعزي وصنعاني، وقحطاني وهاشمي؟!
من هو هذا الذي يملك حق تقسيم اليمنيين إلى ملائكة وشياطين؟!
لا يجب أن نفقد البوصلة؛ كون أقطاب ومراكز قوى تقليدية ظالمة وفاسدة، ومتنفذين ظلمة كانوا ينتمون إلى هضبة اليمن، فلا يعني ذلك أن نُشيطن أهلها إلى حد أن نطلق عليهم ألفاظاً تجردهم من إنسانيتهم، أو أن نسخر من لهجاتهم أو عاداتهم أو لبسهم أو أساليب حياتهم. هؤلاء هم ضحايا مثل بقية المواطنين في السهول والسواحل والصحارى اليمنية.
ثم إن تلك الممارسات تسيء لإخوة لنا من عمران وصعدة وذمار وصنعاء وحجة والمحويت يقاومون هذا الانقلاب البغيض، الذي شردهم من ديارهم وأهلهم.
هضبة اليمن هي رأسه، وليس من مصلحتنا كسر هذا الرأس، بقدر ما نريد أن نفتح فيه وفي غيره من أعضاء الجسد فتحات للغذاء والدواء. لا نريد لهذا الرأس أن يذل، بل نريد له أن يكون رأساً في حضور المغارم لا تقاسم المغانم، نريده أن يكون رأساً عالياً معنا وبنا على أساس المساواة التي تجعل الرأس خادماً لجسده، مثله مثل بقية الأعضاء في الجسد، نريده أن يكون رأساً يمثل اليمنيين جميعاً، بحيث يمكن لأي منهم أن يكون على قمة هذا الرأس الذي لا يجوز لأحد احتكاره، كما لا يجوز لأحد كسره.
الحرب هي الامتحان الأكبر للمجتمعات والشعوب، وإذا أخرجت الحرب أجمل ما فينا فنحن شعبٌ حيٌّ نمُتُّ بصلةٍ للإنسانية والحضارة والقيم والدين والسماء، وإذا أخرجت أسوأ ما فينا فهذا يضعف انتماءنا لهذه الأرض الطيبة، وهذه السماء الصافية.
ندرك جميعاً أن الجراح عميقة، وأن ما قام به الانقلابيون أدى إلى موجة من الغضب المحتدم الذي يخرج عن الطور أحياناً، لكن علينا ونحن في الحرب أن ندرك أن هذه الحرب تظل للأسف حرب الإخوة، لا حرب الأعداء، ومهما حاولت وسائل الإعلام صبّ المزيد من الزيت على النار، فإنها لن تستطيع تغيير حقيقة أننا جميعاً يمنيون، وأن هذه الحرب ستسجل ضمن حروب أهل البيت الواحد، وأننا مثل تلك القبيلة العربية القديمة التي سكبت دماءها وقال شاعرها:
إذا اشتبكت يوماً فسالت دماؤها
تذكرت القربى فسالت دموعُها
ولذا مهم لنا ألا تُحفظ عنا كلمات بغيضة نندم عليها بعد أن تضع الحرب أوزارها، وتهدأ النفوس، لأن الحرب عرضية وستنتهي، وسنعود اليوم أو غداً لطبيعتنا اليمنية السمحة، وسيشعر الكثير بالحرج إزاء مواقف وأحداث وكلمات من هنا وهناك.
يحز في النفس-على سبيل المثال-اليوم أن يتعرض مسؤولون وكتاب ومثقفون وقادة عسكريون لحملات تحريض، ليس لتقصيرهم في أداء عملهم، ولكن لأنهم ينتمون لمنطقة دون أخرى، بأساليب تنم عن عمق الجراح النازفة في ضميرنا الوطني.
ما هو الفارق - على سبيل المثال - بيننا وبين الحوثيين إذا نظرنا لكل الهاشميين في اليمن نظرتنا للحوثي، وإذا قابلنا عنصريته الهاشمية بعنصرية قحطانية مقابلة؟!
ما هو الفرق بين الرئيس السابق الذي تحدث عن "صاحب أبين" في نظرة مناطقية معيبة، وبين خصومه إذا عاملوه على أساس أنه "صاحب سنحان"، بتعميم الخصومة مع أهله وعشيرته؟!
يجب أن نتعلم من الحرب، لا أن ننسى حقيقة أنها حرب إخوة، حتى وإن عدا بعض الأخوة على بعض، بغير حق.
أما المتشنجون الذين لن يعجبهم هذا المقال فعليهم الاحتفاظ به في إرشيفهم إلى أن تضع الحرب أوزارها، وحينها سيقرؤونه وقد اشتجرت في أعينهم الدوع.