لو كان إطلاق مبارك جاء من نظام ثورة ٢٥ يناير وفي عز قوتها لكان ذلك مفهوماً سواءا بمبرر حالته الصحية وكبر سنه أو بمبرر منهجي يستبدل المحاكمة الجنائية بالمحاكمة السياسية للنظام السياسي ورمزه حسني مبارك. غير أن " تبرئته " وإطلاق سراحه جاء كعنوان لانتكاسة رمزية لثورة ٢٥ يناير والقيم التي تضمنتها والشعارات والأهداف التي نادت بها.
يطلق مبارك الذي أستبد بمصر وأفسد فيها القيم والعلاقات والذمم وأذلها طوال ثلاثة عقود من حكمه ؛ ثلاثة عقود هبطت بمكانتها الى الحضيض بينما يقتل آلاف المصريين دون أي ذنب أرتكبوه سوى دفاعهم عن حق أساسي من حقوق المواطنة : الاحتجاج والتعبير السلمي عن توجهاتهم وآرائهم ومطالبهم السياسية .
الانقلاب العسكري الفاشي الذي استولى على السلطة يفرج عن حسني مبارك الذي أختطف مصر ثلاثين عاما فيما يختطف الرئيس المنتخب ويرميه في السجن ويقتل الألاف ويلاحق معارضيه السياسيين السلميين ويقتل السجناء والأسرى " نقوة " حيث تم جمع أهم القيادات الوسطية الميدانية من بين ثلاثة آلاف سجين وتصفيتهم واحتقار الهيئة الإنسانية العامة في مصر والعالم بتصدير رواية ركيكة وبائسة لم يصدقها احد حتى أصحابها الذين تناقضوا أكثر من مرة مع انفسهم وأظهروا وقاحة لا مثيل لها ، وقاحة لا يخفف من قمائتها اظطرارهم الى الإعلان عن التحقيق في الجريمة واعتقال بعض أدواتها.
يطلقون حسني مبارك ويهدرون كل القيم الأخلاقية والمبادئ القانونية والمواثيق والأعراف الآدمية في سعيهم المحموم والمسعور للتكيل بمعارضيهم وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين التيار السياسي الأكبر في مصر. قتلوا الآلاف في مداهمة اعتصامات مدنية سلمية ، قتلوا السجناء بينما سنت البشرية مواثيق تقر احترام الجرحى والأسرى في ظل الحروب بين الدول والحفاظ على حياتهم فما هو الحال بسجين في بلده. اعتقلوا مهدي عاكف المرشد السابق للإخوان وهو الذي جاوز الخامسة والثمانين " عمر مبارك". اعتقلوا أساتذة جامعات ونكلوا بهم وطاردوا قادة الإخوان الذين ضربوا مثلا في التزامهم وإيمانهم بالنشاط السلمي وقواعد الديمقراطية ؛ طاردوهم واعتقلوهم ونكلوا بهم وقتلوا أبنائهم وشهروا بهم في الاعلام العام الناطق باسم مصر وليس فقط في الالة الاعلامية الهائلة المنتفعة من النظام " السابق " التي تغطي وتبرر الجرائم وتضلل الرأي العام وتنشر الأكاذيب وتشوش الرؤية .
اطلقوا مبارك وشهروا بمحمد بديع المكلوم بابنه عمار الذي قصفت عمره آلة السيسي الفاشية مع العشرات من شباب مصر في ميدان رمسيس. كان بديع حزينا ويلبس ثوب الحزن في وجهه وقلبه المكلوم ، كان مشدوها من الوقوف أمام مصريين لا يترددون في القتل والتنكيل والشماتة والتصرف مع مواطنيهم بأسوأ من سلوك العصابات وقطاع الطرق و" العدو الإسرائيلي " الذي يتفرج في الجوار.
الغريب والعجيب أن بعض الاعلام المتضامن مع الإخوان والضحايا لم يجد في جريمة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ما يكفي ويزيد لإدانته وإنما ذهبوا للبحث عن أصله اليهودي والقول أن أمه ذات الاصل المغربي يهودية !! وسواء كان الأصل اليهودي للسيسي حقيقة أو افتراء فان ذلك لا يغير في الأمر شيئا. لو أن السيسي يهودي مصري واحترم القانون والمواطنة وحقن دماء المصريين لكان ذلك كافيا لأن يضعوه فوق رؤوسهم. إما وقد فعل الانقلاب مافعل وأطلق الالة الامنية المستذئبة ضد المصريين المخالفين لتوجهات الانقلاب فذلك يكفي للهبوط بالسيسي وقادة الانقلاب والمذابح الى قاع أعمق من قاع الوحشية الحيوانية حتى لو كانوا " مسلمين " لا ينقطعون عن زيارة الجوامع ويقيمون الليل واقفين في سجاجيد الصلاة ، أو معتكفين جوار الكعبة.