نعيبُ أوطاننا والعيب فينا
بقلم/ مريم عبدالله الغرباني
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 7 أيام
الإثنين 11 مارس - آذار 2013 04:50 م
كثُر التذمر والشكوى والذم للوطن الذي لا يحتوي أبناءه ، ونلاحظ بأن الجميع يحاول الفرار من جحيمه إلى نعيم الغربة المزعوم، وأصبح المُتشرد في الأرض محسودا والعائد إليها مفقودا والراغب في العودة إلى أحضان الوطن مجنونا.. " إيش ترجع تعمل في هذه البلاد يا مجنون ليتنى مكانك وإلا دور لي بقعة جنبك " يقولونها باستغراب ومرارة وأصبح لسان حال الحلم اليمني الكبير هو الفرار ..
ونرى قوافل المغتربين في السعودية والمهربين .. تستنزف زهرة شباب اليمن وتجذبهم إلى مصير مجهول .. فكم من شاب ذهب أملاً في تغيير الحال ولكن محال فالشقاء أصبح رفيق عمر اليمني أينما ذهب .. يحفرون في الأقدار حفرة لينفذون إلى النور لكن محال... لا نستطيع لومهم ولكننا وهم أيضا لسنا بريئين من الإثم..
فهل كانت الأوطان ولا تزال إلا جماد أصم .. لا تُعطي شيئاً ولا تأخذ من أحد شيئاً .. فهي لا حول ولا قوة لها إلا بنا.. لقد سخر الله الأرض للناس ليُعمروها لا لتعطيهم ما سلبوها إياه... الأوطان تحكمها قوانين وتنظم علاقة الأخذ والعطاء والبناء بينها وبين الشعوب، فـهي "أي الأوطان" :
تبقى على حالتها الحركية من التطور في خط مستقيم مالم تؤثر عليها قوة غبائنا وأنانيتنا وفسادنا لتتدهور الأحوال وتتحول إلى سجن كبير يخنق أحلامنا.
إذا أثرت قوة أو مجموعة من القوى على عجلة التطور فإنها تُكسبها تسارعا يتناسب مع محصلة القوى المؤثرة عليها ومعامل التناسب هو كتلة القصور الذاتي للوطن .. والذي يكتمل قصوره بنا ، بينما إذا ما أثرت قوة أو بعض قوى على الوطن سلباً فإنها تُعيق حركة التطور بل تكاد أن تشلها كلياً..
لكل قوة فعل رد فعل لقوة مساوية لها بالمقدار مضادة لها بالاتجاه... فمن يزرع الشوك لا يحصد الورد ومن يزرع ليأكل لن يجوع ومن يبني ويعمر لن يشقى ومن جد وجد ومن زرع حصد .."الأولين ما خلوا للآخرين حاجة يقولوها"
الوطن وحدة موضوعية واحدة لا يُفهم ولا يُستفاد منه إلا كليةً ولا يُرجى ممن تنقض غزلها بعد اكتماله الخير..
الأوطان أُكسجينها التعاون والتفاهم الذي يُغذيها بالهواء النقي ليُدر من بين فرث ودم عسلاً خالصاً سائغاً للآكلين,, ولكنها قابلة للاشتعال إذا ما دبت الخلافات بنار الفتن وويلاتها.. فاعتصموا بحبل الله جميعا وتراحموا يرحمكم الله..
التوازن والاستقرار لأي وطن لن يكون إلا عندما تكون جميع قوى وجزيئات تلك الأوطان في حالة سكون ومن جهة أخرى يجب أن تساوي جميع القوى الخارجية المؤثرة عليه الصفر... "تماماً كما لا يحدث اليوم... "
لكل وطن معادلته التي يجب أن تتزن فيه جميع العناصر وأن تؤدي دورها لتتكامل القوى والأدوار فلا يطغى عنصر على آخر لنصل إلى معادلة الاستقرار والبقاء وليتغير وجه الوطن من جحيم نصنعه كل يوم لأنفسنا إلى جنة وروح وريحان ومن غير أي أحزان..
ولكي نُغير من حال هذا الوطن نحتاج للعودة إلى قوانينه والتعديل في كيمياء وفيسيولوجيا الإنسان الذي أوجد كل هذه المصائب وصنع جحيمه بيده ومن ثم ألقى باللوم على الوطن ليُصبح شماعته التي يُلقي ويعلق عليه أخطائه... لن نستطيع المضي قُدما مالم نُحدث تغيير حقيقي في شخصية الإنسان اليمني...
هلمُ بنا لنتذكر بعض العادات والمفاهيم التي انتشرت في العهد السابق .. وأصبحت مسلمات بديهية تقوم مقام القانون مما انتشر سابقاً:
التزلف والتقرب من أصحاب القرار وانتظار الفتات الذي يلقونه إليهم من على موائدهم .. وكأن هذا المال مما ورثوه كابرا عن كابر وليس من مال الوطن المنهوب..
كانت المرأة تحث زوجها على مد يده للمال العام وتُعاير زوجها بفلان وعلان اللذان يشتهران بالفساد الإداري والأخلاقي..
يمتدحون فساد المسؤول ويقولون عنه " سارق أبتر" ولا يخجلون من التقرب إليه والاقتداء به لا بل حتى يُزوجونه ويسعون لمناسبته، وفي المقابل صار العفيف الأمين محل السخرية والاستهزاء.. وهكذا ضاعت الأمانة وألفنا المعصية وهذا ذنب نُعاقب عليه اليوم بهذه الشدة والمحنة ليُمحصنا الله أنثبت ونتغير أم أن التغيير كان سطحي ولم يصل إلى أصل الداء.
ويبقى لي أن أقول:" الإنسان هو أصل الداء ومبتدأهُ ولن يكون العلاج وخبر التغيير الحقيقي إلا منه.. وأعود وأكرر الوطن صنيعة أيديكم فأتقنوا صُنعَهُ لتنعموا .. فبيدكم أنتم نعيمكم وشقاؤكم.. وكفاكم تذمراً وشكوى .. فإنما نعيبُ أوطاننا والعيب فينا"