الكنز الذي أطاح بحضارة مأرب وقتل أبنائها
بقلم/ علي العقيلي
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 14 يوماً
الخميس 03 يناير-كانون الثاني 2013 12:20 ص

إذا كانت حضارة وادي سبأ القديمة قامت على الزراعة وانتهت بسيل العرم، وتعاقبت من بعدها عدة حضارات يعتمد اقتصادها على الزراعة، حتى الأخيرة والتي لم تنتهي بسيل العرم بل انتهت بسيل النفط الذي أطاح بحضارتها وحضارة أهلها وقتل أبناءها.

ومن المعلوم أن الحضارات المعاصرة اليوم قامت على النفط، ولكن حضارة مأرب سقطت على يد النفط ، فمنذ اكتشاف أول حقل نفطي، وحفر أول بئر، زادت معاناة مأرب أكثر بكثير من قبل النفط، وكان الأولى أن تتحسن أوضاعها مقابل ذلك الكنز الثمين الذي قدّمته لدعم اقتصاد البلاد بلا نسبة أو عائد لصالحها، فقد كانت تنعم بخيرات جسام قبل اكتشاف النفط، ليس من نظام حاكم، بل من خير ترابها الذي أغدقت به على أبناءها بلا منازع من نظام حاكم أو غيره، وبعيداً عن الصراعات والمشاكل الدخيلة، فقد كان أبناءها يعيشون في حب ووئام.

وبعد أن بدأت الشركات العالمية تنقّب عن حقول النفط ، توافدت إلى مأرب ليست المشاريع والتنمية كما هو حال المناطق النفطية في العالم، بل توافدت إليها الحروب والصراعات الأهلية، وبدأت أعمال القتل والنهب والفوضى تعم المحافظة برعاية رسمية من قبل النظام الحاكم بالمال والسلاح، وخلق الفتن والتناحر فيما بين القبائل لمآرب سياسية واقتصادية يسعى إليها رئيس النظام الحاكم ليتفّرد بخيرات مأرب لنفسه، وقد استطاع بذلك أن يسلب أبناء

مأرب حقوقهم، وينفرد بها هو وزبانيته ومن أدرك اللعبة من أكابر مشائخ مأرب واليمن ككل.

وانشغل أبناء مأرب كل هذه السنين بالحروب والثأرات بعيداً عن البناء والتنمية ومفهوم الدولة والنظام والأمن والحقوق والمواطنة، وبعيداً عن نصيبهم من شيء ثمين يسمى بـ (النفط) لا يعرفون منه سوى وظيفة حارس أو بوّاب على إحدى الشركات أو توظيف سيارة تعمل في المواصلات أو النقل، ولا يعرفون عنه أيضاً سوى الدخان المتصاعد من المصافي وأنابيب النفط المتعرضة للاغتيال مراراً وتكراراً. وعلى الرغم من كل هذا الظلم الممنهج ضد أبناء مأرب، إلا أنهم كانوا يكنّون لذلك النظام الظالم حباً جما!! لأنه كان بفتح لهم مخازن التسليح الحكومية عندما تنشأ فتنة بين قبيلتين فيتسلحون بأنواع الأسلحة، ويقتل بعضهم بعضاً بسلاح الدولة ويشكرون القادة ويثنون عليهم! ويرون بأنها مساعدات تقدّم بها النظام كخدمة لمواطنيه!! وهذه حقيقة حدثت قبل الوحدة بسنوات وقد أعترفت بعض القيائل مؤخراً بهذه الحقيقة.

يذكر أحد الذين خاضوا تلك الحروب قائلاً كنا نستلم الذخيرة والقطع من مخازن الدولة ونظن بأننا الوحيدون المدعومون حكومياً، وفي أحد الأيام عندما ذهبنا نستلم كانت الكمية محدودة وطلبنا المزيد، فأخبرني أحد الجنود

بأنها نفس الكمية التي أستلمها فلان!! أحد مشائخ القبيلة التي تربطنا بها علاقة حرب!! فعرفت بأنها سياسة حكومية والنظام مستفيد من ورائها. ويقول آخر كان النظام السابق يقوم بمسح هندسي بمناطق متنازع عليها فيوهمنا بأنه سيتم التنقيب بها، فتتنازع القبائل وتسفك الدماء من أجلها، وأحيان أخرى يقوم بتقديم عدد من الوظائف لا تتعدى عمل "حارس ، سائق" عن طريق إحدى الشركات ويقتتل أبناء مأرب من يحصل عليها. تتعجب كثيراً عندما ترى قبائل مأرب تقتتل فيما بينها وتتنافس مع بعضها على المناطق النفطية مقابل أن يحصل بعض أفراد القبيلة على وظائف بسيطة برواتب زهيدة، وهناك بطون كبيرة تستدر النفط بكل سهولة وتجني آلاف الدولارات، أهّلّها لذلك المشيخة على اليمن حينما لم تؤهل الأرض والبيئة أبناء مأرب لقطف الثمرة لأنها حق عام ، فما بالك بالدماء التي تسفك من أجل النفط.

بسبب النفط عمدت مافيا النفط إلى دعم وزرع عصابات التخريب والسلب والنهب لتشويه سمعة أبناء مأرب، لإلجامهم عن المطالبة بحقوقهم المسلوبة، حتى أصبحت صفات القتل والسلب والنهب والتقطع والتخريب صفات ملازمة لهم، حتى أصبحوا ملعونين أين ما ثقفوا في المحافظات الأخرى، وطاحت حضارة مأرب الإخلاقية.

وبسبب النفط عمدت مافيا النفط إلى قتل أبناء مأرب بطريقة غير مباشرة من خلال خلق النزاعات القبلية ودعم وتمويل الثأرات بالسلاح والعتاد لقتل المزيد من الأرواح، وإبعاد الجميع عن الكنز المستحوذ عليه من قبل تلك

العصابة.

بسبب النفط تلوثت البيئة وتصحّرت التربة، ونزعت المياه وهلكت الزراعة، فطاحت حضارة مأرب الاقتصادية.

وبسبب النفط أيضاً عمد النظام البائد إلى تجهيل أبناء مأرب وإبعادهم عن العلم والتعلّم والحياة السياسية، ليمكثموا في فلكهم يسبحون بعيداً عن معنى النفط لغة واصطلاحاً، وعن معنى النظام والقانون والحقوق والواجبات.

فمن ينصف أبناء مأرب خاصة وأبناء اليمن عامة من عائلة المخلوع وأبناء مشائخ كبار القبائل، حتى ينال كل مواطن يمني حقه ونصيبه من النفط الذي يعد أكبر الحقوق العامة.