قحطان.. سيرة مشرقة بالنضال وتاريخ زاخر بالمواقف الوطنية
بقلم/ مارب برس
نشر منذ: يوم واحد و ساعتين و 9 دقائق
الأحد 06 إبريل-نيسان 2025 05:00 م

 

تقرير - عبد الإله الحود

 

في سيرة السياسي محمد قحطان، ثمة مواقف وطنية زاخرة في مسيرة النضال تتجاوز السياسة إلى شخصية رجل يحضر حين يتوارى الآخرون، قائد صلب، واجه صلف المليشيا الحوثية بشجاعة وثبات، لم تؤثر فيه صنوف التهديد والوعيد من المتسلطين والسلطويين، فاختار أن يكون صوت الناس ولا غير، ومعبراً عن تطلعات الشعب دون أن يأبه للتبعات. هذه شخصية قحطان، القادم للسياسة بشهادة الليسانس في الشريعة والقانون، فحمل قضية اليمنيين ليترافع بها في مواجهة الاستبداد والمليشيا، يحاكمهم إلى القانون ويطالبهم بالدستور ويهددهم بالشعب، ولم يجدوا ما يواجهون به رمزيته سوى بحملات التحريض والتشويه أو الاستقواء بالسلاح وإخفائه خلف القضبان قسرياً منذ عشر سنوات في أقبية المليشيا الحوثية، لم تنسَ الجماهير قائدها قحطان، ولن ينسى الشعب محاميه الذي عبر عنه مراراً وخاطر بحياته في سبيل قضية حملها في قلبه وبين جوانحه وقدم الثمن باهظا.

 

انتفاشة الحوثي إلى زوال

 

"انتفاشة الحوثيين إلى زوال"، مقولة قحطان بعد أيام من سقوط صنعاء وتوصيف لا يزال يلاحقهم إلى اليوم، كلما تمادت العصابات الحوثية بحق الشعب ومارست الظلم، تحضر كلمة "انتفاشة" فتختزل حالتهم، وتشخص بشكل دقيق وضعهم. كلمة قحطان رسخت في ذهنية الشعب وآمن بها في حين كانت المليشيا تقضم البلاد قطعة قطعة، وتتهاوى البلاد بأيديهم محافظة تلو أخرى، يرافقهم البطش والقتل ويلازمهم الإجرام فكانت ممارساتهم تؤكد انتفاشتهم، فقد سبق أن مارسها أئمة السلالة في جولات حروبهم مع اليمنيين، وهو ما أكده قحطان في ذات المقابلة، وأكد أن أفعالهم امتداد لنهج أئمة بطشوا ولم تدم سلطتهم وسرعان ما انتفض الناس وتحرروا من قبضتهم.

 

قحطان الذي لم يتوارَ يوما في مواقفه المشرفة، غير آبه بأي تبعات، ظل صلبا عندما يتعلق الأمر بثوابت الوطن، ومرنا في الخلاف السياسي، ومبادراً في الحوار وإيجاد المشتركات الوطنية.

 

تحدث قحطان قبل سقوط صنعاء وقال: "إن تقديم مزيد من التنازلات لهم سيقود إلى نتائج كارثية". وعندما وضع تحت الإقامة الجبرية تحول منزله لمزار للسياسيين والكتاب والصحفيين وكان شامخاً ويردد لزواره بصريح العبارة: "اليمن على كف عفريت".

 

وفي 4 أبريل 2015م، أخفته المليشيا الحوثية ولم تعرف أسرته شيئا عنه حتى اليوم رغم مرور 10 سنوات.

 

قحطان في فلك الوطن

 

قحطان رمز وطني، بتاريخ زاخر بالنضال، ظل بصوته المرتفع ومواقفه الصلبة، حجر عثرة أمام شرعنة الانقلاب ورفض التماهي مع طبخة المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي فشل في إلزام الحوثيين باتفاق السلم والشراكة وذهب لصياغة اتفاق آخر يقضي على شرعية الرئيس ويمنح الانقلاب الشرعنة عبر مجلس رئاسي تحت رحمة المليشيا المسلحة.

 

السيطرة الحوثية على العاصمة لم تمنع قحطان من إطلاق تصريحه الشهير لصحيفة "عكاظ" السعودية قال فيه إن "الحوثيين لم يتضرروا من المبعوث الأممي منذ أن باشر مهامه في اليمن"، فظهر "بن عمر" مسعورا يحرض ضد قحطان داخل الغرف المغلقة وخارجها وسمع الجميع ما قاله في تسريب المكالمة الهاتفية له مع حميد الأحمر، وفي حوار موفنبيك الذي أعقب سقوط صنعاء كان يحضر تحت تهديد السلاح، ويقول رأيه بكل جرأة، بل ويتضامن مع الرئيس وأعلن صمته حتى رفع الإقامة الجبرية عن الرئيس هادي، ويدين الانتهاكات ضده، ويحاور ويناور ويقاطع وهو فوق كرسيه صلباً ورمزا من رموز الوطن الأحرار.

 

قحطان في مواجهة الاستبداد

 

سجّل قحطان مواقف وطنية شجاعة في مواجهة الاستبداد والذهاب نحو حكم الفرد، فإلى جانب حنكته السياسية، ونظرته الثاقبة للأحداث، واجه فوضى الحاكم، وسياسة إدارة البلاد بالأزمات والهروب من المشكلات إلى المشكلات، وغياب الرؤية الوطنية، فقال عبارة من ثلاث كلمات: "مجنون وبيده حجر"، فجرت قنبلة في المشهد السياسي حينها في العام 2003م، لم تكن اعتباطا منه أو كلمة غير محسوبة، بل يعي ما يقول وهو يصف حال رأس السلطة.

 

لقحطان موقف صريح من حروب صعدة التي غذت التمرد وقضت على مناصري الجمهورية في صعدة، على عكس المعلن من النظام، وكانت دعوات قحطان الصريحة لمعالجة القضية الجنوبية، فلم يخرج إعلام السلطة ليشن حملات شعواء على كلمة قحطان في مهرجان دمت عام 2008 إلا لأنه لامس جوهر القضية الجنوبية وفضح زيف الحاكم الذي أبقى جذوة الحراك مشتعلة في الجنوب ضمن سياسية الإدارة بالأزمات.

 

ولا يزال تحديه لإعادة سعر البيض إلى ما كان عليه قبل انتخابات 2006م من مواقفه الساخرة من النظام، وعرف بموقفه من نتيجة الانتخابات الرئاسية وتهديد بالنزول للشارع. هذه مواقف للتاريخ ولا يمكن تجاوزها أو التقليل من شأنها لأي مبرر، ومن العار إخفاؤها حتى لا تثير مشاعر أي جهة.

 

سياسي بروح ثورية

 

طغت شخصية قحطان الثوري على السياسي مع خروج الشباب في 11 فبراير والمطالبة بالتغيير، كما كانت تصريحاته ملهمة للشباب قبل خروجهم وأثناء الثورة وبعدها، وعرف بمواقفه المتقدمة على الأحزاب والمكونات، وبنى علاقة قوية مع شباب الثورة، وعبر عن صوتهم، وخاض نقاشات كثيرة معهم، وتعرض لحملات من النظام عقب تصريحه الناري الذي أفقد رأس النظام حينها عقله، وأفشل مخططه في تصفية ساحات التغيير.

 

قبل ثورة فبراير 2011م، أًطلق على “محمد قحطان” لقب قائد الثورة التصحيحية، ولعل لذلك كان بسبب دعواته لإسقاط “نظام صالح” منذ وقت مبكر، وله تصريح في العام 2007م قال فيه إن البلاد يجب أن تتخلص من براثن حكمهم".

 

لم تطغِ الشخصية السياسية على الروح الثورية التي حملها قحطان بين جنبيه، فقد جمع الرجل بين الحنكة في ميدان العمل السياسي، وثوريته التي برزت في كثير من المحطات الهامة من مسيرته التي تزامنت مع منعطفات هامة مرت بها البلاد.