تلبية لدعوة نصر طه ... لا مفر من نظام رئاسي مهجن
بقلم/ دكتور/محمد الصبري
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 15 يوماً
الأحد 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 05:10 م

مأرب برس – خاص

مما لاشك فيه بأن مبادرة الرئيس للتعديلات الدستورية قد أثارة نقاشاً فضفاظاً في الشارع اليمني وأحدثت جدلاً إعلامياً واسعاً ليس فقط بسبب ما تضمنته من مقترحات جريئة لتعديلات دستورية تستبدل النظام المختلط بالنظام الرئاسي الكامل أخذه بالنقيض المقابل للنظام البرلماني الذي دعى إليه اللقاء المشترك بل ايضاً كونها تجاوزت حتى برنامج الرئيس الانتخابي الذي دعى إلى الفصل بين السلطات على إستحياء من خلال كلمة "تعزيز" وليس إلى الفصل الواضح كما عليه النظم الرئاسية الكاملة.

وأتفق مع إستاذي العزيز نصر طة بأن معظم ما تم مناقشته من قبل مؤيدي المبادرة لا يخلوا من المجاملة والمكايدة وبالتالي لم تأخذ المبادرة حقها من الدراسة الموضوعية بل وبسبب الإنهماك في تسجيل مواقف سياسية بين طرفي المعادلة السياسية تم إغفال جانب مهم من جوانب دراسة المبادرة وهو تقييم مساوئ النظام السياسي الحالي حتى يتمكن المواطن المثقف قبل المواطن العادي من معرفة محاسن النظام المقترح، وصحيح يا أخ نصر بأن من حق الرئيس اقتراح تعديلات بموجب المادة الدستورية رقم 158 لكن هذه المادة أشترطت بأن على الرئيس أن يتقدم بمشروع تفصيلي بالمواد المطلوب تعديلها وإرفاق كل مادة من المواد بالمبررات الداعية والأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تستدعي تعديلها والذي من الواضح بأن حزب المؤتمر لم يتمكن من إصدار مثل التبريرات حتى هذه اللحظة مكتفياً بدراسة أبو الدستور اليمني الاستاذ عبدالله أحمد غانم الذي حام حول الحمى بطريقة القانوني المحنك الذي يحاسب كل كلمة.

ومن هذا المنطلق وبسبب عدم إبراز المبررات الداعية إلى تغيير شكل النظام الرئاسي المختلط إلى كامل في بادئ الأمر قد أعطي كثيراً من التأويلات والتفسيرات من قبل القوى السياسية المعارضة التي شككت بأن هناك دوافع سياسية تتعدى ما أعلنه الرئيس تكراراً في ثلاثة خطابات متوالية بالإضافة إلى مقابلتة مع فضائية عالمية "كالجزيرة" بأن أحد الأسباب الداعية لتبني النظام السياسي الكامل هو ميول المواطنين نحو تحميلة كل الإخفاقات الحكومية حتى على مستوى إرتفاع أسعار المواد الغذائية وبالتالي فمن الأولى تحويل النظام الحالي المختلط إلى كامل وهذا ما أكدته دراسة الاستاذ عبدالله غانم.

الملفت للنظر بأن ما هو مطروح حتى هذه الحظة هو عبارة عن مساجلات إعلامية لا يبنى عليه عمل مثمر كمثل تلك الإطروحات التي ترى بأن مبادرة الرئيس شجاعة! وبأن النظام الرئاسي الكامل يتناسب مع الطبيعة الجغرافية السياسية اليمنية مبرراً بأن خصائص الشعب اليمني وثقافته السياسية والاجتماعية لا يناسبها إلا نظام كالنظام الرئاسي الكامل، بل تمادى البعض في وصف الشعب اليمني بأنه كغيرة من الشعوب العربية لا تنقاد إلا لشخص قوي سواءً على هيئة ملك، أو إمام، أو رئيس، أو شيخ، وهكذا دواليك من تبريرات أقل ما يقال بأنها غير منطقية كونها ستترجم من قبل أي معارض للمباردة بأنها مجرد دعوة للدكتاتورية وهذا ما توصل إليه الشيخ محفوظ شماخ،

بشكل عام أنظمة الحكم هي انظمة بشرية يعتريها النقصان وتفتقر إلى الكمالية لكنها قد تتطور بتطور المعرفة الإنسانية وبالتالي يتفاوت تناسب الأنظمة السياسية بتفاوت ثقافة الشعوب، ومن هذا المنطلق ليس بالضرورة أن يقيد مجتمع من المجتمعات نفسة بنظام سياسي معين مستورد بحجة أن هذا النظام هو أنسب من ذلك النظام كون دولة ما قد جربته لأكثر من 200 سنة، وإنما ينبغي أن تكون هناك توليفة تنظيمية تتناسب مع خصوصيات كل مجتمع كمثل تلك التي توصل إليها المشرع اليمني في الدستور الحالي والذي ما كان يستدعي سوى تشذيبها بحيث تتضمن وجهات نظر أطراف المنظومة السياسية من إصلاحات تعزز الفصل وتحدد المسئولية بحيث لا يتحمل الرئيس كل تبعات الفشل التنموي.

مما سبق وبناءً على إفتراض بأن الدستور الأمريكي يمثل نموذج حي للأنظمة الرئاسية الكاملة التي تسعى مبادرة الرئيس نحو تطبيقها على اليمن يتضخ - من خلال قراءة نمطية بسيطة ومتواضعة لمضامين الدستور الأمريكي – بأن هناك جملة من التساؤلات حول ماهية الجدوى السياسية والاقتصادية من تغيير شكل النظام السياسي حيث والظاهر بأن السلطة التشريعية ستحصل على صلاحيات أكثر من تلك الممنوحة لها في الدستور الحالي فيما لو أتبع النظام الرئاسي الكامل (كالأمريكي مثلا) وهذا ما شجع معارضين من إمثال سلطان السامعي ومحمد المقالح ومحمد المتوكل من الإشادة بالمبادرة.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر لو أخذنا بتأويلات الأراء المعارضة بأن الرئيس يسعى من خلال مبادرتة على تعزيز صلاحيته السياسية من خلال تبني النظام الرئاسي الكامل سنجد بأن الدستور الأمريكي أعطي الكونغرس (مجلسي النواب والشيوخ) صلاحيات تشريعية اقتصادية ومالية واسعة تفوق تلك التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي حيث من حق الكونغرس فرض الضرائب والرسوم والعوائد ودفع الديون والإقتراض وتنظيم التجارة الدولية وسك النقود مما يجعلة يقوم بوضع الأنظمة الأساسية للبنوك المركزية ومراقبة عملية صرف الأموال الحكومية أولاً بأول وبالتالي يتسأل المرء هل ستتضمن التعديلات القادمة مواد تتخلي بموجبها السلطة التنفيذية عن صلاحياتها الاقتصادية لمصلحة مجلسي النواب والشورى المنتخبين أسوة بالنظام الرئاسي الكامل الأمريكي؟ لكن يجب علينا أن نأخذ في الإعتبار مستوى الأمية في اليمن وشرط القرأة والكتابة وما سيتمخض عنه من أعضاء للمجلسين يديرون البلاد اقتصادياً.

كما أنه من المعروف بأن رئيس الجمهورية في اليمن يتمتع بصلاحيات عسكرية واسعة بموجب الدستور كقائداً عاماً للقوات المسلحة وبموجب خلفيته العسكرية وترأسة للسلطة التنفيذية التي من صلاحياتها مسئولية الدفاع والأمن (تنظيمياً ومالياً) وبالتالي يتسأل المرء هل ستمنح التعديلات القادمة مجلسي النواب والشورى صلاحيات كتلك التي يتمتع بها الكونغرس والمخول دستوريا بإنشاء الجيوش وتأمين نفقاتها وإنشاء القوات البحرية والتكفل بها، ووضع قواعد لإدارة وتنظيم القوات البرية والبحرية، ومن ثم صلاحية إعلان الحرب، والتفويض برد الاعتداء الخارجي لكن يجب علينا أن نأخذ في الحسبان التركيبة الاجتماعية والسياسية للجيش اليمني.

بل في ظل إمتعاض السلطة التنفيذية في اليمن من عرقلة مجلس النواب لكثير من مشاريع القوانين ومعاهدات وإتفاقيات قروض يتسأل المرء هل بمقدور المشرع اليمني إعطاء مجلسي النواب والشورى صلاحية مثل صلاحية الكونغرس الأمريكي بموجب بند "ضرورية ومناسبة" التي خولته معالجة أمور عديدة غير مذكورة بصورة محددة في الدستور وبالتالي تخلق توازناً أكبر بين السلطات الثلاث.

من المعايش بأن "رئيس الجمهورية" في ظل الدستور الحالي يتمتع بصلاحيات مطلقة في تعيين وعزل رئيس الوزراء والوزراء والقضاة والسفراء وكبار موظفي الدولة وفقاً للدستور وبموجب العرف والتقاليد معززة بكاريزميتة القيادية التي لا يمكن أن يرفض طلبه أي رئيس وزراء أو رئيس محكمة عليا وبالتالي يتسأل المرء هل ستتضمن التعديلات الدستورية إعطاء صلاحية لمجلس الشورى بالموافقة على تعيين كبار المسؤولين من قبل أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس كما هو معمول به في أمريكا،

مما سبق يتضح بأن النظام الرئاسي الكامل (الأمريكي) يدعو إلى الفصل بين السلطات بكل وضوح ويخول السلطة التشريعية سلطات واسعة ستحد من سلطات أي رئيس لليمن (حالياً ومستقبلاً) فيما لو أتبع النظام الرئاسي الأمريكي بحذافيرة وبالتالي فتوقعاتي لا مفر من نظام رئاسي كامل مهجن يمنياً بحسب ما توقع له الدكتور محمد المتوكل والاستاذ عبدالله غانم.

أما فكرة أن الهدف من مبادرة التعديلات الدستورية هو توقعات خسارة المؤتمر الشعبي للأغلبية في الانتخابات النيابية القادمة لصالح القوى المعارضة وبالتالي يهدف المؤتمر إلى تعزيز صلاحية وظيفة الرئيس وتهميش صلاحية مجلس النواب والتي عززها الاستاذ سلطان البركاني بتصرحاته حول عدم تكرار سيناريو غزة، فأنا في تقديري بأنه لن يكون ذلك من خلال النظام الرئاسي الكامل كما لاحظنا سابقاً اللهم إذا تم تفصيل نظام رئاسي كامل خاص باليمن يتناسب مع الخصوصية اليمنية الخاصة.

أما فيما يتعلق بأن الرئيس يسعى من خلال هذه المبادرة تصفير العداد والتحايل على النص الدستوري الخاص بفترتي الرئاسة بنص المادة (112) التي تشير بأنه "لا يجوز لأي شخص تولي منصب الرئيس لأكـثـر من دورتين مدة كل دورة سبع (خمس) سنوات فقط"، ففي تقديري بأنه يستحيل عليه تقديم مقترح بتعديل هذا النص كونه قد يخسر مصداقيته بين الناس وكفى ما أثار تصريحة بعدم الترشيح مرة ثانية من لغط إعلامي واسع محلياً وإقليمياً ودولياً، فضلاً أنه يصعب عليه تمريرها كما ذكر فخامته في مقابلته مع الجزيرة خاصة وأن المادة 162 الدستورية تشير صراحةً بأن الدورة الرئاسية الأولى هي تلك التي جرى إنتخابها في عام 1999 وبالتالي الثانية في عام 2006، وبالتالي أتفق مع الأخ على العمراني بأن الرئيس لا يمكن أن يسئ إلا نفسة واختلف مع الدكتور المتوكل بأن الهدف من وراء المبادرة هو تصفير العداد كون الأمر غير معقول.

كما أن هناك من يطرح بأن الرئيس يسعى من هذه المبادرة نحو تمهيد الطريق لتوريث الحكم لنجلة أحمد قائد الحرس الجمهوري والسؤال هو كيف يقتدر الرئيس أن يجعل من نظام رئاسي يعتمد على انتخابات رئاسية وبرلمانية إلى نظام رئاسي وراثي، وبالتالي في تقديري بأن مثل هذا الطرح غير عملي في ظل نظام انتخابي، أما من حيث المبدأ فلأولاد الرئيس الحق في الترشح مثلهم مثل نجيب قحطان الشعبي أو فتحي العزب خاصة وأن فرصة إحتكاكهم بأبيهم قد أهلتهم قيادياً وتعليمياً اللهم أنه ينبغي أن لا يحصلوا على أية أمتيازات انتخابية أمام المرشحين الأخرين بموجب الدستور وقانون الانتخابات. 

الخلاصة بأن المبادرة لم تأخذ في بادئ الأمر حقها من الدراسة والتمحيص من قبل المختصين داخل أروقة صناعة القرار السياسي وهذا واضح من خلال عجز وسائل الإعلام الرسمية والمؤتمرية في إستعراض بماهية الجدوى السياسية والاقتصادية من المبادرة وإنما في تقديري بأنه بدأت كأفكار مستعجلة للمناورة مع ممثلي الأحزاب وبسبب مكابرة المعارصة الرئيسية تحولت إلى مبادرة ثم إلى مقامرة بين طرفي المعادلة السياسية وعادت الآن كما كانت عليه مجرد أفكار تخضع للنقاش من قبل لجنة حوار المؤتمر- المشترك،

ومن خلال قرأة افقية للكتاب المحايدين نستطيع أن نستلخص بأن سبب مشكلة اليمن السياسية الحالية ليست بسبب ثغرات في الدستور والنظام السياسي بقدر ما هي ناجمة من إشكالية إدارية في تطبيق مبادئ الدستور والقوانين النافذة – مع العلم أنه في تقديري بأن مُشّرعي الدستور اليمني الحالي قد وفقوا في إختيار النظام الرئاسي المختلط – ولم تستدعي الحاجة سوى في تشذيبه للأحسن ليتناسب مع المتغيرات السياسية والأجتماعية، 
 

أما فيما يتعلق بباقي بنود المبادرة وخاصة نظام الحكم المحلي فهي في تقديري بأنها تحصيل حاصل كون الجميع ينشد نحو حكم محلي فاعل.. والجديد في المبادرة كما ذكرت في مقالي السابق هو إعطاء المرأة كوتا محددة والتي أعتبرها "فاصل إعلاني ممتاز" كمنشور إنتخابي الهدف منه الترويج أكثر منه توسيع المشاركة الشعبية ولعمري ما هي الجدوى الاقتصادية وكيف سنستغل الحقوق السياسية لبنات الريف قبل ما نعطي حقوقهن التعليمية والصحية والإنجابية على اكمل وجه.