ثورة أحمر الشفاه في إيران
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 25 يوماً
الإثنين 02 مارس - آذار 2009 05:35 م
 
بدأ وضع المرأة الإيرانية يتغير منذ التحوّل من الحجاب العادي، إلى الوشاح ذي الماركة الفرنسية «إيرميه». واليوم، وبعد 30 سنة من حكم الشريعة الإسلامية، يشهد نضال المرأة الإيرانية من أجل حقوقها إيقاعاً متسارعا، بينما تتعالى أصوات نساء يتولين قيادة سيارات السباق وإدارة المدوّنات الإلكترونية أو يعملن في قطاع السينما، مطالبات بالتغيير.

  زهرة فاتانخاه هي واحدة من سائقات سيارات السباق الإيرانيات اللواتي يطمئن الجالس بجانبهنّ إلى مهارتهنّ في عبور شوارع طهران المزدحمة إلى درجة الخطر، وقد حصلت على عدة جوائز في منافسات تجاوزت سرعتها خلالها الـ220 كيلومتراً في الساعة.

لكنها جميلة الطلعة وأنيقة المظهر ترتدي حذاء بكعب عال فوق بنطلون من الجينز، وينظر إليها بوليس الآداب الإيراني شزراً وفي معصمها ساعة «رولكس».

كما تهوى زهرة تسلق الجبال، وقد وصلت مؤخراً إلى قمة جبل دامافاند (الأعلى في الشرق الأوسط) وتخصص جزءاً من وقتها لمشاهدة القنوات التلفزيونية الأميركية، وهي محظورة لكن يتم غضّ الطرف عنها، وتقول إنها تحب الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشيل، المتميزة بأناقتها وذكائها.

وُلدت زهرة فاتانخاه (31 سنة) قبل الثورة الإسلامية الإيرانية بسنة واحدة، وكانت تنتشر في طهران حتى شهر فبراير (شباط) 1978 النوادي الليلية وحلبات الرقص وشوارع المدن تغصّ بالفتيات الإيرانيات ذوات الأناقة المتميزة على غرار مثيلاتهن الأوروبيات. بعد ذلك التاريخ بسنة واحدة فرّ شاه إيران من البلاد مخلفاً وراءه عرش الطاووس، وأصبحت إيران دولة إسلامية واضطرت المرأة فيها إلى ارتداء الحجاب والرداء الطويل وأصبح محظوراً عليها الغناء أو الرقص في الأماكن العامة وفقاً لما تقتضيه الشريعة، وجرى إبعادها عن المناصب الرئيسية، ومنهنّ شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل وأول امرأة إيرانية تعمل في سلك القضاء.

إلى الجحيم

وبالرغم من أن بروز نساء من أمثال زهرة فاتانخاه لا يوحي بأنهنّ يواجهن مشاكل حقيقية، فإن التوتر القائم بين الحداثة وبين التقاليد لا يزال يشكل عبئاً ثقيلاً على المرأة الإيرانية. لكن ثمة دلائل على أن شكلاً من أشكال الثورة بدأ يفرض نفسه شيئاً فشيئاً على الساحة الإيرانية.

فقد حدث ذات مرة أن تعرضت زهرة للشتم من قبل سائق دراجة نارية تصوّر أنها تحاول أن تدخل بسيارتها في طريق ذي اتجاه واحد فأوعز إليها بالرجوع. ولما واصلت تقدمها موقنة بأنها على صواب تفوّه بعبارات نابية فما كان منها إلا أن فتحت نافذة سيارتها وقالت له متماسكة هادئة بأن يغلق فاه ويمضي إلى الجحيم.

ما لم تتوقعه الثورة

يمكن القول إن المظهر في إيران لا يقل أهمية عما في الغرب، وهو ما لم يكن الثوريون يتوقعونه مع بداية الثورة في 1979. ففي السنوات الأولى، كان أحمر الشفاه يعد «إهانة لدماء الشهداء». وكان أفراد الثورة أيضا يعتبرون ربطات العنق أمرا غير مرغوب على اعتبار أنه تشبّه بالغرب بقدر ما هو تذكير بالشاه. كان واضحا أن رجال الدين أرادوا للحياة العامة أن تكون خالية من أي أثر للأنوثة.

لقد تمكنت الأطباق اللاقطة للبث الفضائي من دق مسمار في ذاك النعش. وبات من المحتم أن تطلع المرأة الفارسية على أعمال مثل «الجنس والمدينة» أو أغان لنانسي عجرم. ومن المؤكد أن يكون لذلك عواقبه. ومع أن الرياضات بمختلف أنواعها تمارس في طهران وفي أماكن مخصصة لهذه النشاطات، يمكن القول إن الفصل بين الجنسين يمارس بطريقة صارمة.

هناك نساء في المجتمع الإيراني يؤكدن أنهن سعيدات بالوضع القائم. وهذا ما بدا واضحا في نقاش نظمته وزارة الخارجية وحضره حوالي عشر نساء يلبسن الشادور ما عدا امرأة يهودية، وبينهن قاضية وعالمة في الزراعة ومحاضرات في الجامعة. والكل عبرن عن رضاهن وسعادتهن بالأوضاع القائمة.

وفيما يتعلق بالعقوبات الجسدية، تقول المحامية والقاضية فايزة بوداغي إنها مسألة «نظرية» لأن عدد حالات الرجم لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة في السنوات العشر الماضية. لكن بوداغي تعترف بوجود مشكلات، كما في حصة المرأة من الميراث، لكنها تعتقد أن هذه القضايا قيد المراجعة بعيدا عن المعايير الغربية لحقوق الإنسان التي تعتقد أنها لا تصلح للواقع الإيراني.

وحتى لو كانت هؤلاء النسوة يردن تغيير الوضع الراهن، فإنهن لن يتمكنَّ من القيام بأي شيء بالرغم من المناصب المتميزة التي يشغلنها، وذلك لأن الرجال هم الذين يقومون بوضع وتفسير القانون. بالطبع هناك أحزاب متنافسة على الساحة السياسية في إيران، بعضها ذات توجه علماني أكثر من بعضها الآخر، كما أن الإصلاحات سمحت للنساء بالعودة إلى سلك القضاء. لكن من بين 290 نائباً في البرلمان ليس هناك سوى ثمانية أعضاء من النساء. والسلطة الحقيقية موجودة بيد مجلس الحرس الثوري، الذي هو عبارة عن هيئة غير منتخبة من رجال الدين، ويتمتع بالقدرة على نقض أي قرار يراه غير دستوري.

ابنة الخميني

لا وجود للنساء المتمردات في هذه الدولة الإيرانية، فالمرأة إما أن تكون أما أو ابنة أو زوجة «هذه الشائعات ليست سوى أكاذيب لفقها أعداء لنا في الخارج»، تقول زهرة مصطفوي خميني، ابنة آية الله خميني، في سياق ردها على سؤال حول رأيها بعلية إيغام دوست وقضية زج الناشطين في السجون.

فوالدها الخميني كان «أبرز مدافع عن حقوق المرأة... كان يريد أن تلعب المرأة دورها بالكامل في المجتمع، لا أن تقوم فقط بوظيفة الضاربة على الآلة الكاتبة أو الممرضة. وفي المنزل، لم يكن يطلب من زوجته أن تقدم له كوباً من الشاي، أو أن تغلق الباب، بل كان يقوم بهذه الأمور بنفسه».

لكن الرجال الإيرانيين بشكلٍ عام ليسوا متنوِّرين إلى هذه الدرجة. فأحد الكتاب الإيرانيين وزوجته أُصيبا بالصدمة، عندما علما أن أحد أصدقائهما طلب من زوجته أن تبيع إحدى كليتيها، لمجرد أن مطعم الكباب الذي يملكه واجه بعض المصاعب المالية.

ما لا يمكن فهمه هو هذا الحماس المنقطع النظير لدى المتشددين من رجال الدين والسياسة الإيرانيين نحو تكميم أفواه هؤلاء النسوة اللاتي لا يطالبن إلا بالمساواة التي تكفلها لهن قوانين الشريعة الإسلامية. لابد أن السبب يعود إلى مشاهدتهن لما حدث خلال هذه السنوات الثلاثين من عمر الثورة، حيث أصبحت المرأة الإيرانية تذهب إلى المدرسة والجامعة، كما تحرَّرت من قيود المسؤولية عن عائلة كبيرة بفضل برامج تحديد النسل.

بالنتيجة أصبح الكثير من الشابات يدرسن لنيل الشهادات العليا، مثل الدكتوراه، بينما في السابق لم يكن يُسمح لهن بالخروج من الريف، حيث كان عملهن يقتصر على حياكة السجاد ويتم تزويجهن في عمر الـ13، ويُمنعن من دخول المدارس (ففي العام 1979 ثلثا النساء الإيرانيات كن أميات)، وذلك لأن آباءهن ما كانوا ليقبلوا بأن تتواجد بناتهم في مدرسة مختلطة. أما الآن فإن 70 في المئة من طلاب الجامعات هم من النساء.

وتؤكد بارفين أردلان بأن حملة التواقيع تنسجم تماماً مع تعاليم الإسلام، ولا تحتوي على أية أجندة سياسية. كل ما في الأمر هو أن النساء يسعين للوقوف بوجه المواقف الذكورية المعادية للمرأة والتي لا تمت للدين بصلة. تقول أردلان «نحن لا نريد الحصول على السلطة. فأنا لا أحتاج إلى السلطة كي أحقق ما أريد. نحن نريد التغيير، إنما من دون تغيير النظام. ليس لدينا أية مصلحة في أن نكون تياراً سياسياً معارضاً».

لكن الإصلاحيين تم تهميشهم منذ العام 2005، أما المتشددون فإنهم يعلمون جيداً مدى قوة وخطورة أي حركة شعبية، كما هو حال الحركة النسائية الحالية. وفي حال كان يريد أنصار الحركة النسائية تكوين تيار معارض، فإنهم يستطيعون ذلك، لأن نصف نساء إيران، البالغ عددهن 34,6 مليون امرأة، هن دون الـ25 من العمر. كما أن معظم الشباب، من النساء والرجال، يطالبون بقدرٍ أكبر من الحرية.

مخاوف الثورة المخملية

وفي حال حصل بعض الذوبان في جليد العلاقات الإيرانية الأميركية، فإنه قد يؤدي إلى تكاثف الضغوط الداخلية للثورة النسائية في إيران. فهل يمكن أن تكون هذه الضغوط بمثابة الشرارة التي ستشعل ما يخشاه الملالي: أي الثورة المخملية؟ ربما يكون هذا الخوف هو السبب الذي يجعلهم يمارسون هذا القمع تجاه النساء. «إنهم يشعرون بالخطر»، يقول أحد المحللين، «عندما يكون الأمر يتعلق بامرأة واحدة، مثل شيرين عبادي، فإنهم يستطيعون احتواء الأمر، لكن أن تقف في وجههم قوة شعبية جبارة، فهذا ما لا يستطيعون تحمله».

لكن الغريب هو أنه ليس الملالي وحدهم الذين يخشون الحديث عن التمرد. تقول أردلان «تجربة الثورة أظهرت لنا أن حدوث التغيير المفاجئ ليس في مصلحة النساء، بل نحن بحاجة لاتخاذ خطوات تدريجية». وتوافقها على ذلك كاتايون شهابي بالقول «لقد خبرنا الثورة وخبرنا الحرب. ونعرف تماماً أن التغيير المفاجئ ليس الحل الأنسب بالنسبة لإيران. لكن الأمور تتحرك، كما يتحرك النهر. والأنهار، كما تعرفون، لا يمكن إيقافها».

* «ذي إندبندنت»