وبقى الشعب
بقلم/ عبد الباسط القاعدي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و يومين
الإثنين 14 فبراير-شباط 2011 04:04 م

يبدو أن السلطة اليمنية لم تع الدرس المصري جيدا فبادرت إلى رصد مئات الملايين لمكافئة الموالين لها بغية الاحتشاد في أماكن تفترض أن المعارضة ستتجمع فيها، وكالعادة سخرت السلطة كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لخدمة التجمعات الموالية، فالمؤسسة الاقتصادية اليمنية حشدت الآلاف يوم الخميس قبل الماضي وتولى رئيسها حافظ معياد مهمة إدارة تلك الحشود وعلى الرغم من توجيه إنذارات إلى الموظفين المدنيين في حالة تغيبهم عن حضور فعالية المؤتمر المناهضة لفعاليات المشترك إلا أنها فشلت مقارنة مع فعاليات المعارضة وقد تأكد الرئيس علي عبدالله صالح من ذلك بنفسه حين استقل مروحية هيلكوبتر وحلق على الفعاليتين المتزامنتين بأمانة العاصمة.

هذا الأسبوع لجأ المؤتمر إلى نصب الخيام في أماكن متفرقة من أمانة العاصمة بأسماء القبائل المجاورة للأمانة وقد أكد لنا بعض مشائخ تلك القبائل أن هذه الخيام لا تعبر عنهم وإنما عن السلطة التي تنتحل صفات اليمنيين لتوهم الآخرين أن لديها رصيد شعبي واسع.

أيضا شوهد أنساب الرئيس يقودون بعض المظاهرات في ميدان التحرير كأمين العاصمة عبدالرحمن الأكوع ومحافظ صنعاء نعمان دويد بالإضافة إلى احتشاد عدد من مسئولي السلطة الذين يعضون على مناصبهم بالنواجذ لكن التجربة المصرية أثبتت عكس ذلك فقد سقطت الحكومة والحزب الحاكم وكل المؤسسات الديكورية بما فيها مجلس النواب والشورى حتى الدستور الذي فصل على مقاس الرئيس المصري وبقي الشعب والأحزاب الحقيقية، والحالة المصرية تكاد تنسحب على جميع البلدان العربية بما فيها تلك التي تعتمد أنظمة حكم ملكية.

في اليمن تخلقت خلال السنوات الماضية حالة من الاحتقان والرفض العام لأسلوب الحكم وبدأت تعبر عن نفسها من خلال الخروج إلى الشارع فتحولت الساحة المقابلة لمجلس رئاسة الوزراء إلى ساحة اعتصام مفتوح عبر فيها اليمنيون بمختلف توجهاتهم ومشاربهم، جماعات وأفرادا عن قضاياهم المتنوعة بين شخصية وعامة، والأهم من ذلك أن جميع تلك القضايا قوبلت ببرود من الحكومة حينها فهم المحتجون أن الحكومة مجرد ديكور وأنها لا تمتلك قرارها أصلا، فتطورت المطالب وتوجهت مباشرة نحو الرئيس وارتفعت الأصوات المطالبة بتنحيه وهي في طريقها للتحول إلى حالة رفض عامة تعم الشارع اليمني.

لقد أسهمت الحالتين المصرية والتونسية إلى القفز بالواقع اليمني عدة أميال ورفعت سقف المطالب سواء للأحزاب أو الأفراد وفي المقابل خففت سقف السلطة التي لا زالت تستخف باليمنيين حتى اليوم، ومنذ سقوط النظام المصري خرج الناس بعفوية في شوارع صنعاء معبرين عن فرحة غامرة بما حدث في مصر وفي الوقت ذاته يحلمون بانسحاب التجربة المصرية عل واقعهم، فطلاب جامعة صنعاء يخرجون يوميا في مسيرات تجوب الشوارع، بل إن أمانة العاصمة باتت تشهد عدة مسيرات في اليوم الواحد وهو ما أرعب المؤتمر الحاكم الذي دفع بالممولين منه إلى احتلال ميدان التحرير خوفا من سيطرة هذه الفعاليات عليه وبالتالي استنساخ التجربة المصرية ولما للميدان من رمزية ذهنية تتعلق بالتحرر من الذل والاستبداد.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل دفع المؤتمر ببعض الممولين منه إلى الاعتداء على الطلاب العزل بالضرب المبرح وتسبب ذلك في جرح بعضهم، إضافة إلى اعتقال العشرات، وهو ما يحيلنا إلى الأخطاء التي ارتكبها النظام المصري مع بدء ثورة 25 يناير والتي أفضت إلى إسقاط النظام برمته ولعل سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين قد عجل بزوال النظام المصري، فهل الحالة اليمنية ستكون مشابهة؟!

وفي هذا الصدد فإن ردة الفعل الرسمية تؤكد عدم جدية الرئيس صالح في وعوده التي قطعها على نفسه فبدلا من الشروع في تطبيق مضمون خطابه أمام مجلسي النواب والشورى لتطمين المعارضة والجماهير الغاضبة تنشغل السلطة بصنع بؤر جديدة للتوتر.

ولأن القائمين على فعاليات المؤتمر يعرفون أكثر من غيرهم الكيفية التي يجمعون بها الناس والتي أفضت الأسبوع الماضي إلى تبادل الشتائم والاقتتال بالصحون على خلفية المستحقات المالية التي وعدوا بها، بل ورفض بعض المجتمعين في ميدان التحرير مغادرته بعد ثلاثة أيام من توفر الغذاء والقات بصورة مجانية: فهل هذه المغالطات تسري على الرئيس فعلا؟ بحيث يوهم بأن المحتشدين في ميدان التحرير أو غيره خرجوا طواعية وبدون مقابل مثل طلاب جامعة صنعاء الذين مارسوا التفريغ عن احتقانهم بعيدا حتى عن الأحزاب التي ينتمون إليها.

إن هؤلاء الطلاب المتجردين من أي ارتباط خلا حب الوطن يشكلون النواة الصلبة لتلك الكتلة الشعبية التي ستخرج يوما ما غير آبهة بالحسابات المسبقة التي تحضر في أجندة الأحزاب السياسية التي ستلتحق بركبها متأخرة، وللأسف فالنظام اليمني يعيد تكرار التجربة التونسية والمصرية.