|
ليست أبين حالة استثنائية من بين محافظات اليمن من حيث مواردها البشرية ومقدراتها المادية، فلا ينقصها الأبطال من النساء والرجال ولا تنقصها الإمكانيات المادية ولا الممكنات الطبيعية، كما يزخر تاريخها بالكثير من الأحداث التي تشهد على أن أبين لا تقل قدرة على الخصب والولادة الدائمين للكثير من العطاءات والكفاءات القادرة على الإسهام في صنع التحولات التاريخية.
ويكفي أن نذكر هنا أن أبين هي مسقط رأس الكثير من الرجال والنساء الذين تركوا بصماتهم غير القابلة للمحو من ذاكرة الأجيال من خلال إسهامهم في التغيير التاريخي لليمن المعاصر، أمثال الرئيس الشهيد سالمين، والفقيد محمد علي هيثم والسلطان محمد بن عيدروس العفيفي، والرئيس علي ناصر محمد والشهداء حسين عبد الله محمد (ناجي)، وجاعم صالح وعلي سالم الأعور وثابت عبد حسين والمناضل علي صالح عباد (مقبل) والمناضلات نور عبد الله محمد وطلحة الأحمدي وثريا سالم مجمل وصالحة عبد الله سعيد والقائمة تطول وتطول.
لماذا وقعت أبين في ما وقعت فيه من مأساة حولت حياة أبنائها إلى جحيم حقيقي؟ ماذا يكمن وراء هذه المعاناة التي صارت أبين ضحيتها أرضا وإنسانا؟
ببساطة شديدة لقد سُلِّمت أبين إلى أيادي لا تصون الأمانة ولا ترعى للذمة عهدا ولا وفاء، بل إن الذين تسلموا أبين بعد 1994م انصرفوا منذ اليوم الأول لنهب خيراتها والاستيلاء على مقدراتها وتحويل ثرواتها ومواردها الكثيرة إلى شركاتهم الاستثمارية وأرصدتهم المالية في بنوك أوروبا والخليج وغيرها، . . لقد راهن أبناء أبين على أي بقايا ضمير لدى هؤلاء لكن هذا الرهان كان في غير محله، إذ لم يجنوا من هذا الرهان سوى الخيبات المتواصلة عندما اكتشفوا أن ناهبي أبين ما إن قضوا وطرهم معها حتى سلموها للجماعات المسلحة التي هي اليوم الوريث الوحيد لممثلي الرئيس المخلوع في أبين، وهذا هو الجزاء الذي نالته أبين جراء رهانها على ضمير من لا ضمير لهم.
ليست المسألة عصية على الفهم، ففي أبين كان يربض عدد من الألوية العسكرية فضلا عن عدة فيالق من الأمن العام والأمن المركزي، والحرس الجمهوري والنجدة والأمن السياسي وبعض الألوية المدرعة، كل هذه القوى كانت كفيلة باستعادة جزيرة حنيش اليمنية في دقائق عندما غزتها القوات الأريترية في ديسمبر من عام 1995م لكن هذه القوات لم تكن معدة لمهمة كهذه بل إنها معدة لمهمة أخرى هي مواجهة الشعب فيما لو فكر بالمطالبة بحقوقه أو محاولة استعادة ما نهبه الناهبون في أبين وفي سواها من محافظات اليمن التي استباحها الحكام وحولوها إلى عزبة أو مجموعة من العزب الخاصة بهم.
ما يزال أبناء أبين يتذكرون يوم الثالث والعشرين من يوليو 2009م عندما كان نشطاء الحراك السلمي ينظمون فعالية جماهيرية سلمية تطالب بإزالة آثار حرب 1994م الظالمة عن كاهل المواطنين، كان القوات المسلحة والأمن هناك بالمرصاد لفعالية جماهيرية لا تحمل إلا اليافطات والأعلام وسلاحها الوحيد هو حناجر المشاركين فيها المرددة لهتافات الحرية والعدالة والمواطنة، . . انقض الأشاوس على المواطنين العزل من السلاح وأسقطوا أكثر من 23 شهيدا وأكثر من 100 جريح ، هذه القوة لم تكن حاضرة عندما دخل المسلحون ليحتلوا مدينتي جعار وزنجبار. . . بل إن قياداتها وأفرادها سهلوا على المسلحين مهمة الاستيلاء على المدينتين تاركين وراءهم مخازن الأسلحة والذخائر التي غنمتها تلك الجماعات لتستخدمها في قتل رفاقهم الرافضين للانسحاب، ولاذوا بالفرار قبل وصول المسلحين بساعات عديدة بدلا من إعداد خطة للتصدي لمهمة الدفاع عن أبين، . . . ببساطة لأن هذا ما كان يخطط له بقايا نظام المخلوعين وكل هذا ليس إلا تجليا واضحا لسياسة حقيقية تطبخ خططها في مطبخ الرئاسة وتتجلى مخرجاتها في أبين وبقية المحافظات التي أريد لها أن تكون هدية النظام لحلفائه الدائمين (القاعدة وأخواتها)، الذين طالما ادعى زورا أنه يحاربهم.
تشريد أكثر من مائة ألف من النساء والأطفال من أبناء أبين من منازلهم وتعريضهم لمعاناة دائمة من نقص الخدمات إلى افتقاد أبسط لوازم الحياة من السكن والماء والغذاء والدواء والكهرباء وغيره، كل ذلك يمثل وصمة عار في جبين النظام الذي ما انفك يمن على أبناء الجنوب بأنه قد أنقذهم من المعاناة وأدخلهم إلى النعيم وهو لم يفعل إلا المتاجرة بمعاناتهم ليربح من وراء هذه المعاناة المتخمون من آكلي السحت ولصوص المال العام وناهبي الأراضي والمتفيدين من الإعانات والهبات الدولية، وستظل وصمة العار هذه قائمة حتى يقدم من ارتكب هذه الجريمة إلى القضاء لينال جزاءه وحتى يعود أبناء أبين إلى ديارهم التي نزحوا منها كرها وحتى يعوض المتضررون عما فقدوه من الأموال والأرواح والدماء من هذه اللعبة القذرة التي ارتكبها نظام المخلوع المحصن علي عبد الله صالح.
أبناء أبين لا يهمهم كثيرا اسم من يدير شئونهم أو لونه السياسي أو حتى انتمائه الجغرافي والقبلي بقدر ما يهمهم تثبيت الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات، وكما هو حال جميع محافظات الجنوب التي وقعت ضحية نتائج الحرب الظالمة في العام 1994م، فقد افتقدت أبين لكل هذا طوال السنوات ما بعد الحرب، وهو ما جعل أبين عرضة للكثير من الاختلالات الأمنية وفقدان الخدمات والتسيب الإداري والمالي وتفشي الفساد على أعلى مستوياته، ناهيك عن تكريس القيم الغريبة على أبناء أبين، . . قيم الأنانية والطمع والسلب والنهب، وقطع الطريق ونزاعات الثأر وغيرها من "خيرات" وحدة سبعة يوليو المقيتة.
ضحايا الخيانة التي شهدتها أبين جريمة مركبة تضاف إلى ملف جرائم النظام وأزلامه الذين لم يعد يهمهم لا أرواح المواطنين ولا كرامتهم ودماؤهم وأعراضهم ولا السيادة الوطنية ولا شرف المهنة العسكرية والأمنية وقدسيتها، بقدر ما يهمهم الحفاظ على ما نهبوه من خيرات الوطن وما كونوه من ثروات جراء مكوثهم على كراسي الحكم أكثر من ثلث قرن من الزمن استخدموها للنهب والسلب والاستحواذ على حساب شرف المسئولية ونبل الخدمة المجتمعية المفترضة.
برقيات:
* آخر المحافظين في أبين صالح الزوعري، كان يتباكى على قناة عدن ويقول: "نحن مشردون من ديارنا، نحن عزل من السلاح"، لم يقل لنا هذا يوم سقطت أبين بل كان يبحث عن منفذ أمنه له أنصار الشريعة لينجو بجلده أما أبين فلتذهب إلى الجحيم، . . هلا سأل هذا الكائن نفسه عن الواجب الذي أسند إليه عندما استلم محافظة أبين، أم إنه كان يبحث عن بقايا ما تركه الناهبون؟؟
*إلى الزميل والصديق وزير الإعلام الأستاذ على العمراني: لطالما حلمت بسياسة إعلامية تقوم على الحيادية والموضوعية، والمهنية، الموضوعية التي تقوم على تقديم أهمية الحدث لا أهمية الشخص الذي شارك في الحدث، والحيادية القائمة على الوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والأهم عدم تكريس وسائل الإعلام لحزب أو قوة سياسية مهما كانت، والمهنية التي تعني إتقان الوظيفة الإعلامية وجودة تقديمها للناس، واحتواؤها على ما هو مفيد وجديد للمتلقين، فهل يمكن الرهان على هذا لديكم يا سيادة الوزير؟
* قال الشاعر الأموي المعروف عمران بن حطان مخاطبا الحجاج بن يوسف الثقفي:
أسدٌ عليَّ وفي الــــحروبِ نعامةٌ *** فتخاءُ تنفرُ من صفيرِ الصافرِ
هلَّا برزتَ إلى غزالةِ في الوغى *** أم كانَ قلبُكَ في جناحي طائرِ
في الأحد 11 مارس - آذار 2012 04:25:46 م