الخوف عند اليمنيين.. وداعاً
بقلم/ فيصل علي
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 20 يوماً
السبت 26 فبراير-شباط 2011 11:02 ص

في بداية كل سنة زراعية تبدأ مخاوف اليمنين العاملين بالزراعة تتزايد خشية من عدم نزول المطر، ولذا يكثرون من ذكر الله بداية كل موسم عله "يشفق" على البهائم الرتع والاطفال الرضع موقنين ان اعمالهم بقية العام تغضب الله لذا فهم يتوسلون اليه ان ينظر للحمير والكباش. تجارب اليمنيين الذين لم ينعموا بالامن والامان والاستقرار لعقود طويلة تجعلهم يشعرون بالخوف الدائم، من الموت وعدم البقاء فخوفهم على اطفالهم من الموت جعلهم يسمونهم بابشع الاسماء "شوعي وشوعية". الخوف القادم من المعدة مسيطر على الاذهان تماما لذا حفروا المدافن ليكنزوا الذرة بينما غيرهم من الشعوب يكنزون الذهب والفضة. الفقر الملازم لهويتنا صنع فينا خوفا من القادم المجهول ايا كان, نجد ذلك في دعوات الامهات والجدات "الله لا غير عليك حال يا ولدي" وانت تكون باصعب حال ويستمر الدعاء على نفس الحال. الخوف الازلي معنا يرافقنا من حكايات طاهش الحوبان والزعر والحية والجن وام الصبيان والدجاجة "الذاغر" ناهيك عن خوفنا من انطفاء الفانوس "والنوارة" أوالسراج، مع ان حياتنا معظمها في الظلام. ولا يقف الخوف عند ذلك بل يتسع ليشمل مخاوفنا من العين والغين والطير و"الدبة" السوداء والارواح الشريرة.

 الحياة القبلية التي نعيشها مملؤة بالسلب والنهب و"الفيد" حولت الجميع خائفين من الجميع،والتربية زادتنا فوق خوفنا خوف، من منا لايذكر امه وهي تضع له الخطوط العريضة للحياة :مالك ومالهم "وكلبين في غرارة دعسهم حمار",ولا احنا منهم ولا هم مننا، وياساتر على ولدي, والله لاقال ولا قدر ولا رضي. الخوف من كل شئ حتى في اسعد المناسبات وهي الزواج العريس والعروس كل واحد خائف من الثاني،، واهلهم يوم العرس يرسلوا بحق الفقي الى بيته ليرصد حركة النجوم ويعطيهم اشارة البدء.. المشي جمب الحيط او تحت المسرُب او الميزاب ضرورة حياتيه حتى لا يحتك الناس ببعضهم ويناقشوا قضاياهم واذا تجمعوا في "ملقى" لا يتكلم غير الشيخ او المؤذن يدعوهم لخير العمل. القات ينعش الاحساس بالخوف ايضا ويكبر المخاوف حتى تاتي ساعة الله السليمانية ونعلن انها ساعة فهنه وسلى وخلونا من المشاكل وخلوها على الله يجعل لها طريق، ونهرب مرة واحدة من كل شيء. تسجل الوقائع هنا وهناك اننا نخاف من السرق مع انهم اجبن الناس ندخل المسجد وخايفين منهم "يغفروا الصنادل" ونربط جيوبنا خوفا منهم في محلات الصرافة وفي اسواق القات. وحتى في البيت نخبئ مفتاح الشنطة جيدا من الزوجة والاطفال. نسكت عن المظالم في حياتنا اليومية وفي عملنا خوفا على الوظيفة ابو بيستين لا يشلوها.. وهكذا الخوف معنا لا يفارقنا.

 وتتلخص مشكلتنا في "من يقنع الديك ان حمادي مش هو حبة قمح" وتعالوا ننظر في حقيقة الخوف ونلمحها في وجوهنا عند حلول الخطوب حيث لا يكون امامنا سوى "غطيني يا مسعدة " ،وقولوا "هو مابه احد"، واقدمي انت يا خالة انت بلا .. ويا اسفاه عندما يعلن "عبده ان مهرجة شله الصميل تضارب".

في حياتنا السياسية نخشى ان نعلن عن انتمائتنا صراحة امام الناس خوفا من تقلب الايام, الكثيرين لديهم اكثر من بطاقة حزبية, وحلفوا اكثر من يمين ومنتظرين ليفوز حزب الخضر ليعلنوا انهم معه "وحتى شوف يافندم البطاقة حقي من الثمانينات". ويمكن ان يكون تعدد الانتماء من باب تعدد الزوجات بس حتى تعدد الزوجات هو ام المشكلات لاننا ان فعلناه يجب ان يكون خفية والدنيا تشتي سياسة حتى لا تعلم الزوجة المغلوبة على امرها وتثور ثائرتها وتكسر "المافي" او الموفى او المصعطة او الطبون, تعددت الاسماء والمسمى واحد. لكن ما يعاب علينا هو اننا حتى بعد المشيب نظل مرهونين بمصالح ومخاوف من القادم, وفي الانتخابات الرئاسية الاخيرة في 2006 قالوا ما يشتوا واحد فقير يجي يلهط الخزينة, والتغير مش صح "وجني نعرفه خير من انسي ما نعرفوش"، سياسة الخوف والتخويف امتزجت في شعارات ارسلتها الابواق الخائفة والمختبئة خلف الكواليس , رددناها على انها حقائق ثابته واثبتنا ما قالته جدتي من زمان "الكباش يرتعوا والعلبة ملانها بعار والبقرة تحلب والحمار مشتد والبير مليان ماء لا تبطروش على النعمة" وتغيروا صالح !. وعلى ما يبدوا فان جدتي لها نظريتها السياسية ايضا فهي ضد التغيير وضد المظاهرات وضد الثورات فهي افضل حالا وانقى توجها من منظمة الهبر اولا المسماه زورا وبهتانا اليمن اولا, ترفع شعارات وكلام بلا معنى ويدعي نهابي المال العالم انهم وطنيين "طيط ونص" .

وعلى اية حال حتى الساسة فينا لهم مخاوفهم المفرطة ويرتجفون اكثر منا لتشعب مصالحهم وتعلقهم بحبال الدنيا التي لا يعرف منها الشعب الا القليل،، وقد بدأ الرئيس صالح خائفا ومرعوبا وهو يرى على شاشة التلفاز اعدام الراحل صدام حسين.. وقال كلمته المشهورة "لو حلق اخوك بلل راسك". ايضا بدا عليه الهلع وهو يتصل للمخلوع مبارك وهو يتلقى ركلات الترجيح على وجهه من 80 مليون نسمة خرجوا في وداعه ليكن ثاني العشرة المبشرين بجده.. ايضا من خوف صالح على ملك الملوك وعميد الكراسي المحنظة القذافي اجرى معه اتصالا يطمئن على سير المذابح التي اعدها القذافي لشعبه. كان الوجوم يخيم على الوجوه المكفهرة التي سمعت الصالح وهو يقول لائاته الثلاث في الاربعاء المشئوم امام مجلسي النواب والشورى لم يكن شجاعا بالقدر الكافي والا لاعلن اعتزال السياسة لحظتها وقال للشعب شلوها لكم. لكنه من شدة خوفه على مصالحه التي ستضيع قال الاثنين الفائت امام محطات التلفزه انه سيرشح نفسه لم يكن واعيا انه يعيد الاسطوانه المشروخة التي مل الناس منها، وهذا "كله عمل الخوف" وهو يرى افراد صفه السنوي في القمة العربية يتساقطون كخشب "السمسمرة" القديمة. نظر بعين الخوف ذلك الاربعاء على الشعب من مروحيته التي حلقت به على جماهير المشترك وهم يهتفون به ارحل "ورح لك" ,"ويرح له".

اعاد المؤتمر نشر تطمينات خائفة للشعب يقول فيها ان كلام الرئيس حور فهو لم يقصد انه لن يترشح في انتخابات2013 , واصدر صالح بيانه ايضا يقل مثل ذلك. انه خوف المؤتمر من مصير محتوم مثل مصير الوطني في مصر وحزب بن علي في تونس. خوف الساسة انتقل للراعي الذي لا تشرفه ثورة مصر فاعلن انه لم يقل ذلك في بيان كاذب مرجعه الخوف، البركاني الذي سقطت عليه الكلمة التي قصمت ظهر المؤتمر وهي قلع العداد اصبح ساكتا على غير العادة لان صالح هدده انه سيقلع له العداد نهائيا ان لم يحسب كلامه في المرات القادمة, انه الخوف وحده من يلجمهم جميعا في هذا "الحزب المعجزة" الذي يحقق الرفاهية للشعب عن طريق الكهرباء النووية والسكك الحديدية والمحطات الفضائية. وهاهي قرارات الحزب والرئيس تبدوا اكثر خوفا مما مضى فقرار يقضي باقالة طميم ليتم التراجع عنه اليوم التالي, وقرارت بتغيير 12 من مدراء العموم في تعز والتلميح بتغيير المحافظ كلها قرارت الساسة المرعوبين من هدير الشباب. حتى الاستقالات الفردية والجماعية من اعضاء المؤتمر الشعبي وان كانت تصب في خانه الاستنكار الا انها خوفا من تحمل العواقب الوخيمة التي سيتحملها المؤتمر كحزب منبوذ شعبيا لانه اساس الفساد والافساد.

العقلاء الجبناء الذين يدعون للتعقل ونحن شعب مسلح وقبلي و لدينا مشاكل في الشمال والجنوب والوسط اين كانوا من زمان وكل هذه المشكلات تكبر امامهم.. كانوا يحافظون على لقمة "الزقوم" الذليلة المنقوعة بالخزي والعار . اليوم يدعون للعقل لكن مع قتل الابرياء في صعده سكتوا ومع قتل النساء والاطفال في الجنوب شجعوا الباغي على بغية وقالوا يستاهلوا انفصاليين. اين كانت حكمتهم من الفساد الذي تغول على كل ارجاء الوطن بالفعل هم مشاركين فيه واليوم يقولون: عقل وحكمة ودين وعادات وتقاليد, خوفا على "مزاقمهم" الاكالة للسحت. فليخسئوا وليصمتوا مللنا من كذبهم وتضليليهم.

اما ثالثة الاثافي فهي اللقاء المشترك زعيم الخوف والجبن والهلع فبعد "التعبئة الخاطئة" للشارع اليمني التي مارسوها من سنوات اتت الفرصة للتغير لكنهم ينتظرون المعجزة دعوا جماهير زحل والمشتري والمريخ ليلتحموا بالشباب وتركوهم هناك لقمة سائغة للكلاب الضالة من بلاطجة حافظ والزوكا الممولين من خزينة الشعب. قيادتهم الحريصة على الا تقول شيئا هذه الايام خوفا من موقف غير محسوب, فالانسي المعروف بانه سياسي من الدرجة الاولى ولا ينطق من زمان واذا نطق يقول كلاما مموها لا يعني شيئا فالخوف يعمي بصره وبصيرته ومثله قائده اليدومي الذي سكت عن الكلام المباح وينتظر الصباح فهو يشك بل ويشكك ان ما يجري في الشارع اليمني ثورة ويعتمد على ذكائه " خلونا نفجعه". ومثلهم ياسين نعمان الذي لم يعد مرغوبا به في الجنوب وليس له صوت في الشمال يبدو اكثر كياسة وحصافة ويمشي بخطوات موزنة بعد الانسي "والقمندان" اما شيخ القرية سلطان العتواني القادم من قدس مهبط الكهنة حد قول الرئيس صالح فقد عاجلوه قبل الاحداث الاخيرة بثلاثين رصاصة رموها باليد الى وجهه بدون قراح، فخاف وسكت واقتنع انها مشكلة شجرة في ميراث "خالة عمة جدته" هي السبب في هذه الحادثة التي ستكون محل نظر. وحتى ابن تعز سلطان السامعي الحامي طول عمره بدأ جبانا وخائفا عندما صوت على التعديلات الدستورية وكان ساعتها حاملا شارة لا للتعديلات لكنه بصراحة احرجة "البزي" البركاني فغرد خارج السرب,هو اليوم يجلس في ساحة التغيير في تعز بين الشباب لا يبرح المكان عله يجد فرصة ليخطب فيهم لكنهم سئموا من زمرة الخائفين. فالمشترك اليوم يعصب على عينيه من شدة الخوف "واليك يا مسعدة فصلي لهم طربال نفس يغطيهم كلهم".

ما الحل اذن امام هذه الكارثة التي اجتاحت اليمن وهي الخوف والجبن والخور ؟ لن نبعد كثيرا, ولن نوغل في صفحات التارخ, فقط نسمع ابو الاحرار الشيهد محمد محمود الزبيري ماذا يقول؟ وماذا يريد من الشباب ان يفعلوا ؟ انه وقبل كل شيء يواجه المخاوف كلها دفعة واحدة ويعطينا جرعة للقضاء على كل مخاوفنا كطبيب تمرس على العلاج النفسي فبعد ان شخص الداء وعرف الدواء اعلن كفره البواح بكل من يقف ضد الشعب فقال:

كفرت بعهد الطغاة البغاة وما زخرفوه وما زينوه

وأكبرت نفسي عن أن أكون عبدا لطاغية توجوه

وآمنت بالشعب حتى وقد رآه الورى جثة هامدة

تداعى حواليه أعداوءه ليقتسموه على المائدة

وهنا وضع الحق نصب عينيه واعيينا من بعده علينا ان نكفر بالطغيان والرجعية والتخلف بالذين حولونا الى "مرزعة كباش" ودولة فاشلة ويتبجحون كل يوم بالامن والاستقرار والوحدة وهم بعيدين عن كل ذلك, ويوجهنا ابو الاحرار الى ان نؤمن بالشعب وقدراته وحقوقه وامنياته مهما كانت وحتى ان كان الشعب يعاني من الموت السريري. علينا اليوم ان نحذوا حذوة وان نواجه المشكلة لا ان نرحلها الى 2013 ولا الى غيره من المواعيد الكاذبة اليوم وليس غدا. وهذا علاج كامل وشامل ومجرب وقد وصفه الاجداد بقولهم "قارب الخوف تأمن" فمواجهة الخوف هي الطريق الحقيقي وليست الانتخابات الكذابة التي يزورونها قبل ان ندلي باصواتنا فيها. الطريق هو الثورة ضد الخوف والجوع والفقر والمرض, لنتخلص من مخاوفنا حكاما ومحكومين فالحاكم عليه ان يحمل حقائبه ويرحل ان كان في قلبه مثقال ذرة من حب الوطن الذي "بناه طوبة طوبة وقرر ان يهدمه طوبة طوبة"، ليكن قراره جرئيا ويحمل خزائنه الميلئة ويغادر الى جده فهو احد العشرة المبشرين بها، وعلى قيادات المؤتمر ان تحل نفسها بنفسها وعلى قيادة الجيش ان توحد صفوفها استعدادا كاملا لتحية الشعب فهو الحاكم الفعلي لليمن.

وحدهم شبابنا الذين لا يعرفون الخوف من يقفون الان في الميدان رافعين هامتهم نحو العلا ينظرون للمستقبل قاب قوسين او ادنى, يسطرون ملحمة العلم مع الجهل يرفضون الفشل ويمقتون ان يقال عنهم رعايا الدولة الفاشلة، فهم ناجحون في حياتهم وفي ثورتهم المباركة التي ينظر اليها بعض من يدعون انهم من الصحفيين او الكتاب الماجورين انها زوبعة في فنجان ويقولون عنهم انهم ماجورين للشيخ كذبا من عند انفسهم خسئت وجوههم الكاذبة وخسئت اقلاما لم يستطيعوان ان يكتبوا بها كلمة حق، وندعوهم اليوم ان يعلنوا مساندتهم لشباب الحرية والتغيير والعزة والكرامة. ليتركوا تلك المباخر العفنة ويغسلوا ايدهم ومحابرهم بالديتول ان ارادوا ان يكونوا مع الحرية والا فان قوائم العار جاهزة لتسطر فيها اسمائهم.

الشباب ومعهم ثلة من صحفيي وكتاب ومثقفين اثمر فيهم حب الوطن يقفون بالمرصاد باقلامهم وعدساتهم ليفضحوا لنا اعمال البلطجة التي تمارس ضد ثوارنا الابرار الذين تتجلى لهم نسائم الرحمن تشد ازرهم وترفعهم الى درجات الشهداء والابرار . ان الدماء التي سفكها البلاطجة الماجورين لن تذهب هدارا ولن تسقط بالتقادم، ودماء الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة للعالم لن تضيع..

"للخائفين جميعا الله لا احرمكم الوطاف ولا خرج الكراث"