حقيقة فتوى الديلمي وإثارة الفتنة
بقلم/ أستاذ دكتور/عبدالوهاب بن لطف الديلمي
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً
الخميس 13 ديسمبر-كانون الأول 2007 11:53 م

مأرب برس - خاص

هناك نفوسٌ طُبعت على حبِّ إثارة الفتنة والوقيعة, ويُقلقها استقرار الأمة, وانتشار المحبة والأمن وروح الأُخوة, فلا يهدأ لها بال إلا إذا رأت النار تشعل هنا وهناك, فهي مليئة بالحقد والكراهية والبغضاء على الشعوب, ولعلها عانت أو تعاني من أزمات حادّة مرت بها, لذلك فهي تحمل روح الانتقام على كل شيء حسن وجميل.

ومن هؤلاء الذين يتخذون الكذب وإلصاق التهم والافتراءات والأباطيل بالأبرياء, ويوغلون في الكذب, بل ويكررونه حتى يطبعوا كذبهم في أذهان الناس, بكثرة الطَّرق والإمعان في محاولة جعل الأوهام حقائق, خاصةً إذا لزم الطرفُ الآخرُ البريء والمستهدف الصمت ولم يجار هؤلاء المفترين فيتصدَّى لهم بالرد كلما نعقوا, وما أصدق قول الله عز وجل: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [النساء: ١١٢]. في أمثال هؤلاء.

وهؤلاء لم يعد عندهم شعور ولا حِسّ بخطورة الكذب, وآثاره على صاحبه في الدنيا والآخرة, وما يورثه الكذب من فتن على مستوى الأفراد والجماعات والمجتمعات, ولو كان عندهم من الإيمان ما يردعهم ويزجرهم عن اقتراف هذا الإثم العظيم ما أقدموا عليه دون مبالاة ولا اكتراث, وهناك من الأحاديث النبوية الشائعة على ألسنة الناس, والتي صحّت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , والمحذرة من الكذب, ما تحمل من عنده ذرّة من إيمان على عدم اقتحام مثل هذا الإثم العظيم, من هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « أربعٌ مَن كنَّ فيه كان منافقا خالصاً .._ وذكر من بينها_ وإذا حدَّث كذب » أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

و قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «.. وإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار, وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً» أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .ومن أعظم الأحاديث الزاجرة عن الكذب, ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « يُطبع المؤمن على الخِلال كلها, إلَّا الخيانة والكذب ».

وهذا كله ينطبق على الذين يفترون الكذب عليَّ بأني أفتيت باستحلال دماء وأموال أبناء المحافظات الجنوبية, في حرب 1994م وهم في كل تقوّلاتهم لم يستندوا إلى أي دليل يثبتون به دعواهم, سوى الشائعات المغرضة التي تناقلتها الألسن, والأقلام الأفَّاكة, وهم إلى هذه الساعة لا يملكون أي دليل على ذلك.

وقد كان بعض العقلاء الذين يسمعون هذه الإدِّعاءات يأتون إليَّ فيسألونني عن مدى صحَّة ذلك, فأجيب عليهم بالنفي, وأقول لهم ولغيرهم, إنَّ الله تعالى أرشد المسلمين عند سماعهم مثل هذه الأقاويل, بالتثبت, وعدم التسرع في التصديق قبل معرفة الحقيقة, يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: ٦].

والقاعدة تقول: الأصل في المتهم البراءة حتى تثبت إدانته, وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: إذا جاءك أحد الخصمين وقد قلعت عينه فلا تصدقه, فلعل خصمه قد قلعت عيناه.

غير أن مشكلة كثير من الناس لا يتورعون في تصديق الإشاعات, ولا يعرفون أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله... » أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .

وبالرغم من أنه قد سبق تكذيب هذه الإشاعات المغرضة, عبر عدد من وسائل الإعلام, إلَّا أن الإصرار على إدانة البريء ما يزال يحمل أصحابه على السير في نفس الخط, وهذا دليل على ما أولعت به هذه النفوس من الزور والبهتان.

وكان هؤلاء المرجفون قد صمتوا فترة عن ترديد هذا الاختلاق غير أنهم اليوم عادوا من جديد عندما رأوا الظروف مواتيه لإشعال فتيل الفتنة, لتعبئة النفوس, وإقناع أبناء المحافظات الجنوبية أن هذه الفتوى المزعومة إحدى ظواهر الظلم الذي يمارسه أبناء المحافظات الشمالية, وهذا كله من الكيد الذي يراد به توسعة دائرة الخصومات, وتعبئة القلوب بالبغضاء والشحناء, دون إدراك للعواقب الوخيمة, التي تورثها مثل هذه التوجّهات.

والأصل في المسلم أن يسعى لجمع الشمل, ورأب الصدع, وغرس المحبة في النفوس, مع القيام بالنصح بالطرق المشروعة, والوقوف إلى جانب المظلوم وردع الظالم, حتى تستقيم الحياة, مع مراعاة العدل والإنصاف في التعامل مع الجميع, الأمر الذي لا يحلو لدعاة الفتنة.

وفي الأخير فإني أنصح كلَّ مسلم أن يتقي الله عز وجل, وأن يحسب ألف حساب وحساب لكل كلمة يقولها, أو يخطها قلمه, وأن يدرك المخاطر المترتبة على اقتحام هذا الأمر دون برهان ولا حجة ولا دليل, وأنه سيقف بين يدي ربه سبحانه وتعالى, يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.

والله ولي التوفيق وهو حســبنا ونعم الوكيـــــل.