الولايات المتحدة الأمريكية تقدم عرضا لإسرائيل مقابل الامتناع عن مهاجمة أهداف معينة في إيران بعد بشرى الانتصار الأخيرة والمفاجئة في الجيش... عودة آلاف السودانيين من مصر إلى بلادهم 7 لاعبين لديهم أعلى قيمة سوقية حين قرار الاعتزال هجوم إسرائيلي واسع وغير مسبوق على غزة والمقاومة تكثف عملياتها نيويورك تايمز تكشف كيف جمعت إسرائيل كنز معلومات من لقاءات سرية لحزب الله أردوغان يتحدث عن مخطط خبيث حيز التنفيذ لرسم حدود المنطقة بالدماء.. ماذا قال عن اليمن؟ المليشيات تنفذ عملية دفن جماعي لـ نحو 60 جثة في معقلها الرئيسي بـ صعدة تنشر لأول مرة.. الكشف عن أسماء وتفاصيل أبرز قضاة التنكيل والاعدامات الحوثية افتتاح مجمع بلقيس أكبر مجمع تعليمي نموذجي بتكلفة مليار ريال وبتمويل من مؤسسة توكل كرمان أول دولة عربية تصدر رخصة لمزاولة أنشطة القمار
في أحد خطاباته الكثيرة أبدى علي صالح استبعاده أن يصل قطار الربيع العربي لبلاده لأن النظام اليمني على حد زعمه ليس نظاماً بوليسياً مثل غيره يكمم الأفواه ويكبت على أنفاس الناس، ربما أن الرجل حينها لم يدرك أيضاً أن نظامه في الجانب الآخر لم يكن نظام دولة بل هو أقرب الى نظام بدائي يعتمد على زعماء القبائل والمتنفذين لتثبيت كيانه في السلطة، وفي سبيل ذلك يستنزف أموال الشعب لكسب ولاء هؤلاء الزعماء. لقد كانت مشكلة الشعب اليمني مع نظامه مختلفة فهي مشكلة غياب الدولة والنظام ولذلك خرج الشعب ليطالب ببناء نظام حقيقي يحفظ أمنه وليس مجرد أمن الزعيم، يريد دولة تحفظ له حقوقه من اعتداء المتنفذين و تقتص له حين يعتدى عليه. حين أتى صالح للسلطة في عام 78 لم يكن لديه أي مشروع لبناء نظام دولة حقيقي وكان مشروعه الأوحد هو البقاء في كرسي الحكم ،.وخلال ثلاثة وثلاثين سنة من حكمه تراجع مفهوم الدولة لدى المواطن اليمني عما كان عليه أيام السبعينات في فترة الرئيس الحمدي في الشمال وعما كان عليه أيام حكم الحزب الاشتراكي في الجنوب. وبتراجع مفهوم الدولة عاد المواطن اليمني بشكل أكبر ليحتمي بالقبيلة ومفاهيمها لحمايته والدفاع عنه، عاد إلى أعراف القبيلة ليحل مشاكله حين غابت سلطة القانون وعدالة المحاكم الرسمية، وأصبح حمل السلاح يمثل عامل توازن في المجتمع لحفظ الأمن في ظل غياب دور الأجهزة الأمنية في ضبط الأمن وتوفير السلم الاجتماعي. واتجه كثير من الناس نحو التعليم الخاص والخدمات الصحية الخاصة في ظل عجز ورداءة الخدمات الحكومية رغم السلبيات في هذين القطاعين بسبب غياب الدور الرقابي للدولة. وفي هذا السياق أيضاً، تراجعت الاستثمارات الأجنبية ولم تنجح المحاولات في جلب أي استثمارات جديدة نتيجة للفساد ومحاولات الاستحواذ من قبل الفاسدين الكبار علي مثل هذه الاستثمارات وكذلك بسبب عدم استقرار الوضع الأمني.
مؤخراً، نجحت الثورة اليمنية في إبعاد صالح عن كرسي الحكم، وبقيت المهمة الأصعب وهي بناء النظام الجديد و ترسيخ مفهوم الدولة وسلطاتها في نفوس الناس، وذلك يستدعي استغلال الفرصة الحالية و شعور الناس بحدوث تغيير سياسي في البلاد، بغض النظر عن حجمه الحالي، لكن ذلك حتماً يولد لدى المواطن استعداداً نفسياً كبيراً لتقبل التغيير لا سيما و هو يطالب بدولة حقيقية تحفظ له أمنه ومصالحه في الداخل وتعيد له كرامته في الخارج.
إعادة ثقة المواطن بالدولة ودورها يتطلب من الحكومة الحالية احداث تغيير حقيقي في مفاصل الدولة واختيار كفاءات نزيهة تسعى للقيام بالدور الأمثل للدولة تجاه مواطنيها من حيث تقديم الخدمات لهم ورعاية مصالحهم. كما أن ذلك يتطلب من جميع المسؤولين في كل المستويات أن يمثلوا القدوة الحسنة في تطبيق النظام والقانون والالتزام باللوائح. وبشكل موازي لذلك لا بد من تسخير الإعلام لإحداث تغيير ثقافي في ذهنية المواطن حول مفاهيم الحقوق والواجبات والعلاقة بين الدولة والمواطن، وإعادة تشكيل مفاهيم القبيلة وعلاقتها بالدولة بما يضمن تطبيق سيادة القانون والنظام علي الجميع. في الجانب الامني والقضائي تحتاج الحكومة لعدد من المبادرات الجريئة في سبيل تحقيق الأمن وردع المجرمين ومحاسبة الفاسدين الذين يعبثون بمصالح الوطن مهما كانت مواقعهم حتى تعود ثقة المواطن بأجهزة الدولة وقدرتها علي إحقاق الحق وتطبيق القانون.
خلال العقود الماضية، ضاعت علي اليمنيين فرص تاريخية متعددة لبناء نظام دولة حديثة ولعل أبرزها كان بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، حينها كان اليمنيون يتطلعون لبناء دولة موحدة وقوية تجمع محاسن النظامين في الشطرين وتتجاوز السلبيات إلا أن غياب مثل هذه الرؤية لدى النظام السابق أضاع هذا الحلم. فهل تمتلك القيادات الحالية اليوم مثل هذا المشروع لبناء النظام الجديد أم أننا سننتظر عقود أخرى حتى تحين فرصة جديدة !.