الانتخابات الفلسطينية والتغيير الكبير المقبل
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 3 سنوات و 9 أشهر و 18 يوماً
الأربعاء 20 يناير-كانون الثاني 2021 07:35 م
  

أخيرا… وبعد سنوات طويلة من الانقسام اتفق الفلسطينيون على جدول محدد لانتخابات عامة متعددة هذا العام تبدأ بالمجلس التشريعي (برلمان السلطة الوطنية) في مايو/ أيار، ثم رئاسة هذه السلطة في يوليو/ تموز، وأخيرا المجلس الوطني (البرلمان الفلسطيني في المنفى، أعلى هيئة في منظمة التحرير الفلسطينية) في أغسطس/ آب.

استقبل إصدار مراسيم هذه الانتخابات من قبل الرئيس محمود عباس بتفاؤل واضح من الفلسطينيين لكنه تفاؤل لم يتخلص بالكامل من بعض الهواجس والشكوك بسبب مرارة تجارب سابقة خيبت ظنهم أكثر من مرة.

أهمية هذه الانتخابات لا تعود فقط إلى أنها الأولى منذ انتخابات 2005 الرئاسية و2006 للمجلس التشريعي ولكنها بالأساس إلى الآمال المعلقة عليها لوضع حد نهائي وقاطع لحالة الانقسام التي جعلت عاديا الحديث عن «سلطة رام الله» و«سلطة غزة» في وقت لم تتحرر بعد، لا هذه ولا تلك، سواء من نير الاحتلال والاستيطان وتقطيع أوصال الأرض في الضفة أو الحصار الخانق في غزة.

إنهاء الانقسام في حد ذاته مكسب لا يقدر بثمن ليس فقط للفلسطينيين وإنما أيضا للعرب والعالم الذي سئم، بعضه على الأقل، من التعامل مع طرفين متناحرين لم يتردد كثيرون في استغلال ما بينهما لتغذية هذه النوازع أو تلك عند هذا الطرف أو ذاك. أما الاحتلال الإسرائيلي فقد ركن طوال الأعوام الماضية إلى التحجج بهذا الانقسام لتسخيف أهلية الفلسطينيين في الحصول على دولتهم المستقلة في الضفة والقطاع بالتوازي مع العمل لمزيد تعميقه بل وتعفينه.

ومع أهمية انهاء الانقسام فإن ما هو أكثر أهمية في هذه المرحلة هو إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وتجديد شرعيته لوضع حد لحالة الترهل التي أصابته والتي تسببت، مع عوامل أخرى بلا شك، في تراجع القضية في سلم أولويات العالم والعرب الذي تحوّل بعضهم ببساطة إلى «المعسكر المعادي» في أسوأ الظروف التي كان فيها الفلسطينيون يحتاجون فيها ولو إلى تضامن لفظي وعاطفي ليس أكثر.

وإذا كان تجديد الشرعية سيتضح بلا شك بمجرد ظهور نتائج الانتخابات الثلاثة فإن إعادة بناء النظام السياسي مهمة ليست يسيرة، ولا واضحة بصراحة، لأنها ستتطلب مراجعة جذرية وواسعة، وربما مؤلمة، لكل ما تعوّد عليه الفلسطينيون طوال عقود من «نظام الفصائل» الذي جمع لسنوات طويلة كلا من «فتح» و«الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية» وغيرهما من الفصائل اليسارية والقومية ليستقر في الأعوام الماضية في ثنائية «فتح» التي لا إيديولوجية محددة لها و«حماس» الإسلامية.

 

   إنهاء الانقسام في حد ذاته مكسب لا يقدر بثمن ليس فقط للفلسطينيين وإنما أيضا للعرب والعالم الذي سئم، من التعامل مع طرفين متناحرين لم يتردد كثيرون في استغلال ما بينهما لتغذية هذه النوازع

 

وفي وقت اندثرت فيه تقريبا الفصائل اليسارية والقومية الفلسطينية ولم يبق منها إلا الاسم والحنين إلى الماضي، فإن «فتح» و«حماس» لم يبقيا أيضا بالفصيلين اللذين عرفناهما فكلاهما أفسدته السلطة: «فتح» لم تفلح في المواءمة بين الاستمرار كحركة تحرر وطني في نفس الوقت الذي تتحمل فيه أعباء تسيير دواليب دولة ليست بدولة، دولة يمزقها الاحتلال في كل ركن وينغص حياتها اليومية، فلا هي بقادرة على الوفاء بما يطلبه شعبها منها ولا هي مهيأة للدخول في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال لأن ذلك يربك كل شيء وخاصة لقمة عيش الجميع وضمان استمرار عمل المؤسسات والتزاماتها المختلفة. أما «حماس» فقد دخلت منذ 2007 في متاهة حقيقية، فمن ناحية استمرأ جماعتها أن يكون لهم أيضا سلطتهم في غزة، مع كل ما تعنيه أي سلطة من مصالح وحرص على توازنات ليست كلها بريئة، لكنها لا تريد في المقابل أن تفقد صفة حركة مقاومة فكان أن أضاعت الكثير هنا وهناك، وأحيانا بتكلفة مرتفعة بفعل الحصار الظالم المسلط على القطاع ودخوله في مواجهات غير متكافئة مع جيش الإسرائيلي تعود بعدها الحركة إلى نفس التفاهمات السابقة مع الاحتلال، وجوهرها باختصار هو أن يدع كل واحد الآخر في سبيله، بعد أن يكون سقط مئات الشهداء والجرحى، وهكذا بنوع من العبث الدامي.

«فتح» و«حماس» مدعوتان لمراجعات شجاعة مستفيدتان من تجارب الأعوام الماضية، خاصة إذا علمنا أن هذه التجارب جعلت شعبية «فتح» متدنية في الضفة، فيما تعاني شعبية «حماس» نفس الشيء في غزة وفي ذلك عبرة لكليهما. إنه المأزق نفسه لكليهما بوجهين مختلفين وربما هذا ما غذى بعض الأخبار التي تتحدث عن اعتزام الفصيلين الدخول للانتخابات المقبلة بقوائم مشتركة، فكلاهما بحاجة للثاني وليس من مصلحته الدخول معه في مواجهة تعرّي كليهما.

المعطى الأهم من كل ما سبق هو أن الشارع الفلسطينيي في غالبيته لم يعد متحمسا، لا لهؤلاء ولا لأولئك، فالشباب بالدرجة الأولى الذي لم يتوجه معظمه في حياته يوما إلى صناديق الاقتراع لم يعد معنيا، على ما يبدو، بالمنطق الفصائلي في النظر إلى كل الأمور. لقد انفتح على العالم وكل تقنياته الاتصالية المعاصرة، وقد تكون لديه الآن تصورات مختلفة لمستقبله لا يحكمها أي منطق قديم آن أوان تجديده بالكامل. المهم أن يتوجه الكل إلى صناديق الاقتراع للتعبير عن ذلك، وبقوة.