|
كثيراً ما كتبناً عن تلك المناسبات لعل وعسى نستفيد ونتعظ من العبر والدروس ونستخلص منها مايفيد الحاضر والمستقبل ولكن كما يبدو أن هناك من يشتهى إلى المزيد من الاحتقان والتوتر واستمرار الاحتكار والفساد والتخلف...وكم نتمنى لهم أن يهتدوا إلى طريق الصواب ويبعدون عن طريق الضلالة ويبدأ ون بإعادة تقييم ما فات تقييماً صادقاً....تقييماً علمياً ومحايداً...ربما أننا نحلم كوننا نفتقد إلى المصداقية والبحث العلمي وأيضاً الحيادية.
تاريخ الأمم دائماً ما يتطلب إلى المراجعة والتقييم بين الحين والآخر والهدف هو استنباط التجارب والاستفادة منها...فقط تاريخنا اليمني الذي ما نحاول تجاوز أحداثه في محاولة متعمده منا لتجهيل الناس و عدم تعليمهم بتاريخهم. وعلى فكرة أي تاريخ لا يقيم ولا يراجع يعنى أن هناك مفاهيماً غلط وأحداثاً تاريخية أكثر غلط....بل وهناك صناع لها يريدون في المقام الأول أن يكتبوا التاريخ بطريقتهم الخاصة....يصنعون النصر والهزيمة... كيفما يشاءون....؟ رغم أن الهزيمة والنصر مجرد مفاهيم قابلة للتغيير...من الهزيمة إلى النصر أو من النصر إلى الهزيمة ...أذن من أنتصر ومن أنهزم في وحدة اليمن وحرب1994؟
أعذروني لو أجبت بما يغاير مفاهيمكم....فربما أكون لا أجيد قراءة التاريخ وربما أني أعيش في عالم غير عالمكم....أعذروني وسامحوني مسبقاً ولكم الاجر من الله سبحانه وتعالى...
للإجابة عن من أنتصر في الوحدة فالإجابة تقول أنهما علي سالم البيض وعلي عبد الله صالح (والنظامين السياسيين اللذين كان يقودانهما)....والذي انهزم هو الشعب بكل مكوناته.... أين تكمن الهزيمة وأين يكمن النصر.... النصر يكمن في أن العليين ونظاميهما اجتهدا كثيراً للخروج من الأزمة الحادة التي كانت عالقة بنظاميهما قبل الوحده.... ولم يكن أمامهما من مفر غير الوحدة.....وحدة غريبة تمت بصورة سريعة بين نظامين متعارضين ومتباينان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، يعنى المنتصر في الوحدة هما النظامان والعليان.
وأما مكمن الهزيمة في الوحدة فتكمن في الشعب....كيف؟ والشعب كان يتوقع أن تحقق له الوحدة بعض من متطلباته التي حرم منها فهي:
-الحرية وتحسين مستوى دخله
-الأمن الغذائي والسياسي والثقافي.
-التخلص من سطوة الاحتكار السياسي والاقتصادي.
-تحسين المستوى العلمي والتقني للبلد.
فعلا تحققت نهضة ولكنها نهضة عمرانية فقط نهضة قائمة على خدمات غير أساسية وخاوية وضعيفة وربما شبه معدومة وهي فعلاً معدومه ، وما ينفع العمران على الأرض بينما عمران العقول والنفوس معدوماً أو ضعيفاً أو مهزوزاً؟
مستوى الدخل انخفض...الأمن تراجع...الاحتكار الاقتصادي أكثر شراهة وعلى كل القطاعات الاقتصادية...الاحتكار السياسي مستمر وقد يستمر لأكثر من عقد من الزمن القادم....المتغير الموجود هو هزيمة وخروج أحد أطراف صناع الوحدة الأساسيين نتيجة لحرب مؤلمة ومدمرة ولم تكن ضرورية على الإطلاق لو كان الجميع أحتكم إلى الشعب الذي لا يلجئ إليه إلا وقت الشدائد...فالوحدة قامت دون استشارتة وكذلك الحرب وكذلك القوانين والسياسات وغيرها.
هنا فقط ؟ يمكن القول أن إدارة الاحتكار والتخلف هي التي انتصرت ومبروك لهم على انتصارهم على الأمة وأحلامها؟!! وأما مكامن النصر والهزيمة في حرب 1994م....في الحقيقة يمكن اعتبار أن الخاسر الوحيد هو الشعب وبالذات شعب الجنوب....ويمكن القول أن السلطة الحالية لم تنتصر بمفهومها السائد حالياً ...لم تنتصر للشعب ولكنها انتصرت لذاتها....انتصرت لقوى سياسية وتقليدية معينة...فالانتصار بمفهومه العلمي أنك تحقق مكاسب اقتصادية وعلمية وثقافية وسياسية يستنفع منها غالبية أبناء الأمة لا فئة معينه...وللأسف أن السلطة احتكرت انتصارها ولم تتمكن من تجرع كأسه نتيجة تلوثه بالدم البشري....أذن الهزيمة كانت شاملة للجميع ولكن درجة توزيع الهزيمة تتباين من جهة لجهة...نعم هزم الحزب الاشتراكي اليمنى مع كل قوته وتاريخه وكانت هزيمة طبيعية ومتوقعة نتيجة للضربات التي تلاحقت على كيانه منذُ1969م مروراً بـ1978م وصولاً إلى13 يناير 1986م....وبهزيمة الحزب هزم الجنوب نتيجة العلاقة التي كانت قائمة بين الحزب والجنوب والجميع يعرفها...وهزمت الوحدة لأنها عمدت بالدم والقوة وما يبنى على الدم يقود إلى المزيد من التوترات والاحتقانات النفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ،وبعد كل هذه السنوات لازلنا مصممين على المكابرة...الجميع يكابر من خلال رفض الاعتراف بالحقيقة....لازلت أجهل كيف هبط الوحي على العليين في نفق جولد مور ولماذا بالذات في النفق ولم يكن على الشاطئ أو الصحراء أو على قمة جبل....ولنذهب معاً لرؤية ما الت اليه وحدة النفق أو الأنفاق...علي وعلي هما من يقرران مصير آمة ووطن...علي وعلي هما من يتربعان على عرش الوحدة وكأنها ملكية خاصة بهما وهنا أيضاً الغلط ولب الازمه والحرب... وهنا مكمن الهزيمة...فهما أجتهدا لإقصاء القوى الأخرى والشعب...."أقول: سامحوني لو أخطأت فأنا بشر مكون من الخطأ والصواب"
يومها كتبنا نحن نريد وحدة تقودنا للتغيير....تغيير في حياتنا ومفاهيمنا وتغيير في عملية البناء السياسي والاقتصادي وليس تغييراً في قماش العلم والشعار والبدلات....التغيير ينبغي أن يكون متوافقاً مع رغبات وتطلعات كل فئات وقوى الشعب....حينها أتهمنا بالتخلف بينما غيرنا أتهم بالارتداد عن الوحدة.... وبصدق لاتهمني أي نوع من أنواع الاتهامات مادمت مقتنعاً بوجهه نظري...وقلنا يومها أيضاً أن أبرز تغيير ينبغي أن يكون التغير مستند على أسس علمية أي أن يكون التعليم هو البداية...لأنه لا يعقل أن يكون هناك خريج جامعة يمنية لا يجيد كتابة صياغة جملة مفيدة أن لم يكن موضوعاً او صياغة رساله عاديه ، ولا يعقل أن يظل أبناءنا يشحتون العلم من غيرهم بعد 45 سنة من الثورة على التخلف والظلم الذي مللنا سماعه.
وللأمانة أنه وبعد كل هذه السنوات الطوال والعجاف فمن حق الشعب أن يطالب بجردة حساب لما تم خلال 45 سنة من الثورة و40 سنة من الاستقلال و17عاماً من الوحدة وأيضاً 13 عاماً من حرب 1994م...من حق أن يعبر عن مطالبته وفي الجانب الأخر فأنه من واجب السلطة الوارثة للثورة والاستقلال والوحدة والمستمرة في الحكم من عقود أن تقدم للأمة جردة حسابها...ماذا حققت؟ أعنى بأي صورة حكمت..زماذا انجزت ؟كم ورثت وكم أنفقت وكم استثمرت وكم باعت وكم وكم وكم؟. أما الكلام في العموميات فهي من سمات الأنظمة الشمولية التي عفى عليها الزمن وجميعنا يدرك ذلك ومن يحاول تجاهلها أو تجاوزها فكأنه يحاول مغالطة نفسه وإيمانه وعلاقته بخالقه ومجتمعه.
ثم وهو الأهم لا نعرف أن كان لزاماً على الشعب اليمنى الاستمرار في عهد التثوير والتهييج التي لا تبني إلا الأوهام والأحلام الخاوية... لقد فات من عمر الشعب 45 سنة منذً الثوره ولازال مشروع دولة النظام والقانون غائباً أو معتقلاً...وللعلم أن اليمن لم يعد بحاجة إلى مشروع ثورة كسابقاتها تؤسس للاحتكار والفقر والاستبداد بقدر حاجته إلى مشروع بناء دولة حقيقية...دولة تراعي مصالحهم لا تسلب أقواتهم وأقوات أطفالهم وعائلاتهم ... دولة تساوي بين مواطنيها ويسود فيها العدل والحرية والمساواة والأمن والديمقراطية...دولة تحمى مواطنيها لا تقمعهم وتعذبهم وتعتقلهم وتزيد الفوارق فيما بينهم...
نعم لقد خذلتنا الثورة وربما الوحدة...والخذلان كالهزيمة يا ناس....على مذبح الثورة والوحدة وحمايتها ... سفكت دماء مئات الآلاف من الشعب وثكلت ويتمت الآلاف من العائلات اليمنية بينما ما قدمه أبائنا وإخواننا في سبيل الثورة والتحرير يكاد لا يساوى 10% مما أسفك ما بعد الثورة...فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟ أليس هذا عاراً وجريمة بحق الوطن والشعب؟
نعم من اجل الثوابت الوطنية تتساقط الرؤوس وكأنها ثوابت قرآنية مقدسة...ويبدوا أنهم ينظرون إليها على أنها تساموا وتعالوا فوق كتاب الله "تبالهم" ونحن لا نعتبرها ثوابت مقدسة لأنها من صنع البشر "قولاً وفعلاً" الثورة والوحدة وغيرها...فقط ولا غيره نعتبره الثابت المقدس وهو كتاب الله "القرآن الكريم" ومن قرض يقوم وإلا يشرب من ماء بحر عدن. نعم لا نريد أن نحشر الناس في قوالب الثوابت الوطنية السياسية التي هي من صنع البشر ...لا نريد لأحد أن يحسب حساب الثوابت وكأنها حساب القبر أو اللحد.... وتعرفون لماذا وجدت هذه الثوابت؟ وجدت لتلغى كيان الدولة...وجدت في الأساس لتلغي قدسية القرآن الكريم.
"سامحوني؟ إن كنت أخطأت. فأنا بشر"
* كاتب وباحث يمني مقيم في بريطانيا
في السبت 07 يوليو-تموز 2007 08:34:09 ص