الثورة قبل رحيل صالح وبعده ..!!
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و يوم واحد
الخميس 16 يونيو-حزيران 2011 06:33 م

ماحدث في مسجد دار الرئاسة يوم الجمعة 3 يونيو 2011م بغموضه وملابساته وبأثاره ونتائجه، بقدر ما يمثل محطة فاصلة في تاريخ اليمن الحديث بصورة عامة، فإن تضارب التصريحات الرسمية منذ اللحظة الأولى، وتوزيع الاتهامات داخلياً وخارجياً بصورة عشوائية، وعدم توضيح المعلومات والحقائق الصادقة والجلية للشعب، ثم قيام الإعلام الرسمي بتوظيف الحدث للدجل والتضليل وإثارة البلبلة والأحقاد، كل ذلك صب في الرصيد الإيجابي للثورة الشعبية اليمنية وأعطى لها زخم النقاء والمصداقية والثبات. وأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الثورة ستظل سلمية الهدف وسلمية الممارسة وسلمية الغاية والطموحات، برغم كل ما قام به النظام من مجازر بشعة وقمع وحشي وعنف وصلف ضد الثورة وشبابها.

ولاشك أن حالة التخبط واللاتوازن التي ظهرت بها مؤسسات وشخوص النظام, كشفت عن درجة الهشاشة التي وصلوا إليها، وبالتالي عمق التأثير الذي أحدثه النضال السلمي في مراحله المتعددة.

والمتتبع لمسار الأحداث وتطوراتها سيجد أن النظام الحاكم قد ظل خلال شهور الثورة يعاني ويتآكل من داخله، ولم يستطع جبروت القوة المفرطة التي استخدمها ضد المعتصمين السلميين في مختلف الساحات والميادين أن يوقف هذا التآكل أو يخفف من غلوائه، وجاء حادث مسجد دار الرئاسة ليشير بوضوح إلى أن هذا النظام بعد أن استنفد كل وسائل القمع والقتل والتدمير، شعر بالقهر وهو يرى الثورة صامدة شامخة قوية، فاتجه ينتقم من نفسه بنفسه في لحظة يأس وشعور بأنه لم يعد قادراً على فعل شي (كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله).

وربما لم يفق النظام من هول الصدمة حتى الآن، ذلك أن إعلان خروج الرئيس علي عبدالله صالح وخمسة من رموز النظام للعلاج في السعودية، بعد 24ساعة من لحظة الحدث،بالإضافة إلى تفاصيل قائمة القتلى والمصابين التي نشرتها صحيفة 26سبتمبر (الخميس 9يونيو)، زاد المشهد إثارة وإرباكاً وغموضاً بالنسبة لمكونات النظام نفسه. أما الآخرين فقد نظروا إلى إعلان الخروج هذا، في سياقاته الصحيحة كدليل واضح عن حجم الصراع الذي جرى داخل كواليس السلطة وطبيعته، ثم اعتبار هذا الخروج كشكل من أشكال الرحيل الذي فرض نفسه كواقع لم يعد ممكناً معه أو مقبولاً فيه الحديث عن عودة إلى كرسي الحكم حتى وإن ظل المقامرون والمهرجون يُمَنّون أنفسهم ويخادعون غيرهم.

وهكذا رحل صالح في لحظة دموية فارقة، وستبقى هذه اللحظة علامة مميزة في تاريخ النهايات المتشابهة للأنظمة الشمولية الديكتاتورية، التي يتحول الحكم في نظرها إلى حق شخصي مكتسب، ولا تتردد في سبيل ذلك عن قتال الشعب وقتله حتى آخر قطرة من دمه.

وإذا كان صالح قد اختار بنفسه شكل الرحيل الذي تم، فإن هذا الرحيل هو جزء من مطالب الثورة التي رفعت شعار اسقاط النظام، واسقاط النظام لا ينحصر فقط برحيل الأشخاص، وإنما يشمل رحيل كل ممارسات الفساد التي تلبّس بها هذا النظام خلال الفترة الماضية. كما أن اسقاط النظام يعني إعادة الاعتبار للدستور وإعادة الاعتبار للنظام والقانون وإعادة الاعتبار للمواطنة المتساوية التي أهدرها صالح وأركان حكمه. وإسقاط النظام تعني كذلك إعادة الاعتبار للوظيفة العامة وإعادة الاعتبار للمال العام والمحافظة على الثروة واحترام اسس وقواعد تنظيم السلطة.

وفي هذا السياق لن يكون رحيل صالح هو نهاية المطاف، لأن أمام الثورة الشعبية مرحلة جديدة، وهذه المرحلة بحاجة إلى مسار جديد وزخم إعلامي ونفسي جديد، فهي مرحلة الانتقال من الحديث النظري إلى التطبيق العملي الميداني الواقعي الذي يتطلع الناس بمختلف توجهاتهم أن يروه رأي العين، وأن يشعروا من خلاله بثقة واطمئنان أن عجلة صناعة المستقبل الواعد تسير في الاتجاه الصحيح والسليم..

ومن هنا فإن الثورة الشعبية السلمية ستظل قائمة وستزداد تجذراً وديناميكة لأن أهدافها وطموحاتها أكبر من رحيل صالح الذي يعتبر الخطوة الأولى في سُلَم التغيير وإعادة بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة العدل والحق، دولة النظام وحكم القانون، دولة الشراكة الوطنية التي افتقدناها في ظل سيطرة الفرد الواحد والحزب الواحد والأسرة الواحدة.