اليمن في فراغ دستوري والسلطة مختطفة مع عصابة محمية وتدار سعوديا
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 11 يوماً
الأحد 07 أغسطس-آب 2011 01:39 ص

مثلما جرت عليه العادة في الواقع اليمني يختلف الساسة ورجال الدين والعسكر ورجال القانون في كل شيء دون استثناء, وما وقع عليه الحال مؤخرا هو الاختلاف في تفسير المادة (116) من الدستور اليمني. حيث نجد امام المسجد والقبيلي ورجل الشارع كلا يدلون بدلوه في تفسيرها بما يقارب رغباته, وقد صاغها المشرع اليمني بما يناسب كل ذوق.

إن المادة (116) من الدستور اليمني تقرر نقل مهام الرئاسة في حالتين:

1. حالة خلو منصب رئيس الجمهورية, دون تحديدها. ويمكن اعتبار الوفاة ومغادرة البلاد للعلاج أو الهرب.

2. العجز الدائم لرئيس الجمهورية عن العمل, دون توضيحها. ويمكن اعتبار المرض الذي يقلل من قدرات الرئيس على أداء مهامه كاملة.

إذا ابتعدنا عن الواقع اليمني لنرى ماذا يراد من مثل هذا النص في أي دولة ونرى تعامل الدول إزاءها. نجد في المملكة السعودية عندما أصيب الملك بوعكة صحية, نقل الى الولايات المتحدة لتلقي العلاج مع قدرته على الحركة والالتقاء بزواره والحديث, ومع ذلك تم جلب ولي عهده المنفي في المغرب للامساك بزمام الامور وادارة البلد. نفس الشيء تم في كوبا وفرنسا وفنزويلا وغيرها من البلدان على اختلاف مشاربها وايدلوجياتها, فلا يمكن ان تترك بلدا دون دولة ورئيس وهو ما يسمى بالفراغ الدستوري, حيث لا معنى للقانون ومؤسسات الدولة في كل فعل يتم في غياب تطبيق الدستور, يليه انتهاء الدولة عمليا لانتهاء العقد الاجتماعي بين مكوناتها لا يمكن الرجوع اليه مطلقا الا بثورة وعقد اجتماعي جديد.

إن المادة (124) من الدستور توضح بأن "يعاون رئيس الجمهورية في أعماله نائب الرئيس وللرئيس أن يفوض نائبه في بعض اختصاصاته". وألزمت المادة (106) الفقرة (ب) من الدستور ان يكون لرئيس الجمهورية نائبا يعينه الرئيس. وحددت المادة (160) من الدستور صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية ونائبه وأعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء الحكومة ورئيس وأعضاء مجلس الشورى.

إذا عدنا الى الواقع اليمني بعد حادثة الرئاسة الذي اصيب فيه رئيس الدولة وكل القيادات اليمنية وخروجه من البلاد واختفائه عن الانظار لاكثر من شهرين متتاليين. فهل يعني ذلك خلو منصب الرئاسة او عجز الرئيس عن أداء مهامه؟ في الواقع سنجد ان الحالتين تنطبقان على حالة الرئيس اليمني فقد غادر اليمن دون ان يكلف نائبه بتحمل بعض مهام الرئاسة وهو ما يعني خلو منصب الرئاسة فعليا فلا الرئيس قادر على ادارة البلد من دولة أخرى ولا نائبه قادر على ادارة البلاد دون تكليف رسمي, وهو ما يعني فراغا دستوريا. من ناحية اخرى نجد ان الحالة الثانية وهي العجز عن العمل, قائمة في حالة رئيس الجمهورية. فمجرد وجوده خارج البلاد للعلاج او غيره يجب ان يرافقه تسليم لمهام الرئاسة الى حين العودة, فإذا طالت يكون على النائب التحضير لانتخابات رئاسية جديدة. لكننا شاهدنا أفضل صورة للرئيس بعد الحادث لا تظهر إمكانية قيام الرئيس بممارسة مهام الرئاسة بشكل طبيعي. فالصورة التي تم بثها لا تظهره واقفا يتحرك بل مقعدا تتحرك بعض أجزائه بالرموت, في حين يحدد الدستور في المادة (105) بأن "يمارس السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور". حيث تحدد المادة (110) بأن "يعمل رئيس الجمهورية على تجسيد إرادة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية والالتزام بالتداول السلمي للسلطة والإشراف على المهام السيادية المتعلقة بالدفاع عن الجمهورية وتلك المرتبطة بالسياسة الخارجية للدولة ويمارس صلاحياته على الوجه المبين في الدستور". وتضع المادة (119) من الدستور لرئيس الجمهورية الاختصاصات التالية:

1ـ تمثيل الجمهورية في الداخل والخارج.

2ـ دعوة الناخبين في الموعد المحدد إلى انتخاب مجلس النواب.

3ـ الدعوة إلى الاستفتاء العام.

4ـ تكليف من يشكل الحكومة وإصدار القرار الجمهوري بتسمية أعضائها.

5ـ يضع مع الحكومة السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها وفقا للدستور.

6ـ دعوة مجلس الوزراء لاجتماع مع رئيس الجمهورية كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

7ـ تسمية أعضاء مجلس الدفاع الوطني طبقا للقانون.

8ـ إصدار القوانين الموافق عليها مجلس النواب ونشرها وإصدار القرارات المنفذة لها.

9ـ تعيين وعزل كبار موظفي الدولة من المدنيين والعسكريين وفقا للقانون.

10ـ إنشاء الرتب العسكرية بمقتضى القانون.

11ـ منح النياشين والأوسمة وفق القانون أو الإذن بحمل النياشين من دول أخرى.

12ـ إصدار قرار المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات التي يوافق عليها مجلس النواب.

13ـ المصادقة على الاتفاقيات التي لا تحتاج إلى تصديق مجلس النواب بعد موافقة مجلس الوزراء.

14ـ إنشاء البعثات الدبلوماسية وتعيين واستدعاء السفراء طبقا للقانون.

15ـ اعتماد الممثلين للدول والهيئات لأجنبية.

16ـ منح حق اللجوء السياسي.

17ـ إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة وفقا للقانون.

18ـ يتولى أي اختصاصات أخرى ينص عليها الدستور والقانون.

ومن الاختصاصات الأخرى في الدستور ما أوردته المادة (111) بان رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة, ورئيس مجلس الدفاع الوطني وفق المادة (38). وهو بحسب المادة (120) من يصدر القرارات واللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وتنظيم المصالح والإدارات العامة بناء على اقتراح الوزير المختص وبعد موافقة مجلس الوزراء. ويعلن حالة الطوارئ بقرار جمهوري على الوجه المبين في القانون وفقا للمادة (121). ويصادق على أحكام الإعدام وفقا للمادة (123). كما توضح المادة (132) بأن "يختار رئيس الوزراء أعضاء وزارته بالتشاور مع رئيس الجمهورية", وقبل مباشرتهم لصلاحياتهم يؤدون اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية وفق المادة (134). وإذا لم يعد في استطاعة رئيس الوزراء تحمل مسؤولياته أو إذا حجب مجلس النواب الثقة عن الحكومة أو سحبها منها أو تم إجراء انتخابات عامة لمجلس النواب وجب على رئيس الوزراء تقديم استقالة الحكومة إلى رئيس الجمهورية وفق المادة (142).

هنا نلاحظ بأن الحكومة الموجودة هي حكومة تصريف اعمال, وبعد اصابة رئيس الحكومة ومغادرته البلد كان لزاما على الرئاسة تكليف غيره بترؤس مجلس الوزراء حيث تأمر المادة (138) من الدستور أن "يدير رئيس الوزراء أعمال المجلس ويرأس اجتماعاته ويمثل المجلس ويشرف ويعمل على تنفيذ قرارات مجلس الوزراء والسياسة العامة للدولة". لكن بغياب رئيس مجلس الوزراء فان أي اجتماع للمجلس غير شرعي وبغياب رئيس الدولة فلا يمكن تكليف شخصية اخرى بتشكيل حكومة جديدة من دولة اخرى وذهاب الوزراء الى دولة اخرى لأداء اليمين الدستورية أمامه.

من خلال ما تقدم نجد ان المهام المحددة لرئيس الجمهورية لا يمكن القيام بها من دولة اخرى ولا يمكن اداء اليمين الدستورية للحكومة اليمنية ومبعوثيها في ارض دولة اخرى. ونجد ان تعيينات سفراء اليمن الغيت لعدم وجود رئيس الدولة ولم يتم تسلم أوراق اعتماد بعثات الدول الأخرى لعدم وجود الرئيس ولم يتم تكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل الحكومة لعدم وجود رئيس الدولة في البلاد, وهناك ترقيات توقفت بسبب الغياب ومهام أخرى كثيرة لا يمكنه القيام بها حتى وإن تواجد في البلاد أو كتب له احدهم مواضيع صحفية.

إن اليمن عمليا في حالة فراغ دستوري فعليا وإن السلطة في اليمن مغتصبة من جهة لا تحمل أية مشروعية سوى شرعية المملكة, وأن إدخال اليمن في هذا الوضع تم بموافقة السعودية لاستخدام الفراغ الدستوري ورقة ضغط ضد المعارضة وشباب التغيير. لذا فإن توقيع المعارضة او اية جهة اخرى على اية مبادرة او اتفاق سعودي او خليجي او اسرائيلي او امريكي على انه دستوري او قانوني هو خيانة عظمى للشعب والوطن والشهداء والمعاقين لن يمر مرور الكرام على مرتكبيه ولن تحميهم لا السعودية ولا من يقف ورائها من تبعاته. وما يجب فعله من كل يمني محب لوطنه هو الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية سريعة قبل تدهور الاوضاع الى الأسوأ. ونلفت عناية قيادات المؤتمر التي تبحث عن ضمانات لحمايتها من الملاحقة القانونية بان أي اتفاق بهكذا ضمانات لا يمكن أن يكون شرعيًا, فعليها مغادرة البلاد فورا وعلى قيادات المؤتمر التي لم ترتكب أي جرم فعليها العمل مع بقية القوى الوطنية على إخراج البلد من وضع الفراغ الدستوري والانتقال إلى التغيير الفعلي في العقول والقلوب والمواقف من أجل اليمن.