اليمن من الزّيديّة إلى غرس بذور الحوثيّة والسلفيّة الأولى
بقلم/ محمد الزكري
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 27 يوماً
الإثنين 17 أغسطس-آب 2009 07:01 م
اليمن هذا الوطن العربي الإسلامي ومصدر رافدي لتاريخ الأمة وهويتها يخرج إلينا بخبر عن قلاقل في مقاطعة ''صعده'' الجبلية (تقع على حدود اليمن الشمالية) يقود حراكه ''الحوثيون''. في هذه المقالة سأميل لقراءة التاريخ لكتابة استعراض مختصر عن الزيديّة حتى اللحظة التي غرست فيها بذور الحوثيّة والسلفيّة الأولى.

تمكن ''علي بن الفضل القرمطي'' في العام 270هـ من تأسيس دولة قرمطية ومتخذا ''المذيخرة'' (من أعمال صنعاء) مقرا لحكمه. مارست الدولة القرمطيّة وعلى مدى 14 عاماً من زمن وجودها في اليمن مشروع يتبنى القطيعة مع الفرق الإسلامية.

تيقنت قيادات الفكر والزعامات القبلية اليمنيّة أن من بين أهل اليمن من يرى بالإماميّة والتـّشيع كما أن منهم من يرى بالخلافة والتّسنن. وعليه توصل اليمانيون إلى أن خلاصهم من فتنة المذاهب يأتي عن طريق تفكير ديني/ثقافي غير متحيز وذي طول بال وقادر على أن يحتوي في ثناياه التنوع الإسلامي بكل أطيافه المذهبية.

وجدوا في المذهب الزيدي مشروع إسلامي (أطلقة الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) (رض) لا يقع تماما في الدائرة الشيعية ولا يقع تماما في الدائرة السنية بل يقع تماما بين البين. فهو مذهب تصالحي يصل مابين الدائرتين وعبره ومن خلاله يتم تحاورهما. على أثر اقتناعهم بقدرة الزيديّة على توحيد الأمة ذهب وفد من عقلاء اليمن في العام 284 هـ / 897 م إلى المدينة المنورة لمبايعة الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت 298هـ) ليكون إماماً زيديا لليمن. ووقع العقد الاجتماعي مابين الزعامة والشعب، وتمكن المشروع الزّيدي من أن يخلق ثقافة التصالح، وانتشرت تحت مظلته الفرق السنيّة والإماميّة الإسماعيلية بكل أطيافها.

بعد عدة قرون وابتداء من حقبة الإمام المتوكل يحيى شرف الدين (1507-1558م) سمح الزيديون لأتباع الإماميّة الإثنى عشرية الإيرانية/الصفويّة (تأسست 1502م) وهي في مرحلتها الجنينية من التحرك تحت المظلة الزيديّة. على عكس تشيع الدولة البوهيّة (941-1055م) والفاطميّة الإسماعليّة (909-1171م) اللتين لم تنتهجا نهج شتم الصحابة، طور إسماعيل الصفوي (1487م - 1524م)، مؤسس الدولة الصفويّة، سرديات كبرى تشتم رموز السنـّة أبوبكر (رض)، عمر (رض)، عائشة (رض) زوجة النبي (ص) مع الحديث عن جزء من القرآن مفقود فيه آيات تفضح خيانات الصحابة. سرديات لعبت دوراً مهماً في توحيد الجغرافيا الإيرانيّة. سياسيا ضمنت السرديات الأمامية الإثنى عشرية الصفويّة (توجه مذهبي يجعل من الشتم عبادة) الانقطاع التام عن كل شيء سنـّي. ونجح إسماعيل الصفوي بجعل إيران الصفويّة غير متجانسة ثقافيا مع باقي مكونات الإمبراطورية العثمانية ليست لكونها إمامية فهناك أماميون إثنى عشرية علويون (توجه مذهبي غير شتامي) كثيرون في ثنايا الدولة العثمانية ولكنها غير قابلة للهضم العثماني بصفويّتها الشـّتاميّة.

بعد 250 عاما على تأسيس الدولة الصفويّة قدم السيد يوسف العجمي محملا بثقافة الإمامية الصفويّة إلى اليمن وذلك في العام 1747 المرافق لعهد الإمام المنصور بالله الزيدي. لم ينتبه السيد يوسف العجمي (وغيره إلى يومنا هذا كثير) إلى محاولة الدولة الصفويّة لإسقاط الأمامية الصفويّة وإعادة تأسيس لأمامية إثنى عشرية علويّة غير شتاميّة. فقد عمل نادر خان الأفشاري (الذي عرف بعد ذلك بنادر شاه)، على وضع نهاية للانقسام السني ـ الشيعي ابتداء من العام ,1743 حيث عقد مؤتمر قرب مقام الإمام علي (رض) في النجف، للتحاور ودُعيَ عدد من العلماء السنة والشيعة إليه. كما أرسل للوالي العثماني في بغداد يطلب إرسال أحد كبار علماء الولاية كي يشهد الاجتماع التاريخي. كما سعى في العام 1744 إلى أن يبني بمكة المكرمة مركزاً للشيعة يبث مفاهيم إماميّة علوية تسعى إلى نقد الوضع السني والى نشر مبادئ الإماميّة دون تنفيرهم. كما قلنا لم يميز السيد يوسف العجمي مابين حاجة الصفويّة السياسية للشتم وما بين إنهاء هذه الحاجة على يد نادر شاه. وعندما أصبح له تلاميذ من الزيديين درّسهم نهج البلاغة وشرحه لابن أبي الحديد بالجامع الكبير في صنعاء ومع الوقت علمهم الجهر بالسرديات الصفويّة وقال معهم بتحريف القرآن وسب الصحابة.

السيد يوسف العجمي أخرج تلامذته الزيديين عن موقف مؤسس الزيديّة الإمام زيد بن علي (رض) القائل ''بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل''. والزيديين يرون بفضل علي (رض) على سائر الصحابة ومع ذلك يتقبلون خلافة أبابكر وعمر مع ترضيهم على جميع الصحابة ولا يخوضون في تكفير أو تفسيق.

مع ولادة الهجين الصفوي/الزيدي برز مناوئ زيدي خرج هو الآخر على طريقة التفكير الزيديّة وهو الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (1688-1768م). الإمام الصنعاني وجد في تهجين مبادئ السلفية الوهابية وهي في مرحلتها الجنينيّة مع الزيديّة ليست ضرورية لمواجهة الهجين الصفوي الزيدي فقط بل هي ضرورية لإعادة تطهير المعتقد الإسلامي من الممارسات الشعبية.

أثارت التهجينات الطارئة حفيظة علماء الزيديّة الذين هالهم إقبال الناس على الصفويّة وعلى السلفيّة وتركهم للزيديّة واهتزت البلاد اليمنيّة مما دعا حاكم اليمن ساعتها الإمام "العباس بن الحسين" إلى نفي السيد يوسف العجمي إلى خارج اليمن والى سجن الإمام الأمير الهاشمي الصنعاني لعدة شهور.

ترك كل من السيد يوسف والإمام الصنعاني وراءهما ثلة من العلماء والأئمة من تلامذتهما الذين ساروا على منهجيهما وطريقتيهما. هناك من أبناء اليمن ممن توارث علوم السيد يوسف العجمي حتى انبثقت من صفويته الحوثية الراهنة ومن علوم الإمام الصنعاني تطورات السلفية الراهنة وحمل معانيها الشيخ مقبل الوداعي. إرثان مازالا يعيدان إنتاج نفسيهما إلى يومنا هذا.

*مدير مركز التنوع الثقافي - المحرق