|
مأرب برس - خاص
كما الأشخاص تبلى الأحزاب بفعل الزمن وبقاء حزب لفترة طويلة في السلطة يفقده الاحساس بالزمن والقدرة على متابعة التغيير في حركة المجتمع،المؤتمر الشعبي العام الحاكم،المولود في كنف السلطة كإحتياج لادارة التحالفات السياسية التي تضمن البقاء على كرسي الحكم في زمن كانت في الحزبية جريمة وعمالة للخارج ما جعل الكثير من الاطراف السياسية تلجأ للعمل السري، جاء المؤتمر ليشكل خلطه فكرية – سياسية تسهم في إحتواء كل الاطياف التي قد تشكل خطرا يهدد نظام الحكم، كما أنه جاء إستجابة لحاجة داخلية تتمثل في توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة المد اليساري (الاشتراكي) الذي كانت معاركه قد وصلت إلى عدة مناطق في العمق الشمالي، كما أن الهدف إيجاد كيان حزبي يناظر الحزب الاشتراكي الموجود في عدن، بحيث يكسب الرئيس صالح شريعة توازي تلك الموجودة لدى قادة الحزب الاشتراكي، خاصة في حالة حدوث تفاوضات أو مباحثات باتجاه الدفع نحو الوحدة اليمنية.
ونجح الرئيس صالح ومن خلال المؤتمر في الحفاظ على موقعه دونما منافسة أو مزاحمة،بل إنه حصل من المؤتمر على صك لتربعه على منصبه عبر انتخابات أدارها المؤتمر ،ولان المؤتمر لم يكن حزبا سياسيا بما يعنية المصطلح فقد كان علي عبد الله صالح في حالات كثيرة أكبر من المؤتمر،الذي كان كيانا هلاميا غير واضح المعالم ويحتوي على تناقضات سياسية واجتماعية وفكرية متنوعه،ولم يسمح صالح أن يزاحمه أحد على رأس المؤتمر وظهر الرئيس صالح في محادثات الوحدة مع الحزب الاشتراكي الممثل الوحيد والقوي للشطر الذي يحكمه ولا أدل على ذلك رعايته وتواجده في كل مراحل تلك الاتفاقيات والمفاوضات ،وساعده تحقيق نوع من الاستقرار السياسي خلال فترة حكمه،على أن يبدو الطرف الاقوى،صاحب النفوذ والعلاقات الدولية الواسعة،بينما كانت الصور تتغير في الجانب الآخر فقد كان هناك عبد الفتاح اسماعيل،وبعده على ناصر محمد،ومن ثم على سالم البيض.
وعندما ذهب الرئيس صالح الى عدن لتوقيع اتفاقية الوحدة لم يعارضه سوى عدد من قيادات الإسلاميين(الإخوان المسلمين) – وعدد من مشايخ القبائل – المملوئين بفوبيا الشيوعية،ولانه كان يدرك الحجم الحقيقي لتلك المخاوف التي يحملونها وبالتالي تمثيلهم السياسي،فقد ذهب إلى عدن دونما الالتفات إلى تلك الاصوات،بينما كانت الاصوات على الضفة الاخرى ما زالت مترددة كثيرا ،ماجعل النائب علي سالم البيض والذي كان يحتل وقتها منصب الامين العام للحزب الاشتراكي يتحمل العبء الاكبر في إقناع الرفاق بالمضي قدما نحو الوحدة اليمنية ،وهو الامر الذي جعل الرفاق في فترات لاحقة يصبون جام غضبهم ضد البيض الذي دفعهم دفعا نحو الوحدة الاندماجية،وليست الفيدرالية التي كان الرئيس صالح يطرحها.
وكان يؤخذ على المؤتمر أنه كيان ينفع لان يكون أي شيء الا أن يكون حزباً،وهو ما تنبه له المؤتمريون في مؤتمرهم العام الخامس عام 1995م فتمت معالجة الاختلالات التي يعانيها وتم إقرار الاطر السياسية ومكوناته التنظيمية،وروجعت أيضا لوائحة التنظيمية الداخلية وبرنامجه السياسي،وخاض بهيئتة الجديدة تلك ست تجارب إنتخابية متنوعة،إختلف فيها أدئه الحزبي والسياسي من تجربة لاخرى.
ويصنف المؤتمر كحزب (عظامي) بالموسمية في الاداء السياسي،والتكتلات في الاداء الداخلي والتنظيمي،تلك التكتلات هي التي رفضت خلال المؤتمر العام السابع فرض ترشيح الامين العام الحالي عبد القادر باجمال في منصبة ما جعل الرئيس صالح يصر على موقفه بل وهدد بالانسحاب إذا لم يتم دعم ترشيح باجمال لمنصبة.
الامين العام الجديد للمؤتمر بعد إقصائه مطلع العام الجاري من منصبه في رئاسة الحكومة وتفريغه للبناء التنظيمي يحاول جاهدا التغلب على قضية التكتلات السياسية داخل المؤتمر،وقد إستهل مشواره في الحزب الحاكم بمقابلة مع صحيفة الميثاق تحدث فيها عن مشروعه لتحويل المؤتمر إلى حزب محترف ،وأنه سيحول إلى حزب سياسي جديد فيه الكثير من الالتزام الحزبي ،ذلك الحديث الذي كان يدور على وقع أصوات الموقصين سواء في مبنى اللجنة العامة،أو في معهد الميثاق، الذين جاء بهم باجمال لاحداث تغييرات في هيئة مكتب الامين العام ورفع سقفه سنتيمترات تتناسب مع حجم طموحه داخل المؤتمر وإشارة خفية لان العهد السابق لسلفه قد إنتهى بناء على أن لكل واحد منهما حجمه وطوله،قوبل بالاستهزاء والاستخفاف من عدد من القيادات الحزبية للحزب الحاكم ،ولم يدركوا أن الرجل جاد فيما طرحه،ولديه رؤية محددة يريد تنفيذها،لكن خصومه كانوا كثر في قيادة التنظيم،وهم نفس القيادات التي كان إشتراط خروجها معه من الحكومة،وتفرغها تحت إدارته للبناء التنظيمي، ووجه باجمال بسيل من الانتقادات من قيادات حزبه الذين يرون أنه فرض عليهم فرضا،واتخذت مواقف عدائية من محاولات باجمال للدفع بالمؤتمر قدما نحو عالم الاحتراف، والذي لا يبدو واضح المعالم،وأسفر عنه إنقسام اللجنة العامة إلى قسمين أحدهما مع باجمال والآخر ضده بقيادة النائب الثاني للمؤتمر الدكتور عبد الكريم الارياني ،وسارعت عدد من القيادات الشابة داخل المؤتمر بالتحالف مع باجمال ضد القيادات التاريخية،خاصة في الامانة العامة (العواضي- الميسري- القاضي) باجراء مقابلات قوية ضد ما أسمته بالفساد في المؤتمر الحاكم ومنظومة الحكم،قوبلت تلك التصريحات بحملات شرسه من قبل قيادات الطرف الآخر وتم الحديث عن تحويلهم لمجلس تأديبي داخل المؤتمر لكن شيئا من ذك لم يحدث بل على العكس تم نقل العواضي من دائرة المنظمات الجماهيرية التي حل فيها الوافد الجديد من الحزب الاشتراكي الذي كان متصدرا قائمة ال17 الشهيرة ،وعين العواضي في الدائرة الفنية،وهي واحدة من أهم الدوائر داخل المؤتمر،وذهب ضحية الجولة الاولى من ذلك الصراع رئيس تحرير صحيفة الميثاق عبدالله الحضرمي بسبب ما كتبه من رأي يتفق فيه مع ماجاء في مقابلة ياسر العواضي.
كما أن قيام حسين الاحمر وهو مؤتمري ومعه شخصيات مؤتمرية بتشكيل المجلس الوطني للتضامن، دليل آخر على أن المؤتمر يمر باسوأ فترته التنظيمية والسياسية،ولم يعد الانتماء له يمثل مكسبا سياسيا حتى لاعضائه.
خصوم باجمال في المؤتمر كثر وهم في تزايد مستمر خاصة بعد قيامه بتجميد عدد من القيادات القديمة في الحزب كما قال عبد الحميد الحدي أن باجمال أقصى عدد كبير من مؤسسي المؤتمر،وهو يدير صراعاته معهم بهدوء أحيانا وبقوة احيانا أخرى ، ومن أجل فك الاشتباكات بينه وبين خصومة يضطر الرئيس صالح للتدخل بين الطرفين ،يتقن باجمال تفتيت خصومة كما قال عن نفسه ذات لقاء مع جريدة الغد ،ولعل ما يقوم به في المؤتمر يأتي من هذا القبيل،فقد إستطاع إزاحة الامين العام للشئون التنظيمية صادق أمين أبو رأس ،الذي عين محافظا لمحافظة تعز، لان أبو رأس كان من متزعمي القوى الرافظة لوجود باجمال في الامانة العامة،منذ أن أحتل باجمال منصب الامين العام وهو الموقع الذي قيل أن ابو راس كان مرشحا قويا لاحتلاله في المؤتمر العام السابع إذا تم حينها الاحتكام للصندوق كما أن تعرض الامين العام المساعد للشئون الاعلامية سلطان البركاني لحادث مروري أبعده عن الساحة الداخلية للمؤتمر أما بالنسبة للامين العام المساعد للشئون السياسية عبد الرحمن الاكوع فدورة غير معروف ،وعمليا يمارس باجمال أداء تلك الامانة،ويقال أن تلك الدوائر معطله فعليا ولا يداوم الامناء العامون في مكاتبهم باللجنة الدائمة.
وفي إطار الصراع على الموارد المالية برزت قضية مؤسسة الميثاق بصورة محرجة لقيادات المؤتمر،وكان الصراع فيها واضحا من خلال الادوات التي اديرت بها تلك العملية،والتي عكست شرخا كبيرا في جدار المؤتمر التنظيمي وشخصياته، لم تفلح المحاولات الترقيعية في إخفاء أثارة.
كل هذا ورئيس المؤتمر يخوض معركة في وجه ثورة المطالب التي فجرها المتقاعدون العسكريين في المحافظات الجنوبية،وحيدا بعيدا عن حزبه المشغول بالصراعات البيروقراطية، كما يواجه تغول اللقاء المشترك ومطالبه السياسية في ذات المعركة، ويبدو أن الاخير على دراية تامة بالخلل في منظومة حزب الرئيس ما جعله يصعد خطابة ضده ورفض التفاهم مع القيادات الحزبية للمؤتمر،التي فشلت في إدارة حوار مع اللقاء المشترك بل وكان هناك سعي واضح لافشاله ،ولم يبذل المؤتمر جهدا من أجل إنجاح الحوار مع اللقاء المشترك،وكان موقف المشترك من مبادرة الرئيس التي أعلنها في رمضان الفائت حول شكل النظام السياسي وتعديل الدستور مستفزاً للرئيس الذي أدرك أنه لا يتكئ على حزب وأن حزبه مشغول عنه،ولم يقدم له المساندة من أجل تحقيق برنامجه الانتخابي،بل أن أطرافا في حزبه تسعى لافشاله وعرقلة خطواتة الاصلاحية،وسعى الرئيس صالح للملمة أطراف الحوار مع المشترك بالرغم من أن الاخير يبالغ في إستخدام كل ما يؤلم الرئيس ،كما يسعى لاسقاط شرعيته وصورته الذهنية في صورة المواطن ورجل الشارع من حيث إرجاع كل ما يعانية المواطنين سببه الرئيس،بالاضافة الى ان ذلك هو نتيجه طبيعية لانتخابهم له.
المشترك يحاول إختطاف الشارع السياسي والمكاسب التي تحققت سياسيا على يد المتقاعدين في المحافظات الجنوبية ،ويسعى جاهدا للمشاركة في فعاليات تلك القوى،وحزب الرئيس مشغول بقضايا اخرى ليس منها الرئيس.
قيادات المؤتمر تقول أنها وحدوية وأن شرعية الشارع معها،وأن من رفعوا شعارات إنفصالية هم قلة لا تعبر عن الشارع،هنا يبرز سؤال هام لماذا لم تخرج قيادات وكوادر المؤتمر الوحدوية للشارع بشكل سلمي للتعبير عن وحدويتها ومطالبها بالحفاظ على الوحدة ،وإذا كنا رأينا الانفصاليين فأين هم الوحدويين،أين حزب الرئيس في الشارع اليمني .
غياب المؤتمر في هذه الفترة الحساسة التى تشرف فيها اليمن على إستحقاق إنتخابي قادم من شأنه تعرض الحزب الحاكم لضربة قد تكون موجعة له لكنه بحاجة لها من أجل الخروج من غيبوبته .
ما يحدث في المؤتمر لا أجد له سوى تفسيرين إما أن كون هناك إتجاه داخل المؤتمر لاضعافه من الداخل تمهيدا لاسقاطه من أجل تهيئة الملعب السياسي لحزب جديد،يعبر عن احتياج مرحلي قادم وتسيطر عليه نخبة تدرك جيدا أن السيطرة على مقاليد الحكم في اليمن بعد 2013 بحاجة لحزب أكثر تماسكا ودماء شابه تحمل افكارا جديدة ،بعيدا عن القيادات التاريخية.وذلك لان الرئيس لم يعد يعول كثيرا على حزبه ومل من تحالفاته مع شركاء تعاملوا معه كسائق تاكسي كما قال ذات يوم.
والتفسير الآخر يتعلق بمعرفة الرئيس بأن حزبه إمتلا بالتناقضات وانه لا بد من عملية تطهير للقوى التي أصبحت تعيق تحركة ولا أفضل من أن يترك عملية التصفية والتطهير تتم بعيدا عنه وإن حصلت على مباركته قبل ذلك من أجل اعادة الروح الى الحزب الذي يعد احد أبناء الرئيس.
في الأربعاء 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 10:55:03 ص