شيءٌ إسمه العيب
بقلم/ محمود ياسين
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و يومين
الإثنين 14 مارس - آذار 2011 11:15 ص

تدافعوا نحو الرصاص وسقطوا بين أدخنة الغازات السامة.

لم يعد أحد بحاجة لإثبات استخدام الغازات المحرمة. إذ رأى العالم عبر شاشات التلفزة ارتعاشات أجساد المتظاهرين بساحة التغيير وبدأت موجة تجريم النظام الحاكم في اليمن.

المرحلة التي يتابع فيها العالم بثاً مباشراً من ساحة الاحتجاج على إيقاع أخبار البلطجة ومتابعة نظام يستخدم أوراقه التقليدية سيئة السمعة واحدة بعد أخرى..

هل كان الموقف الأمريكي الأخير والمساند لمبادرة الرئيس يعي أن المبادرة أصلاً كانت مجرد مبرر للعنف الذي أعقب المبادرة بوقت قصير؟

أين ذهبت فكرة الإلهام الأممي الإنساني من أولويات أوباما الذي ذكره تأثره بالثورة المصرية الملهمة.

ألسنا ملهمين نحن أيضاً؟.

لقد شعر المحتجون بخيبة أمل من الموقف الأمريكي والذي لن يقوم بشيء آخر عدى إطالة عمر العنف الرسمي ضد المحتجين.

وكأنه لا أحد في العالم يعي ثنائية المحتجين المسالمين والرئيس العنيف.

إذ لطالما اعتقد الشباب الليبراليون أنفسهم شركاء في مستوى ما للحلم الأمريكي (الحقوقي المتحضر)...

لا يزال كل شيء يمنياً حتى اللحظة.. وسيبقى كذلك ومن غير الحكمة ترقب ما سيكون عليه الموقف الأمريكي وموقف الاتحاد الأوروبي عدا هيومان رايس.. هو أصلاً حدث مخابراتي رغم كلمات أوباما عن إلهام الثورة المصرية لأخلاقه الأممية.

لقد كان بن علي شريك أوروبا وفرنسا تحديداً وأكثر أصدقائها الحميمين. وكأن فرنسا كانت بحاجة لأن يحرق البوعزيزي لتدارك الفرنكفونية المؤثرة أنها كانت شريكة المسخ.. حتى أنهم رفضوا استقبال بن علي أثناء بحثه عن ملاذ.

التاكيد هنا على قدرة الموقف الأمريكي والأوروبي على إحداث تشويش يورط حالة الفعل القائمة في التعويل.

وكأن الرئيس اليمني قد أحجم عن ممارسة العنف بسبب من قرارات مجلس الأمن ضد القذافي واستصدار الانتربول لمذكرة ملاحقة دولية ضد العقيد.

إنها في المحصلة خيارات داخلية لها علاقة بضمير البلد أولاً وأخيراً..

بودي لو نهتم لفكرة استياء الأغلبية اليمنية الصامتة من الغاز السام ومن فكرة البلطجة إجمالاً.

والتعويل على ضمير هذه الأغلبية الصامتة أكثر جدوى من التعويل على ضمير العالم المتحضر.

إذ ينبغي نقل مستوى ثقافة الثورة إلى اختبار الدرس الأخلاقي للضمير اليمني الذي أصبح عليه أن يمتعض.

حتى الذين لا يزالون على ثقة بفكرة القضاء والقدر وفكرة النبوءة والخوف من جيش الرئيس عليهم البدء فوراً في الاشمئزاز من الهمجية.

هل ينبغي أن نتعلم هذه الطريقة في الامتعاض وتمرين فكرة الضمير.

ذلك أن الموقف الغربي الذي سيصبح أخلاقياً بعد رحيل الرئيس مباشرة.

عليه رفع إصبع التحذير الآن لأننا في اليمن نحظى برئيس يظن أن القذافي يتعرض لإدانة دولية وتهديد بالملاحقة بسبب سوء علاقته الشخصية بالغرب إجمالاً..

أصبح التحذير المقترحة هذه قد تحمي حياة كثيرين في اليمن.

وها أنا أبد متناقضاً مع التقليل من شأن الموقف الأخلاقي والأوروبي والأمريكي أولاً ثم أعول عليه في حماية حياة كثيرين.. والسبب بسيط للغاية وهو فكرة الأمل.

حيث تقول كل الحيثيات إن عنفاً قادماً سيجتاح ساحات التغيير وأن لحظة فاصلة في نفسية الرئيس يمكن الضغط عليها لإنقاذ حياة الناس.

أعني أن نفسية الرئيس رغم استعدادها للعنف وجاهزيتها له غير أنها مرتبكة وبحاجة لضغط من خارج ما اختبرته من ضغوط الداخل.

لدينا أمل آخر هو في ضمير الجيش.. الحصول على قادة يرفضون إعطاء أوامر عنف ذلك أنهم أولاً وأخيراً أقرب إلى النفسية اليمنية البسيطة القادمة من الريف تحديداً، فهم لم يمكثوا طويلاً في الأكاديميات العسكرية بأخلاقياتها الصارمة.

ولم يمكثوا طويلاً في دورات تأهيل من ذلك النوع الذي يخرج عناصر عسكرية صماء تنفذ الأوامر بآلية.

الأمن عندنا لم يحظَ دورات ولا تأهيل قمع يقوم بها ذلك النوع من رجال خضعوا لتدريب يحولهم إلى آلات موت كما هو حاصل في تجارب الدكتاتوريات التي اعتمدت على هذا النوع من عناصر الشرطة السرية.. لا يزال لدينا أمل في بساطة اليمني الذي سيشعر آخر الأمر بشيء اسمه العيب.

* عن صحيفة "الأولى"