اليوركان!!
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 19 يوماً
الأربعاء 25 أغسطس-آب 2010 10:47 م

ذكرتني كارثة الفيضانات التي حلت بباكستان وشردت الملايين بما حدث لي في قريتنا الصغيرة في ريف إب والتي داهمتها الزلازل منتصف التسعينات أتذكر أننا خرجنا من البيوت وآوينا إلى الخيام المجاورة في مشهد غريب وجو مخيف يعج بالشائعات والأخبار المزعجة للكبار والصغار وهي حالة استمرت لشهور كأنها كابوس طويل .

ما زلت أتذكر تلك الأحداث بحزن لأنها قضت على أول فرحة حقيقية بحياتي فبالإضافة إلى الخوف الذي اجتاحني لشهور مضت أيامها كسنوات عجاف خسرت أول جائزة حصلت عليها لتفوقي وحصولي على المركز الأول في الصف الثالث الابتدائي وكانت الجائزة عبارة عن دراجة جديدة أهداها لي أحد الأقارب حيث ذهبت بسببها معه إلى مدينة إب وهي أول مرة أرى فيها المدينة وأتجاوز حدود قريتنا اشترينا الدراجة وعدت كأنني قد ملكت العالم ليلتها لم انم من الفرحة وفي الصباح خرجت بها إلى المدرسة دون أن أتناول فطوري كنت أتفاخر بها أمام الأطفال المحرومين كأنها "همر" أو "ليكسز" آخر موديل!!.

وجاءت تلك الزلازل فقضت على فرحتي وسلبتني الدراجة فقد كنا نلعب الكرة جوار منزلنا وكانت الدراجة مربوطة بقفل إلى شجرة ولا يقترب منها أحد وفوجئنا باثنين من الأطفال يأتون من قرية مجاورة وهم يبكون اقتربوا منا فألقينا الكرة جانباً لنرى ما حدث لهم وفوجئنا بهم يقولون: اليوركان سيأتي فقلت: من هو اليوركان هذا؟! وقد كنت أظن انه طفل سيأتي يلعب معنا قالوا: اليوركان نار تخرج من الأرض وتذوب كل شيء وتحرق كل شيء وبعد هذه الزلازل سيأتي اليوركان قلت: يعني سنموت؟! قالوا: سنموت كلنا قلت: سنهرب رأس الجبل قالوا: الجبل نفسه سيتحول نار .

لا إله إلا الله وقعت الواقعة وأزفت الآزفة حاولت أن أستخرج منهم بصيص أمل أو استئناف لهذا الحكم المؤكد إلا أنهم سدوا أمامي كل الأبواب حينها ذهبت إلى الدراجة وفككتها من قيودها وسلمتها للأطفال ليلعبوا بها ويأخذوها لهم ولسان حالي: إلى متى سأحتفظ بها الموت سيأتي سيأتي خلاص ما فيش أمل؟!!

وذهبنا كلنا إلى بركة مجاورة فتوضئنا وقمنا نصلي وندعو ونبكي ولم يكن ذلك الوقت وقت صلاة مما جعل الأهالي يستغربون وعشنا بعدها شهور ننتظر الموت ونصلي ونقرأ القرآن ونصحو لصلاة الفجر وكأننا عبادا من زمن التابعين كنا إذا أصبحنا لا ننتظر المساء وإذا أمسينا لا ننتظر الصباح وفي تلك الليالي الطويلة كنا ننكمش في الخيام المتناثرة كالفئران المذعورة ولم يقم الأهالي بطمأنتنا بل تركونا لشهور فريسة لخوف لا يرحم وبعد شهور من الموت البطيء والكابوس المتواصل خفت الزلازل ثم توقفت ولكن بعد ما راحت الدراجة وراحت معها أول فرحة حقيقية بحياتي.!.