لماذا ينتخب الشعب احمد ؟؟
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 18 يوماً
الأربعاء 30 مايو 2012 04:43 م

هذه النتيجة المفاجئة للبعض توجب علينا أن نقول كلمة ولو بسيطة ومسبقا وقبل أن يقول احد انتم ليس لكم دخل بمصر وشوفوا وضعنا في اليمن أحسن نقول إن مصر قلب الوطن العربي والعالم الإسلامي وأنها دولة محرك ومؤثر وما يجري فيها يؤثر على الآخرين ولولا اشتعال الربيع العربي في مصر لما انتشر في باقي أجزاء الوطن العربي ولبقى حالة خاصة بدولة واحدة ولقد دأبت النظم الاستبدادية على التأكيد على التفرقة والقطرية وان يهتم كل قطر بشأنهم الخاص وان ما يجري في كل بلد يخصها وحدها تأكيدا على هذا النهج , متجاهلين أن الإقليم ككل وفي خضم هذا التوتر والاشتعال يظل لمصر وتطوراتها الداخلية دور مؤثر في جوارها الإقليمي المباشر وغير المباشر من باب هرمز وباب المندب إلى جبل طارق.

وهنا نؤكد احترامنا لخيارات الشعب المصري في انتخاباته التي برغم مشاكلها وعيوبها تظل تطور نوعي نرجو أن يكون مقدمة لمزيد من التحسن والتقدم وان تنتقل هذه التجربة إلى كل بلادنا العربية لتعود مع مصر وبمصر لتبوء موقعها القيادي في الشرق والعالم الإسلامي بل والعالم كله .

لم يكن مفاجئا حصول قوى ثورة الربيع العربي في مصر بكافة أجنحتها الإسلامي واليساري والوسطي على أغلبية الأصوات المشاركة في الانتخابات وكذلك لم يكن من المستبعد أن تحصل القوى التقليدية والمحافظة على نسبة من هذه الأصوات وكان من المتوقع أن يكون الأقرب لحصد هذه الأصوات هو عمرو موسى الذي وان كان يمثل احد أجزاء النظام القديم إلا انه يمثل احد الجوانب الايجابية فيه لكونه رجل مدني وكذلك لقدرته على تسويق نفسه بشكل مباشر أو غير مباشر بين البسطاء والنخبة في أوج قوة النظام السابق كنموذج بديل من داخل النظام وكان سيتعاطف معه الكثير لو طرح اسمه وقتها ونتيجة لذلك تم إبعاده ضمن الصراعات الداخلية على السلطة وهي احد الزوايا التي حاول تسويق نفسه من خلالها .

وفي المقابل ذهبت هذه الأصوات لأحد جنرالات النظام القديم وأخر رئيس وزراء في عهد المتنحي وعضو سابق في المجلس العسكري وهنا يجب قراءة النتائج على أكثر من مستوى وبصدق وبشفافية لأخذ الدروس والاستفادة منها .

قرابة نصف من يحق لهم التصويت هم من ذهب للانتخاب بينما تعامل النصف الاخر وكان الأمر لا يعنيهم وهذا رقم مهم يجب قراءته من الجميع صحيح أن هذه النسبة تعتبر مرتفعة قياسا للديمقراطيات الراسخة ولكنها مثيرة للاهتمام في ديمقراطية وليدة يفترض أنها أتت بعد عهد ديكتاتوري سيتدافع الناس خلالها للمشاركة ورسم واقعهم ومستقبلهم ولهذه أسبابها التي يمكن مناقشتها بشكل منفصل ..... وللأمانة العلمية أننا كمتابعين للثورة لم نكن لنلتفت إليها لو لم تأتي النتائج بهذا الشكل غير المتوقع منا على الأقل .

الجانب الثاني انه ربما من الايجابي هذا التقارب الشديد في النتائج بين جميع المرشحين مما ينعكس لصالح مصر أولا قبل أي فصيل ليعرف الجميع انه لا غنى عن أي طرف في بناء هذا الوطن حتى أولئك الذين صوتوا لمن أصبحوا يسمون بالفلول .

وربما هنا نستطيع أن نجمع نتائج القوى الثورية مع بعضها لتشكل الأغلبية أو نجمع نتائج قوى الوسط واليسار لنقول أنها كانت أكثر من نتائج الفلول أو نتائج الإخوان كل على حده إلا انه لا يمكن أن نجمع نتائج الإخوان مع نتائج فلول النظام السابق في خانة واحده .

لها من عشرة ملايين ناخب في الانتخابات التشريعية إلى النصف تقريبا أي قرابة الخمسة ملايين صوت في الرئاسية , وان مرشحي الإخوان كانوا الطرف المفضل في انتخابات الفردي مرحلة الإعادة أمام القوى الأخرى الإسلامية الأكثر تشددا والقوى الثورية الأخرى , وهل هذه النتائج ستسمح لهم أن يظلوا الخيار المفضل في إعادة الرئاسة إذا لم يتفقوا مع باقي القوى الثورية .

وللعودة إلى القراءة الايجابية فان إحدى فوائد هذه النتائج الصادمة والتي قد تثير عند البعض نظرية المؤامرة واستعادة النظام القديم أنها تدفع القوى الثورية لمراجعة مواقفها ومقارباتها والتخلي عن بعض عنادها لصالح الثورة ولصالح الوطن أولا .

وهنا لا يجب قراءة مواقف المصوتين للجنرال احمد شفيق أنهم أعداء أو مناوئين للثورة أو لباقي القوى الوطنية بل يجب التعامل معهم كشركاء في الوطن لهم وجهة نظر مختلفة ويجب احترامها ومراعاتها خلال إعادة بناء النظام السياسي في مصر وشكل الدولة القادم.

هذه الفئات تنقسم إلى عدة أقسام فئة خائفة (ولخوفها ما يبرره ) انجذبت لشعار الأمن والأمان وهذه الفئة يجب أن يتم مراعاة مخاوفها الأمنية كون الأمن حاجة أساسية لا يمكن العيش من دونها كالماء والهواء , وهناك ظروف مرت جعلت البعض منها يتمنى عودة الوضع لما كان عليه خلال النظام السابق ولذلك اتجهت إلى من يمثله ارتضاء بأهون الضرر حسب تقديرها وعليه يجب معالجة هذه الظروف والتخفيف من حدة التهويل من مخاوف وهمية تدفع لهذا الاتجاه.

وهناك فئة أخرى يمكن قراءتها من هذا الباب باب الأمان وهم الأقباط الذي ذهبت بعض التحليلات أن جزء كبير منهم ذهب لترشيح من يمثل النظام الذي لم توقف الأقباط عن الشكوى منه واضطهاده لهم حتى في بناء دور العبادة وانه يمارس ضدهم التمييز حسب الدين وان كان يضطهد الإسلاميين على الجانب الأخر ولا يتردد في اضطهاد اليساريين شيوعيين او قومين أي انه كان يضطهد الجميع ومنهم الأقباط ولم يكن ولاءه إلا لنفسه (وهذا ما كشفته تفجرات كنيسة القديسين قبل الثورة ) إلا انه بمرور الوقت كان هناك اتفاقات ضمنية وعرفية كانت قد تشكلت يستطيع من خلالها الأقباط المحافظة على مكتسبات الفئة الاغني ورجال الأعمال على مكتسباتهم وكذلك المحافظة على نوع من الحصانة للهيكلية الدينية مقابل الانزواء السياسي والظهور بموقف المحايد باتجاه النظام إن لم يكن المؤيد خلال الفترة السابقة وان كان هناك الكثير منهم ممن شارك في ما يمكن تسميته بمعارضة النخبة قبل ثورة يناير إلا أن أغلبية البسطاء من أبناء الأقباط ربما يكونوا أكثر تأثرا بالفئة الأولى الأكثر مالا ونفوذا وكذلك برجال الدين ( مثل المسلمين ) والذي نتج عنه الترويج أن الكنيسة تقف مع شفيق أمام مخاطر مشروع إسلامي مجهول الملامح تخاف أن يقضي على مكتسبات نسبية حصلت مقابل الرضوخ لاضطهاد النظام السابق وهي في نفس الوقت أبدت عدم ثقتها بالأطياف الأخرى الممثلة للثورة كالتيار الوسطي الذي يأتي تخوفها ان يكون مجرد غطاء أخر للمشروع الإسلامي موازي للتيارين الاخواني والسلفي وكذلك اليسار الشعبي الذي كان بعيدا عن التوقعات أن يشكل منافسا حقيقيا وجادا مع القوى الثورية المستقلة.

وهذه الفئات يجب النظر لمخاوفها باحترام وجدية عن طريق تأمينها من خلال العقد الاجتماعي وهو الدستور كضامن حقيقيي للتعايش السلمي والشراكة ضمن الوطن مهما كان شكل النظام الحاكم أو الحزب أو الرئيس بما يحيد عامل الاستقطاب الديني مقابل المواطنة وكذلك الشراكة ضمن هذا الوطن .

الفئة الأخرى التي تنجذب لترشيح من يمثل النظام السابق هي التي تندرج ضمن نطاق الجهل وهو الجهل بمعناه الاعتيادي الذي يدفع هؤلاء إلي انتخاب من كان جزء من أسباب جهلهم وهؤلاء يجب أن تكون معركة تعليمهم احد اهم التحديات في المرحلة القادمة لتجفيف المنابع التي يستمد منها الطغاة قوتهم والجهل الأخر المعنوي والذي يتطلب التوعية ونشر المعرفة وإعطاء الناس الثقة بأنفسهم حتى لا ينقادوا لمقولات اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش وان بلادنا تحتاج إلى الفاجر القادر على الشر وليس العادل النظيف بحد زعمهم.

إلى جانب ذلك التضليل الإعلامي واكتساب أصوات البسطاء بالترويج إلى شخصية الرجل القوي وان بلداننا لا يستطيع أن يحكمها إلا العسكر وهذا إن كان مرفوض من جهة المبادئ إلا انه مقبول ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية لمحاولة اكتساب الأصوات بشتى الطرق.

وهناك فئة أخرى صدمتهم التجربة الديمقراطية والثورية والإخفاقات والصعاب التي لاقتها خلال المرحلة الانتقالية فاتجهت الى ما يسمى بالتصويت العقابي , فأعيدوا لهم الثقة بهذه التجربة.

وهناك فئة أخرى انجرت للمال السياسي والأساليب الرخيصة كالرشوة الانتخابية بسبب الجوع والفقر فاجعلوا من شبعهم واستغنائهم أهم أهداف الثورة الملحة فهؤلاء ليسوا أعداء بل ضحايا يجب مساعدتهم للتخلص من بؤسهم ولو كان الظاهر أنهم اختاروا البقاء في هذا البؤس .

وهناك فئة أخرى مهمه لم تكتفي بالتصويت لفلول النظام السابق بل قامت بتمويله والحشد له وكذلك دفع الفئات الأخرى وحشرها لتقوم بالتصويت لهم وهذه الفئات لا يمكن أن نلومهم أو نستغرب ذلك منهم وهم المستفيدين من النظام السابق الذين تأثرت مصالحهم ومكتسباتهم بذهابه ويرون أن استعادته ستسمح لهم بالعودة إلى ما كانوا علية ومواصلة التمتع بتلك الامتيازات الظالمة على حساب باقي أبناء المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ناهيك عن السلب والتهب المنظم لمقدرات الدولة المصرية ,, وهنا يجب التأكيد على أن حرية الاستثمار والحصول على امتيازات تشجعية ليس عيب بحد ذاته إنما العيب هو الفساد واستئثار فئات محدودة بالثروة والسلطة دونا عن بقية أبناء الوطن وفئاته الاجتماعية المختلفة وان عهد السرقة والإهدار مقابل الولاء قد ولى بلا رجعة.

وعليه يجب التأكيد على أهمية تكاتف القوى واتفاق القوى الثورية والوطنية لضمان عدم وئد الثورة أو الرجوع للوراء مع احترام قواعد اللعبة الديمقراطية مع العلم أن تكلفة الارتداد عن هذه التغييرات والمكتسبات ستكون مكلفة ماديا وبشريا ومعنويا.

والذي يمكن أن أصرح به كشاهد عيان خلال أدائي كمراقب دولي لهذه الانتخابات في المراكز التي مررت عليها هو مدى التقدم الكبير في سلامة وشفافية الجوانب الإجرائية خلال يومي الاقتراع بشكل واضح مع الحرص على إظهار الشفافية وهذه خطوة ايجابية للإمام يجب المحافظة عليها وتنميتها والعمل على تطويرها لتلافي كافة المشاكل الأخرى وجوانب القصور التي لا تخلوا منها حتى أكثر الديمقراطيات رسوخا.

ومما يجدر الإشارة إلية هو تقديري وإعجابي بكافة المرشحين حتى أولئك الذين حصلوا على نسب تصويتية منخفضة فهذا التنوع العدد والكفاءات دليل على طبيعة بلداننا الغنية بالبشر والولادة وكسر لوهم الزعيم الواحد الذي لا يوجد له بديل فيتعطف علينا بتولية ابنه إذا دنا اجله لتستمر المسيرة .

وانه في ظل وجود انتخابات نزيهة وبيئة ديمقراطية سليمة يجب القبول بخيارات الشعب مع استمرار النضال لمنع عودة الديكتاتورية والظلم والفساد فالثائر الحقيقي لا يناضل لفرض رائية على الآخرين ولكن ليفرض حق الجميع في إبداء آرائهم.

والانتخابات المصرية تشكل تجربة مهمة يجب اخذ الدروس منها ليس فقط للداخل المصري ولكن لكل ثورات الربيع العربي لكي لا تصاب بالصدمة وهيا تواجه مخلفات ومشاكل الاستبداد الذي رسخ أقدامه وزرع جذوره وتمددت فروعه خلال العقود الماضية لتطبع تشوهاته أثرها في أعماق البنية الاجتماعية والإنسانية مخلفة أضرار جسيمة ستأخذ الكثير من الوقت والجهد لمعالجتها وستتطلب الكثير من الحنكة والحكمة كذلك .

تنويه : قد يكون الحديث عن الانتخابات المصرية نوع من التنفيس وبث الأمل ونحن نستعيد ذكرى محرقة ساحة الحرية في ظل الصعوبات التي تعانيها الثورة اليمنية وضبابية الوضع في اليمن فهذه النتائج يجب أن تكون درس كذلك لليمنيين ولقوى الثورة في كيفية التفاعل السليم والواعي مع المجتمع فنحن نعاني من كل هذه المشكلات التي تعاني منها مصر وبشكل مضخم إضافة إلى مشاكلنا الأخرى الكبيرة والمعقدة التي نتفرد بها .