تعلَّم الإفتاء في خمسة أيام.
بقلم/ فؤاد الحبيشي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 13 يوماً
السبت 05 مايو 2012 05:45 م

مع تراكم الأحداث ,و تدافع السنن ,وتتابع المتغيرات ,وتداخل الثقافات والتقاليد والعادات , ظهر على السطح الإسلامي نتوءات شوهت جمالية الإسلام , وأساءت الى سماحته , وتعدت على وسطية , حتى أظهرته بمظهر القادم المرعب ,والزائر الغريب , بل وأصبحت هذه النتوءات حجر عثرةٍ أمام التطور الحضاري , والتقدم العلمي والتكنولوجي.

نتوءات متحجرة ومتصلبة , منها ما أفرزته الحوزات الفقهية المتشددة في المسألة والمتعصبة للراي, والمتصلبة في الموقف. فأنتجت التعصب ,والتطرف , وسوء الفهم , والجمود الفكري .

ومنها ما أفرزته التربية الفاسدة, التي أهملت الفرد وتركته دون رعاية وتوجيه , فأنتجت الإهمال , والفراغ, والتسكع ومنها ما انتجته المؤسسات الرسمية من سوء تخطيط وسوء إدارة واستخدام للموارد البشرية والمادية, ،فأنتجت العشوائية , والعبث , والشعور باللا مسؤولية, ومنها ما افرزه جور الحاكم وظلمه وحيله, ومكره, وإهماله, وغشه لرعيته ,فأنتج اليأس , وحب الانتقام , والإرهاب, والتخلف , وهو أم البلايا , ورأس الخراب.

ومع تراكم المتغيرات جاء سوق العولمة ,لندخل في عصر السرعة , فتقارب العالم ,وتداخلت الثقافات , وتلاشت كثير من التقاليد و العادات , واختلط الحابل بالنابل , وحصل ضعف كبير في الانتماء للهويه ,

وتخصص العالم في كثير من الفنون , وترك كثير من مسلمين أصول الدين, فتنازعوا في الفرعيات , وعمقوا الاختلاف في الجزئيات, كما لم يزل كثير من المسلمين ينظرون الى الشريعة الإسلامية نظرة قاصرة , وذلك للجهل الشديد فيها وبأحكامها , والمتخصصون فيها لا يحضون بالقدر الكبير من الاهتمام أو الاحترام , بينما تحترم كل التخصصات في الفنون الأخرى ولا يجوز لأحد ليس متخصص فيها أن يجادل فيها فلها أهلها الذين يفندونها ...

أما الشريعة الإسلامية فالتدخل في مسائلها وأحكامها من البديهيات المتعارف عليها بين بين أوساط المسلمين , سواء كانوا متمظهرين بالتدين , أو طلاب علم مبتدئين ,أو أشباه علماء , وهم ممن اهتموا بالمظهر فحفظوا بغير فقه وفهم , فكانوا أشبه بنسخ مكررة لا تختلف عن غيرها ,يحركها الباطل من كل جانب, واصبح كثير من أمثال هؤلاء لعبة صغيرة يحركها الحاكم أو الأقوى كالريموت , وبكبسة زر تُحلل , وبكبسة زر تُحرم , ولا حول ولا قوة الا بالله. 

فظهر جيلُ عليل, لا يخشى الجليل ,ولايفقه التنزيل, ولايملك الدليل ,ولا يعرف شيئاً في التأصيل , نسخ مكررة لا تعرف الا الحرام والسيف انهمكوا يحفظون بغير فهم فزاد حملهم وكثر في الدين جهلهم , فلا ظهراً أبقوا ولا ارضاً قطعوا فأساؤا أكثر مما أحسنوا , وفرقوا أكثر مما قربوا , وخدموا أعداء الإسلام من حيث لا يشعرون , وتراكم المستاؤون أفواجاً

جيل توحد في المظهر, فقصر الثوب , ورتب العمامة , وأطلق اللحية , واختلف في المخْبَر فترك أغلب سنن الهادي محمد عليه الصلاة والسلام في المعاملة والأخلاق مع النفس والأهل والناس , بل ومع الخالق سبحانه وتعالى .

جيل أسرتْهُم مناظر الكتيبات وظنوا أن العلم يغني بحفظ بحديث ,فتركوا مراجع الكتب وأقبلوا على الحاشية والتعليق , ونسوا المادة الأصلية التي يدور حولها الشرح , فتشعبوا في الشعاب , وخرجوا من الطاقة بدلا من الباب .

فلما لتفت الناس اليهم يستنكرون عليهم فعلتهم , ضنوا أن الدين غريب وأنهم الغرباء فهتفوا طوبا للغرباء, فأزبدوا وأرعدوا واشتد حماسهم لتدينهم لا لدينهم , فاحترقوا وأحرقوا من حولهم بنار التشدد وسوء الفهم وقلة العلم . فحالهم كإناء من حديد بداخله حصوات , إن حركت الإناء وهززته , أزعجت من حولك, بطنين ما تحدثه الحصوات في الإناء , وإن ملاءته بالرمل لم تسمع له صوتاً ,

ولعدم تعمق أمثال هؤلاء بالدين وأحكامه الشرعية سهل على الأنظمة التلاعب بهم فزجتهم في متاهات وصرعات هم في غنى عنها , بل المسلمون كلهم في غنى عنها.

فاستنباط الأحكام الشرعية وتنزيلها على الواقع ليس بالأمر السهل أو الهين على المبتدئ أو المتعلم أو العالم غير المتخصص .

فمنها ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة , ومنها ما هو قطعي الثبوت ظني الدلالة , وهناك ظني الثبوت قطعي الدلالة , وآخر ظني الثبوت ظني الدلالة ,

وهناك مسألة المفاسد والمصالح , والمطلق والمقيد , وغيرها من الأحكام والمسائل التي تحتاج الى تعمق وتمكن من أهل الاختصاص في هذا الفن الكبير. والولوج فيها بغير علم وتخصص يوقع صاحبها في شباك التخبط وشَرَكِ التعثر.

ولذلك يقول المعلم الأول صلى الله عليه وسلم "إن هذا الدين كالبئر فأوغلوا فيه برفق " . وقال :"..و لا يشاد هذا الدين أحدٌ إلا غلبه"

وللأسف ابتليت الأمه بأمثال هؤلاء , ممن يُوَرِّدُون ويسْتَوْرِدون الفتاوى (السفري) ؟! فتجدها عندهم في أقرب حوزة , أو دار أو مركز جاهزةً معلبة , وبالمجان , وأكثر من ذلك أنك قد تُمنح صكاً بالغفران !! -إن أصبحت زبوناً او عميلا رسمياً -

ومن السهل أن تكون مفتياً , وبخمسة أيام إن أردت !! أطلق لحيتك, والبس العمامة ,ثم التحف ثوباً قصيراً إلى نصف الساق, ثم احفظ حديث الفرق والجماعات , وغربة الدين, وتكالب الأمم, ثم صنف الناس كما تحب , واطلق بعدها للسانك العنان ولا تخش في الله لومة لائم .

ومع احترمنا وتقديسنا للسنن النبوية الشريفة . إلا أن كثيراً ممن نعنيهم جعلوها موضةً اكثر منها سنة وأظهروها للآخرين بمظهرٍ سيئٍ . يُسيئ للدين والتدين . بل وجعلوها مقياساً رسمياً وفاصلاً كبيراً للولاء والبراء . فتخاصموا في دم الذباب , وهان عندهم دم المسلم الموحِّد الذي لا تساوي الكعبة المشرفة قطرة دمٍ منه

قد تجد أخلاقهم فيما بينهم كمجموعة على أحسن ما يكون , أما مع باقي المسلمين -إن كانوا يضنون أنهم منهم – فهم كأسوأ ما يكون معهم .

 يسلم من ألسنتهم اليهود والنصارى , ولا يسلم من شتمهم إخوانهم المسلمون الذين يشهدون أن الا إله الا الله وأن محمدا رسول الله , وإن نظروا إليهم فشزراً , وبوجوهٍ غاضبة عابسة , وكأنهم لم يسمعوا ولم يعرفوا , بقول المصطفى الهادي محمد حين قال:

"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده", وقال:" لا يحلُّ دم امرئٍ مسلمٍ الا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني , والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة" . وقال أيضاً "المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.." وقال أيضاً:" إنَّ أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً" وقال: " تبسمك في وجه أخيك صدقة"

هذه التوجيهات والإرشادات النبوية للمسلمين الذين رضوا بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً , هي للمسلمين نعم وليست لغيرهم , إلاَّ من رغب عنها , فـهو كـما أراد.

إن التعامل المحصور بالتضييق والشخصنة وحب الذات والهوى, يولِّدُ السخرية والنفور . فالناس ليسوا على قلب رجل واحد , فقدراتهم تتفاوت , وأفهامهم تتباين , ورؤاهم تختلف . والتعامل معهم يحتاج الى لين وحكمة ومرونة وتنويع وعرض .

وتقديم الدين يحتاج الى تبسيط , وتقريب, والمسلمون فيما بينهم أولى بالحب والابتسامة والأخلاق الحسنة.