تحليل غربي يطالب السعودية التوقف عن استرضاء الحوثيين.. ويتسائل هل هزيمة الحوثيين هدف استراتيجي لترامب؟ إنفجار غامض يؤدي بحياة سوق الزنداني بمحافظة تعز ... وتضارب في أسباب الوفاه صراعات بين هوامير المسيرة بمحافظة إب: قرارات مالية تهدد أرزاق عمال النظافة وسط انقسامات حوثية استعباد للمواطنين في مناطق مليشيات الحوثي ورسائل تهديد للموظفين بخصميات مالية اذا لم يحضروا محاضرات عبدالملك الحوثي انجاز رياضي جديد لليمن توكل كرمان أمام قمة العشرين: ما يحدث في غزة حرب إبادة وتطهير عرقي عاجل: اغتيال قيادي كبير في حزب الله و رويترز تؤكد الخبر تضرر العشرات من مواقع النزوح.. الهجرة الدولية: ''مأرب التي أصبحت ملاذاً للعائلات تواجه الآن تحديات جديدة'' رئيس حزب الإصلاح اليدومي: ''الأيام القادمة تشير إلى انفراجة ونصر'' اجبار عناصر حوثية على الفرار في جبهة الكدحة غرب تعز بعد اشتباكات عنيفة مع المقاومة الوطنية
شاءت الأقدار أن تُجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة (21 فبراير 2012م) بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة الثورة الشعبية السلمية اليمنية، حيث عاش اليمنيون عاماً كاملاً من النضال المتواصل والصبور، وظلت سلمية الثورة اليمنية عنواناً بارزاً في هذا المشهد برغم كل أساليب ووسائل العنف والقتل والتنكيل التي استخدمها النظام لمواجهة هذه الثورة.
وما يميز الثورة اليمنية هو حضور المسار السياسي كأداة رئيسية فاعلة منذ البداية، حيث كان النظام يحاول جاهداً أن يوظف هذا المسار لتهميش الثورة وتفكيك تلاحمها، بينما عملت أحزاب المعارضة في المقابل على جعل المسار السياسي رديفاً مؤازراً للثورة وحامياً لطروحاتها، وحادياً لتحقيق أهدافها، باعتبار أن أي نضال ثوري هو في الأخير يستهدف الوصول إلى أرضية سياسية تكون قادرة على استيعاب مكونات التغيير المنشود ووضعها في سياقاتها الصحيحة.
وجاءت المبادرة الخليجية (إبريل 2011م) – برغم كل الملاحظات عليها – كرؤية توفيقية مقبولة من الجميع لتشكل نقلة موضوعية للمسار السياسي، حيث كان التنفيذ لها في حينه سيوفر على اليمنيين الكثير من الجهد والدماء والدمار. ومع ذلك أثبتت الشهور السبعة اللاحقة، (من إبريل وحتى يوم التوقيع 23 نوفمبر 2011م) أن تلك المبادرة تظل الخيار الممكن، فخلال تلك الفترة لم يستطع النظام الهروب من المبادرة أو تغليب خياره العسكري، وفي نفس الوقت لم يستطع المعارضون للمسار السياسي أن يحسموا أمرهم وأن يقدموا مشروعاً بديلاً قادراً على فرض نفسه.
وفي هذا السياق فإن ما يُثار الآن من جدل رافض للانتخابات الرئاسية المبكرة، ليس سوى امتداد لرفض المبادرة العاجز عن تقديم البديل الأمثل الجامع وطنياً وشعبياً والمحقق لأهداف الثورة في إطاراتها السياسية والتغييرية.
وما يمكن التأكيد عليه هنا أن الانتخابات الرئاسية المبكرة لم تكن غاية في ذاتها ولكنها – إلى جانب كونها أحد بنود المبادرة الخليجية – تظل أفضل وسيلة وأهم أدوات التغيير السلمي في هذه اللحظة:
- فهي من حيث المبدأ تعني إسدال الستار عن الماضي وإعلان نهاية نظام الحكم السابق بصيغة قانونية وإجماع شعبي، فالذين سيصوتون للفريق عبدربه منصور هادي هم في الأساس يعبرون عن رفضهم لحكم الرئيس علي عبدالله صالح وسياساته وممارساته. وموضوع إسقاط نظام صالح وإنهاء عهده هو هدف من أهداف الثورة. ولذلك فإن الرافضين للانتخابات الرئاسية المبكرة هم رافضين لعملية إسقاط النظام بهذه الصيغة، حيث يفترض أن يكون لديهم صيغة أو وسيلة أخرى سلمية وسلسة وأسرع زمناً وأقل كلفة على مستوى الدولة والمجتمع. ومع الأسف فإن عدم وجود مثل تلك الصيغة البديلة يجعل هؤلاء الرافضين في موقف المدافع عن النظام السابق والحريص على بقاءه، سواء بقاء مطلق أو بقاء مؤقت، لا فرق في ذلك.
- الأمر الثاني: أن إنهاء النظام السابق بصيغة الانتخابات المبكرة هذه، يُعطي خصوصية للمسار السياسي اليمني، ففي ظل الواقع السياسي والأمني والاقتصادي وماحدث من تصدعات اجتماعية عميقة، برز هاجس المقارنة عند البعض مثلاً، وهو أن الحل يمكن أن يكون بتشكيل مجلس عسكري. ومثل هذا الخيار كان سيخلق مشكلة ذاتية بحكم التعقيدات العسكرية القائمة، وسيكرس هيمنة الحكم العسكري، وهو يحتاج إلى فترة انتقالية قد تزيد عن السنتين ويحتاج إلى إعلان دستوري.
ولهذا فإن الانتخابات الرئاسية المبكرة اختصرت المسافات وجنبت اليمن الدخول في صراع جديد، لأن خيار المجلس العسكري يقتضي إلغاء الدستور وحل مجلس النواب، وتعطيل المسار السياسي العام، وهو ما يعني بالضرورة حل المؤتمر الشعبي الحاكم وفقدانه لميزة المشاركة في إدارة الفترة الانتقالية التي ضمنتها له المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
-الأمر الثالث: أن ما يجب التأكيد عليه هو أن الانتخابات الرئاسية بصيغتها الحالية ستعمل على ترسيخ فكرة ارتباط التغيير بالصندوق والاقتراع، ليس في هذه اللحظة فقط ولكن في كل الأوقات. ومن ناحية ثانية فإن هذه الصيغة المجانبة للنهايات الدموية، ستعمل على خلق حالة من الاطمئنان النفسي في الأوساط الشعبية والرسمية وستجعل الناس يتعاملون مع المرحلة القادمة بروح جديدة.
ولأن الانتخابات الرئاسية المبكرة لم تقم على الفرز أو التمييز المسبق، فإن من أبرز إيجابياتها أيضاً أنها أتاحت الفرصة لمختلف المكونات الاجتماعية بما فيهم الفئات الصامتة، المشاركة في إغلاق ملف المرحلة الماضية، وبالتالي المشاركة في رسم المسارات الجديدة للثورة اليمنية.
- الأمر الرابع: أن الانتخابات الرئاسية المبكرة، باعتبارها أفضل الخيارات المتاحة لاختصار المسافة الزمنية، تعني إسقاط المشاريع الصغيرة التي كانت تعلق شماعتها على النظام السابق، وهو ما يضع أصحاب هذه المشاريع أمام الأمر الواقع، فإما أن ينخرطوا في إطار المشروع الوطني العام وإما أن يتحولوا إلى جماعات معارضة. وتحولهم إلى جماعات معارضة سيفرض عليهم أن يتبنوا النهج السلمي وأن يكيفوا أنفسهم بناءً على ذلك، لأن تبني العنف أو الاستمرار فيه سيقدمهم للمجتمع كحلفاء للنظام السابق نفسه، وسيدحض حججهم المتعلقة بالمظلوميات التي كانوا يطرحونها، وسيحرمهم من فرص المشاركة في الحوار الوطني والاستفادة من مخرجاته.
وأخيراً: لابد من التأكيد هنا أن الانتخابات الرئاسية المبكرة بصيغتها المعلنة، هي شكل من أشكال التسوية السياسية التي قدمها الأشقاء والأصدقاء كحل واقعي، ليس بالضرورة أن يكون مرضياً 100% ولكنه حل مقبول. ونجاح هذه الانتخابات هو نجاح للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهو ماسيعمل على فتح آفاق واسعة لمستقبل العلاقات اليمنية مع الأشقاء الخليجيين والأصدقاء المانحين، لأن فساد النظام السابق أوجد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وحرم اليمن من الدعم الإقليمي والدولي الجاد، بل وحول اليمن إلى بؤرة قلق دولي.
وهنا تكمن أهمية الانتخابات الرئاسية المبكرة في أنها تشكل في ذاتها محطة عبور إلى مرحلة من الاستقرار، وذلك في سياق ما سيترتب عليها من حوارات شاملة لحل مختلف القضايا الوطنية، حيث سيتفرغ الجميع للعمل على ترميم الاختلالات ووضع اللبنات الأساسية لبناء مستقبل آمن يحفظ حقوق اليمنيين جميعاً، ويعمل على إيجاد شراكة فاعلة مع الأشقاء والأصدقاء قائمة على جسور من الثقة والاطمئنان.