لماذا نؤيد اللقاء المشترك؟
بقلم/ محمد العلائي
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 15 يونيو-حزيران 2011 03:58 م

إليكم هذه البديهية أولا: أحزاب المعارضة، لمن لا يعرف، هي مكون أصيل من مكونات النظام السياسي الذي نطالب بإسقاطه. وهي الآن تقوم بدورها الطبيعي في قيادة التحول والتغيير من داخل النظام نفسه وليس من خارجه. مع إن الإصلاحات التي من المنتظر إجراءها ستكون جوهرية على نحو لا جدال فيه، وربما ستؤدي إلى تبديل شبه كامل لشكل النظام القائم.

وهي لا تلعب هذا الدور إلا لأنها القوة الوطنية المنظمة الوحيدة التي قاومت الفناء طيلة صراعها المديد مع السلطة الحاكمة، في حين أن الجماعات والفصائل المعارضة الأخرى، المسلحة والعزلاء، ليست ذات نفس ومنزع وطني. فهي تتبنى مطالب وترفع رايات فئوية أو طائفية أو جهوية، ونشاطها لا يغطي كل جغرافية البلاد. ولهذا أخفقت جهود اللقاء المشترك خلال السنوات القليلة الماضية، في بناء قواسم مشتركة متينة مع هذه القوى والجماعات، وبالذات الحراك الجنوبي والحوثيين، مثلما ستفشل معها أية سلطة وطنية عليا قد تنبثق مما يسمى بـ"الشرعية الثورية"، أي تلك السلطة التي من المتوقع نشوئها بعيد سقوط النظام الحالي، وحين تجد البلاد نفسها في لجة فراغ سياسي ودستوري وفوضى شاملة.

وثنائية الفراغ والفوضى، هما الشيئان اللذان يتجنبهما اللقاء المشترك، ويحول دون تدحرج الأمور إلى هذا المآل المظلم، وكذلك المجتمع الدولي. وقد عبرت مرارا عن انحيازي التام لهذا التوجه، أي الانتقال عبر الدستور الحالي، الذي أراه ضمانة وحيدة لكيان الدولة من خطر التمزق والتلاشي في ظل غياب قوة وطنية تحكيمية محايدة تضبط إيقاع الصراع. إلا إذا حالفنا الحظ بتدخل عسكري خارجي، على غرار "فجر الاوديسة" في ليبيا، وهذا مستبعد طبعا.

وحينما أقول أن اللقاء المشترك "قوة وطنية"، فأنا أشير تحديدا إلى الحيز المكاني لنشاطه الممتد على كامل مساحة اليمن، وأشير أيضا إلى التزامه، نظريا على الأقل، بالتعبير عن اليمنيين كمواطنين بغض النظر عن انتمائهم الجغرافي أو المذهبي أو الطبقي, وأشير كذلك إلى تقيده بمبدأ وحدة الأراضي اليمنية من خلال موقفه الثابت من مساعي التمزيق والتفكك.

ولا يعني كل هذا عدم الاعتراف بمظلومية الجنوبيين أو شعور الحوثيين بالتمييز. فالمشترك يسعى لانجاز تسوية تاريخية لكل هذه النزاعات في إطار الوطن الواحد، بمعنى أنه يريد الاستجابة للمطالب ومعالجتها لكن بما لا يؤدي للتجزؤ والانقسام. من هذا المنطلق كان يرى أن جانبا كبيرا من هذه الاضطرابات والتمردات، له علاقة باختلال عميق في بنية النظام السياسي، وعدم ملائمته لتركيبة البلد ولسيرة حياة الدولة اليمنية حديثة العهد.

أكتب عن اللقاء المشترك بحماسة قد يراها البعض غير مألوفة. وهذا غير صحيح، فلطالما كان هذا الكيان الكبير موضع رهاني الدائم. ليس لأنه تجسيد للكمال، بل لأنه الممكن والمتاح. أعطوني ائتلاف سياسي معارض بمثل مواصفاته في اليمن إذا أردتم لوجهة نظري أن تتغير. اللقاء المشترك يكتسب أهميته الحاسمة بالنسبة لمستقبل ومصير اليمن، من هذا الغياب المفزع لقوى معارضة وطنية بديلة.

قبل سنتين تقريبا، كتبت أن أحزاب اللقاء المشترك وحدها هي من يعتنق نهج اللاعنف كاستراتيجية مثلى وغير قابلة للاستبدال. كنت حينها أحض المشترك على مغادرة طاولة الحوار والنزول للشارع، وقلت أنه بقليل من التفكير، سيجد المرء أن حاجة النظام الحاكم للتفاوض تفوق حاجة المشترك. هكذا يقول منطق الأشياء.

وأحسب أنني غني عن القول بأن المعارضة في أي ديمقراطية، أكانت حقيقية أم زائفة، تؤدي وظائف حساسة من شأنها الحيلولة دون اختلال موازين القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، أي بلد. ففي مقالة نشرتها الاتحاد الإماراتية، يعترض برهان غليون على القائلين بأن المعارضة ليست أداة التغيير الرئيسية في النظم السياسية، وبشكل خاص الاستبدادية، "فهي (المعارضة) تستمد أهميتها من أنها الوسيلة الوحيدة للتغيير داخل النظم، وحفظها من الفساد والانحطاط، وبالتالي ضمان ألا يتحول الحكم السياسي، مهما كان نوعه، إلى حكم العصبية، والولاءات الشخصية المدمرة لروح القانون والعدالة، والمخربة للأوطان والأعمال".

ويجادل غليون بأن المعارضة عادة لا تستمد شرعيتها من مقدرتها على التغيير وقلب نظم الحكم، وإنما من قيامها بوظائف أخرى ضرورية حتى من دون تغيير النظام. ومن هذه الوظائف التي يقترحها المفكر السوري، والأستاذ في جامعة باريس: "عقلنة حركات الاحتجاج، وترجمتها إلى مطالب سياسية يمكن النقاش فيها، والتفاهم من حولها. وإلغاء المعارضة أو تغييبها يخلق فراغا كبيرا لا يمكن لأي حزب حاكم مهما كان نوعه ملأه".

والافتقار إلى المعارضات السياسية الشرعية والقانونية، يشرح غليون، يهدد بتحويل أي حركة احتجاج أو اعتراض أو نزاع، مهما كان حجمها، ومحدودية مطالبها، وضيق مجال انتشارها، إلى ما يشبه الثورة أو التمرد على النظام، بقدر ما يحرم المجتمع من آلية التوسط التي تمثلها المعارضة بين المصالح الخاصة والعامة. وبكلمات أخرى، المعارضة تعمل على "تحويل حركات الاحتجاج إلى مطالب سياسية، وتجنيبها الانخراط في منطق الانشقاق والتمرد والمواجهة"، بتعبير برهان غليون.

تقف البلاد على مفترق طريقين لا ثالث لهما، إنها في النقطة التي يطلق عليها الكاتب السوري المعارض ياسين الحاج صالح "مرحلة الاستعصاء السياسي المديد المنهك للبلد، على نحو سبق أن رأينا نظائر له في لبنان، وبصورة ما، في العراق". وهذه المرحلة تتميز بنوع من توازن القوة السلبي، بحيث يصبح معها النظام عاجزا كل العجز عن تصفية الانتفاضة، والمضي قدما في تثبيت حكمه من جديد، في مقابل عجز الانتفاضة وقوى المعارضة عن إتمام الإطاحة بالحكم بشكل كامل، واستئصال أو إخضاع أجنحته وركائزه، والتأسيس على أنقاضه لسلطة انتقالية بديلة.

بمعنى آخر: الحسم لا يمكن أن يكون من الآن فصاعدا إلا سياسي أو عسكري. المنطق الاستئصالي الراديكالي الذي ينبذ التسويات السياسية وكأنها وباء، يقود حتما إلى الصدام المسلح. وحتى لو نجحت العسكرية الثورية في إسقاط السلطة هنا في صنعاء، فلا شيء يضمن عدم نشوء سلطة مضادة، أو سلطات مضادة، تثير القلاقل وتقود الهجمات لمدى بعيد.

من يتطيرون أو يتندرون من اللقاء الذي جمع قيادات المشترك أمس بالنائب، يعرفون جيدا ان المشترك لو رفض أي عملية سياسية وانحاز للحسم الثوري العسكري متجاهلا الضغوط والمخاوف الدولية، سيأتي من يلومه لأنه افقد الثورة سلميتها، ولأنه فضل العنف من اجل الدفع بالقيادات العسكرية إلى السلطة ضمن خطة مدبرة من الإصلاح، وثرثرة من هذا القبيل المؤامراتي الصرف.

لكن لا أحد يطرح أفكار تتضمن مخارج عملية تصون البلاد، وتجنب الثورة غول السياسة، كما يعتقدون، وغول الخارج، مع أن محمد حسنين هيكل في حديثه للجزيرة، قبل يومين، عبر عن خوفه الشديد من اندلاع حرب أهلية دموية في اليمن، لكنه تمنى من السعودية ومصر أن تساعدا اليمن من اجل انتقال آمن.

يقول ياسين الحاج صالح في سياق حديثة عن الاحتمالات التي تنتظر الانتفاضة السورية: "ربما يقال إن الوقائع العنيدة أقوى من الأفكار الطيبة، وإن الواقع المعاين هو عنف مطلق يمارسه النظام ضد احتجاجات سلمية، عادلة ومشروعة، فما جدوى الكلام على تسويات وحلول سياسية؟ هذا الكلام صحيح كتحليل، لكنه ليس مجدياً كعمل. السياسة منطق عملي غير حتمي، وفي العمل يمكن أن تظهر ممكنات جديدة في كل وقت، وأن تنفتح أبواب التسويات والحلول التفاوضية من حيث لا يتوقع أحد".

الآن يا شباب الثورة، إما أن تعملوا من اجل أن تكلل انتفاضتكم نجاحها سياسيا عند هذه الكلفة المستحقة والبسيطة مقارنة بما يمكن أن يحدث، مع احتفاظها بطابعها السلمي الخالص، واقصد بالنصر السياسي تلك لحلول التفاوضية السياسية لكن الملبية لشرط التغيير الذي تتوقون إليه. وهذا ما يحاول القيام به اللقاء المشترك خطوة بخطوة. وإما أن تدخل الثورة مرحلة من العمل المسلح يكون جناحها العسكري وحلفائها من القبائل والجماعات المسلحة في صدارتها، ضد الجيش الموالي للحكم وحلفائه من القبائل المسلحين وأجهزته الأمنية.

أظن أن زمن الساحات، كأداة حسم، أصبح من الماضي. لقد أنجزت مهمتها. فالحكم سقط، لكنه لم يموت. اتركوا المسار السياسي يأخذ نصيبه، وإلا فالأمور تلقائيا، إذا انسد هذا المسار، ستنحدر في طريق الحرب. ربما سنتحدث حينها عن مجلس انتقالي وما شابه .

احمد صالح الفقيهالهمجية والحضارة
احمد صالح الفقيه
مشاهدة المزيد