الشرعية الجمهورية ونكبة تصفية الحسابات
بقلم/ د. عبده سعيد مغلس
نشر منذ: سنة و شهرين و 8 أيام
الجمعة 01 سبتمبر-أيلول 2023 05:22 م
 

نحن نعيش مقولة المسيح عليه السلام (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) وهي تلخص المشهد الذي حاول به اليهود احراج المسيح برجم المرأة المتهمة بالخطيئة دون بينة.

وقد حذر الله من الظن كثيراً في آياته وكيف أنه يقود الإنسان للهلاك، والمجتمعات للريبة والشك والظنون وصراعاتها، وقد حسم الله في محكم تنزيله مسألة الظن بقانون التَبَيُّنْ يقول سبحانه ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ﴾ [الأنعام ١١٦] ﴿وَمَا یَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا یُغۡنِی مِنَ ٱلۡحَقِّ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ﴾ [يونس ٣٦] ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [الحجرات ٦].

وانعكاساً لمآلات حرب العدوان الإمامي الحوثي الإيراني، على الشرعية الجمهورية، وحرب الشرعية الجمهورية، مع هذا الإنقلاب الإمامي، تنطلق بين الفينة والأخرى في صفوف الشرعية الجمهورية، حملات عن الفساد، وهي بحسب ظني، حينما تُغفل المشهد الكلي للواقع، الذي تعيشه وتواجهه الشرعية الجمهورية، وتبرز هذه الحملات بهبات متباينة، ليست ضمن مشروع مكتمل

الأركان والأليات لمحاربة الفساد، فهي بهذه الكيفية لا تهدف لمحاربة الفساد، في صف الشرعية الجمهورية، بل تهدف لتصفية حسابات وتباينات مختلفة في صف الشرعية الجمهورية بعنوان محاربة الفساد. فالفساد وفقاً للقانون الدولي هو (ظاهرة دولية شائعة توجد في جميع البلدان مهما بلغت نزاهتها وتقدمها، لكن تختلف نسبته من دولة لأخرى وفقًا لنظام كل دولة في مكافحته والإدارة السياسية والقانونية للبلد، ودور الأجهزة الرقابية والشرطة في التصدي له). والفساد ظاهرة إجرامية تؤثر سلباً في الأخلاق والاقتصاد والسياسة وإذا تُركت تضر المجتمعات والشعوب وتحول دولها لدول فاشلة.

واليمن يعيش الفساد كظاهرة سلوكية واخلاقية ووظيفية، متجذرة في المجتمع اليمني بكل مكوناته، ومختلف مستوياته، من البيت للوظيفة العامة. ولا نمتلك شجاعة الاعتراف بأن الفساد ظاهرة طاغية في المجتمع، على المستويين الرأسي والأفقي، وهي ظاهرة متجذرة في المجتمع اليمني منذ زمن حق ابن هادي، حتى رجّال احمر عين، إلى زمن الخُبرة بديل الخِبرة، والفساد الظاهرة، أصبح سلوك عام في المجتمع اليمني، ولم تتكفل بمواجهته بمشروع متكامل، أي سلطة عندما كانت الدولة حاضرة، بمؤسساتها الدستورية والقانونية، وأجهزتها التنفيذية والقضائية والرقابية والبرلمانية، ومحاسبة الفاسدين ومعاقبتهم، بل تم تشجيع ممارسة الفساد وحمايته، كونه أداة هامة من أدوات سلطة العصبية للحكم وكسب الولاءات.

جميعنا ندرك أن الفساد كارثة دمرت اليمن، والوضع الذي نعيشه نتاج له، ويمكن القول أن الفساد في زمن الحرب يرقى للخيانة العظمى، ومحاربته واجب دستوري، وقانوني، وأخلاقي. لكن محاربة الفساد والمفسدين، تتطلب وتستوجب شروطاً موضوعية، منها على سبيل المثال، وجود مشروع متكامل لمحاربة الفساد، له مؤسساته وأدواته، واهم ركيزة في هذا المشروع هو وجود دولة القانون ومؤسساته المستقرة، فهل نحن في ظروفنا هذه نمتلك اليوم هذه الدولة ومؤسساتها واستقرارها، أم نحن نسعى لاستردادها من الانقلاب الحوثي الإمامي.

وبقولي هذا لا يظن البعض أني مع الفساد والمفسدين، بل هو قول يضع الأسس الحقيقية والموضوعية لواقعنا، وتحديد أولوياتنا، لمواجهة الواقع الذي نعيشه، فكما سبق أن أوضحت بأن الفساد جريمة كبرى في زمن الحرب تصل حد الخيانة، لكن الجريمة الأكبر تكون بتوظيف عنوان مكافحة الفساد، بهدف تصفية الحسابات، بين قوى ومكونات الشرعية الجمهورية، وأقول أنها جريمة لأنها العنوان الأبرز، الذي أبعدنا عن هدفنا الحقيقي، اسقاط انقلاب الإمامة وأدواتها المليشيا الحوثية الإرهابية، كما أنه مزق نسيج الشرعية الجمهورية وتكاتفها، وأوصلنا لما نحن فيه، بحلقاته ومحطاته المتتابعة، منذ تعامل المنتصر بعد حرب صيف ٩٤، والحروب الستة، وحيا بهم في الساحات، واحداث دماج، ومقتل القشيبي رحمه الله، وسقوط عمران، وسقوط صنعاء وعدن وتعز وكل المحافظات، وحصار الشيخ صادق الاحمر رحمه الله، ومقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح رحمه الله، ومقتل العديد من القادة العسكريين الأبطال رحمهم الله، والانسحابات والتراجعات التي ادت لسقوط فرضة نهم،ومحافظة الجوف، ومديريات الحديدة، ومديريات مأرب، وغيرها مما يطول رصده، وكلها محطات كارثية، لم يتم التوقف عندها للمحاسبة والتقييم والتقويم، وكلها صبت في صالح العدو المشترك للشرعية الجمهورية، مليشيات الحوثي الارهابية، وهذا الواقع المتراكم دون حساب أو معالجات، أفرز كل النكبات التي حلت باليمن، الدولة والجمهورية، والشعب والأرض، وكلها نكبات عناوينها مختلفة، لكن عنوانها الحقيقي هو تصفية الحسابات، بين مكونات الشرعية الجمهورية، ونحصد اليوم حصادها المر، وكلها تمت دون توقف من الشرعية الجمهورية، للتقييم، أو التقويم، أو اليقظة، لأن الكراهية أعمت البصر والبصيرة. اليوم تُكرر مكونات الشرعية الجمهورية نكباتها، بالتراشق بين مكوناتها باتهامات الفساد، تاركين العدو الحقيقي لشرعيتهم وجمهوريتهم، يكسب المواقف والمواقع، على حساب تفرقهم وتشتتهم وتصفية الحسابات فيما بينهم.

ليس هناك خيار اليوم أمام الشرعية الجمهورية، غير الاستفادة من نكبات الماضي، والعمل بصدق وجدية، للخروج من نفق تصفية الحسابات، وكيل الاتهامات، فهو نفق قادهم بمحطاته المختلفة لتصفية بعضهم، ولتسليم الجمهورية للإمامة.

على الشرعية الجمهورية، الاتجاه نحو هدفها الرئيسي والوحيد، استعادة مؤسسات الدولة، وبناء الدولة الاتحادية، وتفعيل القانون ومؤسسات الدولة المختلفة، القضائية والرقابية والضبطية وغيرها، وتقديم الفاسدين مع الأدلة التي تدينهم لمحاسبتهم، فجرائم الفساد جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. وجرمها وقت الحرب يضعها في هذا المصاف، وقد حددت الدول والاتفاقيات، جرائم الرشوة، والاختلاس، وغسيل الأموال، واستغلال السلطات والنفوذ، ضمن جرائم الفساد في القانون الدولي، حيث تصبح سلطة القانون الدولي، أعلى من سلطة القانون الداخلي، ولقد وضعت عقوبات شديدة ضد الفساد وصيغت اتفاقيات دولية عالمية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد التي تم التوقيع عليها من 180 دولة، ووقعتها اليمن في ٢٩ سبتمبر ٢٠٠٣ ودخلت حيز التنفيذ في ١٨ ديسمبر ٢٠٠٣.

الواجب المطلوب عمله اليوم، هو الاتجاه جميعاً لخوض المعركة الأساس، اسقاط انقلاب الإمامة واستعادة الجمهورية والثورة، وفي نفس الوقت على قيادة الشرعية الجمهورية، بمكوناتها واحزابها المُحاصِصَة والمشاركة، ترشيح أنزه وأقدر المسؤولين، للوظيفة العامة، وعلى السلطة الرابعة بمنظماتها ونشطائها وصحفها وكتابها، مراقبتهم وعد انفاسهم، وتثبيت فسادهم إن وجد بأدلته في ملفات، لتُستخدم للحساب بعد الانتصار، ومحاسبة الفاسدين، وعلى الجميع التفرغ والتوجه لمعركة الجميع اسقاط الإمامة واستعادة الجمهورية والثورة ومؤسسات الدولة.