نحس الوطن(!!)
بقلم/ سام عبدالله الغباري
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 8 أيام
الأربعاء 07 سبتمبر-أيلول 2011 11:27 م

* هي أشياء لا تُـشترى .. و منها طغيان المفردات الحبيسة على صخب الحياة ، أحلام من عاشوا طويلاً وعاصروا تقلبات الزمان تعصف بهذا و ذاك ، تنهض دول و تتراكم سيئات أخرى . شهور تقضي مناسك العمل و بعضها تلوذ بالهدوء و تشتري رأسك .!!

* هذه المشاهدات البسيطة تحمل تاريخاً طويلاً يحفر في وجه المرء أخاديد العمر العتي .. و ينتهي ببلوغ الأجل ، لكن سيرته الذاتية تعطي مفردات النضوج لمن بعده ، فتلهمهم و تمتع أجواء القراءة الشائقة بعبق التجربة الفريدة ، و حِكم الماضي و عِـبره .. حين أقرأ تاريخ الأندلس يقبضني خانقٌ بمرارة و أرى انهيار العصور الإسلامية في لحظة نزق طائش .. أفقدت "ملوك الطوائف" خبز العيش و أماني القصور الفارهة .

* دائماً ما تقضي الأحلام المتوترة على صاحبها ، و تمتد حتى تلامس أقدام القلق ، و يغرس الاكتئاب تحوله إلى وطن يقضي عليك و ينتزعك من الوثير إلى الحصير. حينها لا يمكنك أن تشاهد الرحمة و قد أسلمت ذاتك للشيطان و الشر. و هنا يأتي الحوار كعامل إجماع لو خاضه "ملوك الأندلس" لحافظوا على أثر الإسلام و أبقوا هناك متنفساً لنا و لهم ، أبادوا حضارتهم ، و شردوا أبناءهم فصاروا بقايا ملوك غابرين لا يحترمهم تاريخ و لا يحضنهم متسع في الحياة الواسعة .

* ليس اليوم ببعيد عن خاصرة الأمس ، و لا في تراجم ما مضى لغز عصي عن الفهم و الإدراك ، إنما هو "العناد" و حدة الإقصاء ، و لغة الإسقاط آثرت غيرهم على بعضهم فتمزقوا شذراً ، و أهلكوا ذريتهم و أغضبوا ربهم .!!

* الحفاظ على جوقة العازفين لا يمنع من نشاز اللحن ، و الحفاظ على الفكر لا يمنع من تطرف الثقافة ، غير أن التطرف يبقى في مربع الوطن حديثاً قابلاً للتأويل و الأخذ و الرد ، و إلى أن يتجاوز هذا المربع يصير الدم وقوده المستمر و هذيان العائلات التي لا تكف عن النواح ، و الألم البعيد .

* في "أرحب" سكن الجيش طويلاً .. ظل عناصره في أماكنهم عيوناً ساهرة يتربصون بالمعتدي من خارجها على سكان أهلها ، فجاء من أفتى و أمر : قاتلوا الذي يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ..!! ، فاندفع المئات يقودون أكفانهم قبلهم ، ضربوا الجيش الذي يحميهم .!! و صار قتلى الجنود أنجاساً لا رحمة لهم ، و قاتليهم ثواراً في معركة الغرابة و الفحش الرهيب .

* رمي الأبرياء إلى أتون معركة لا مبرر لها ، و في فتنة لا حدود لها ، و بين أهلهم و ذويهم و جنودهم .. مأساة من فقد الهداية ، و تمسك بالتطرف منهجاً و سبيلاً للوصول إلى غايته ، و لن يصلها (!!) و إن راكم الناس فوق بعض ، و أفتى بما يفقده ماء وجهه و يبرئه من دينه و آخرته .

* هذه تجمعات العقائد .. و عقائد الفكر الضال ..و ضلال من لا يظلهم الله تحت ظله .. و نزاع من يأتي بالخطاب إلى أهل اليمن و ليس له أصل يُـحدّث به الأمة ، إلا على ظهر دبابة أحيت قواسم العزلة و أمعنت ثأرها على من ساعدها في الوصول لكل زوايا الفساد و النفوذ .

* تكريس من يأتي للسلطة على مشانق الحكمة و بوادر الفوضى و آثام الخلاف .. سيزرع في الوطن جذور كراهية و دأب قبح و عزيزه مُـذل ، و ذليله مُـهان .. و سينتهي أمره بخيبة أمل أورثت تراكماً مرعباً من أجساد البشر فوق كاهله المثقل بأبرياء من سفكهم في شمال الشمال .. و أوقد من لهجته الباردة سعير حرب لا تتوقف بحسم أزمة الاقتسام على مغانم الكعكة التي أدهشنا "الرئيس" بوصف وطنه الذي جمع شتاته بزبد أثار الشبق و الطمع على كرسي الزعامة و الصراع الذي يعني انتحار الرأسين الغليظين معاً ، و في دمهما ما يؤجج أحقادا بلغت بالوطن حد الانفجار الذي سيأتي لا محالة . و به تستقيم النفوس الجائعة بإشباع رغبتها المدوية في الدماء و الخراب .

* لا شيء يضللني بالسكينة سوى محراب الصلاة ، أرى ما أراه و تلفحني حرارة اللئام في إذلال بعضهم بكياسة الصابرين ، و لا صبر يودي بهم إلى تعقل الحل و السعي نحو المخرج الفاضل .. (هـم) يرعبون السائر بأحقاد النفايات التي أخرجوها دفعة واحدة على سائر معاملاتهم ، و في شعاراتهم ما يقزز النفس و يطرد الأسباب ، و يتعوذ من نتائج ما يُـدبرون . و (أولئك) متخمون بالعفونة حد الرذيلة ، يحسبون أنفسهم أنصاف آلهة لا يجوز لها أن تنزل عن عرشها الفاسد أو تغادر أمكنتها المدججة بغابات الفجور و أوتار المجون و البغي الفاضح المسعور ، تعرف أن حقها يكمن في إعادة صياغة العقل مجدداً على وصفة جار خليجي يشمئز لحالنا الرث التعيس و يٌـلقي في أحلامنا حكايا المبادرات الناقصة ، و قد رفضها اليوم شيوخ تأثروا بالطيش و هو لشبابهم فلم يبقوا لأصدقائي الثائرين مكاناً للبحث عن مرجع صار أحمق منهم .. و تولى عقله خلف أدبار السموم و مساعي الحقد و الانتقام .

* من يُـبصرنا بحل يقينا مغامرات الأرض و هي أقرب إلينا من شهوة المصير و قد فقدنا بصيرنا و بصائرنا ، و رفضنا شريعة الله ، و نسجنا من فراء الدب صيداً ثميناً و كتبنا بمخالب الذئب فقه شريعة الغاب و أنزلنا صقوراً جارحات من فضاء كان لهن أن يهمن فيه و بيننا فراغ لا يقاربنا الصراع ، إنما هو ذنب العاصي على الغافل ، يُـؤخذ به و لا يتوب في آخر عمره المهين و قد أضنى كل شيء صادفه في حياته بالنحس و البؤس و الفسق اللعين .

* هكذا نحن اليمانيون .. شدادً غلاظ .. بؤساء في عمرنا و حياتنا ، فقراء بالفطرة ، و حين أسعدنا الله تعالى دعوناه : أن باعد بين أسفارنا .!! ، فصرنا يمزق بعضنا بعضا و نعدو فيذهب ريحنا .. و حين أرانا اليوم قد وحّدنا نظام نتوق بكل جوارحنا أن نراه يغادرنا و قد تفرق أهله شيعاً .. نكرر دعوة النحس بتمزيق أرضنا و صراع أهلنا و إسقاط ما غاب عنا .. و ما خرجنا إلا بحثاً عنه ، لكن ثقافتنا الغائبة و تاريخنا الذي لا يقرأ يفر من أصابعنا المتسخة بالتراب ، و أعيننا زائغات .. ضائعات . لا نكاد نمسك شيئاً حتى ندور به إلى أقاصي الدنيا و هو تقليد لا يؤسس لميراث تغيير حقيقي أنجب من هذه الأرض رجالاً حددوا مسار شعبهم و أضاءوا حياتهم بقبس من نور الله .. لكن من يؤسس و من يُـعطي و فاقد الشيء لا يُـعطيه .

* في الفصل قبل الختام نؤكد : صراعكم أيها القابعون في بؤر النار لا يعنينا . فنحن لا نكترث لشيء إلا أن نرى الحياة تمضي بنا و ابتسامة الحق تعلو وجوهنا ، و سماحة الرضا تسعى إلينا ، فمنذ دعا صاحبنا القديم على أهله و شعبه .. و صار أبعدنا أتعسنا .. و البؤس قاطن بيننا ، لا يغادرنا و لا نغادره .. أتركونا و شأننا .. عله يرحل برحيلكم جميعاً .. و يتركنا و يعتق رقابنا من رجس القتال الذي ينتظرنا .

* والله مولانا ولا مولى لكم.

Samgh4u@yahoo.com