مقتل بن لادن .. أسئلة تستدعى أخرى!!!!
بقلم/ عبد الله زيد صلاح
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 04 مايو 2011 03:55 م

من الشائع في الفكر الغربي أن العقل العربي مرتهن في تفكيره للأشياء الجزئية، أو جزئي التفكير في أثناء تناول الأشياء، فهو في مداه لا يتجاوز مواضع الكلأ وعمود الخيمة وحبات رمال الصحراء...... وانطلاقاً من هذا المبدأ الذي يؤمن به الإنسان الغربي ويستند إليه في تفكيره ويحدد بموجبه ملامح علاقته مع شعوب العالم العربي سياسياً وثقافياً واقتصادياً وعلمياً.... يتجلى هذا النمط المعرفي والحياتي كأحدى ركائز الفكر الغربي، بينما يتجلى العقل العربي كما يراه الآخرون، فهو مرتهن في سياساته إلى الغرب المتحضر؛ لأنه يرى فيه المثال أو الأنموذج الذي يجب أن يحتذى في السير...هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يظهر كسيحاً في تفكيره وتناوله لقضايا العصر، وفي هذا الفعل تسليم مطلق بفكرة أن العقل العربي جزئي في فهمه وتفكيره...

قد نستفيد من هذا المدخل في سياق قراءة مقتل إسامة بن لادن وما أتبع إعلان مقتله من تباينات في الآراء والمواقف... وهي في مجملها توحي ـ كذلك ـ بعجز العقل العربي عن التأمل وإطلاق رباط الخيال لتشريح ظروف مقتل الرجل ـ إن كان حقاً قد قتل في اللحظة الزمنية الآنية ـ وطرح تساؤلات مهمة تتداعى إلى الذهن بدون عناء، من مثل :لماذا أعلن عن مقتله في هذه اللحظة الزمنية بالضبط؟ وهل كانت إمريكا بالفعل عاجزة عن الوصول إليه من قبل؟ وما مصداقية العثور على الرجل في قصر يقرب كثيراً من عاصمة باكستان، ويتسم بالفخامة، وقوة التحصين وعلى عكس ما أظهرته في حادثة اعتقال الشهيد صدام حسين؟، وهل كان بعيدا فعلاً عن العيون وعسس الليل؟ وهل استحال كشف المكان من قبل عملاء البنتاغون والموساد ومن والاهم؟..... هذه التساؤلات وسواها الكثير، ينبغي التفكير فيها قبل التصديق بفكرة مقتل إسامة بن لادن، أو في أثناء مناقشة سياقات مقتل الرجل.

إن إعلان الإدارة الإمريكية عن مقتل بن لادن في هذه اللحظة الزمنية بالذات يفتح الباب واسعاً أمام كم كبير من التداعيات المنهجية، من حيث ارتباطها بسياقات معلوماتية سابقة تخدم مقولة أن إسامة بن لادن ما هو إلا أداة أمريكية أو بالأحرى فزاعة تستثمره قوى الشر في الإدارة الأمريكية لفرض هيمنتها على الأمة الإسلامية وتسليط أصابع الاتهام عليها متى شاءت؟!! وفي لحظة شعور تلك القوى بإشباع رغبتها وتحقيق استراتيجياتها سارعت بالتخلص منه حتى لا يكون عبئاً عليها في سياق مشروعها الجديد أو ما تعتمل تنفيذه من استراتيجية حديثة في العالم الإسلامي، ولاسيما في ظل تشكل عالم عربي جديد، لا يشكل أدنى تهديد لها أو لحليفتها الأقوى إسرائيل.

إن قوى الغرب اليوم وفي طليعتها أمريكيا تؤمن حقيقة الإيمان أن العالم الإسلامي وخصوصاً بؤرته العالم العربي لا يحتاج إلى مزيد من التآمر حتى يسقط جثيا، فهو في ظل ما يمر به من ثورات كفيل بالصمت المطلق لعشرات السنين إن لم يكن أكثر؟ فثمة دول تعيش حالة حرب أهلية لن تقوم لها قائمة بعدها مثل ليبيا، ودول أخرى مؤهلة للحاق بها كسوريا واليمن ولبنان، ودول أخرى ستظل تداهن كثيرا شعوبها حتى ترضى عنها كدول الخليج، ودول ستكون ألعوبة بيد الشارع تحركها متى تشاء وكيف تشاء؟ كالعراق وتونس ومصر. بل إن الأدهى من ذلك وهو أكبر عامل اطمئنان للغرب هو تمكن هذه الثورات من إحداث شرخ كبير عمل على خلخلة النسيج الاجتماعي في كافة الدول العربية، يأتي ذلك في ظل اللعب الخبيث على مسألة الطائفية والمذهبية، وهي الطامة الكبرى التي قصمت ظهر البعير، بل وستودي بالعالم الإسلامي كله إلى الهاوية، ولاسيما وقوى الاستعمار تضرب على هذا الوتر بقوة بغية التخلص من أكبر عدو لها في المنطقة، وهو إيران النووية ...

إن ما سقناه ذو صلة وثيقة بإعلان مقتل إسامة بن لادن اليوم... فلماذا لم نطرح احتمال أن أمريكا قتلت الرجل من سنوات طويلة، ولكنها رأت اللحظة الزمنية الراهنة هي الأنسب، من حيث ضمان امتصاص إفرازات ردة الفعل التي قد تنتج عن مقتله، فالشعوب العربية منشغلة في أمرها.... وإذا ما فكرت القاعدة في الدول العربية بالرد فالأمر يسير ... وحينئذ يمكن من خلال ردة الفعل تقويم مدى قوة القاعدة في هذه الشعوب... هذا مجرد احتمال ، واحتمال آخر هو تصويب قوة القاعدة باتجاه الثورات المشتعلة في المنطقة وفتح معترك جديد لها يشغلها عن الغرب.... أو بتعبير آخر إقحام القاعدة في معمعة جديدة تضمن امتصاص ردة الفعل وتفريغها في موطن آخر يبعد عن الغرب ومصالحه....

ومن الاحتمالات التي يمكن أن نقرأها .... هي إمكانية وقوع بن لادن تحت العين الإمريكية من زمن بعيد ... وحين تلاءمت الظروف عجلت في مقتله ، سواء على الصعيد المحلي الأمريكي، لا سيما وشعبية أوباما تتناقص يوما بعد يوم بينما الانتخابات الرئاسية على الأبواب، أم على الصعيد الخارجي الواضح المعالم.... واحتمال آخر إنها قد تمكنت من القبض عليه وأنه ما يزال حيا في عهدتها ... بدليل أن ثمة تسريبات تعلن عن التخلص من جثته في البحر وفي هذا الفعل زيف واضح وهروب من الإجابة عن عدة أسئلة يمكن أن تنهال عليهم في الراهن أو في المستقبل؟...بل إنه لا يوجد دليل مادي واحد يقنع بمقتله.. فالصورة المنشورة لبن لادن تكشف عن لحية كثة سوداء .... بينما يظهر الرجل في أشرطة سابقة له ولحيته في كليتها أقرب إلى البياض... بل وثمة مفارقات أخرى يمكن كشفها بأدنى تأمل وتحليل...

أخيراً ...هذه أسئلة تستدعي أسئلة أخرى... وإشارات تنفث رائحتها في الملأ..... وينبغي من العقل العربي أن يتجاوز سطحيته في التفكير فثمة مسالك وخيوط توحي بأن وراء الأكمة ما وراءها...... وما أشرت إليه هنا هو مجرد إشارة ليس إلا ... وآمل أن يتوفر الوقت الكافي لقراءة ظاهرة بن لادن منذ البدء وحتى اللحظة... وهي دعوة لكل كاتب حر أن يعمل على التحقق من صحة تلك الإشارات أو نفيها في سبيل كشف الحقيقة دون أية مواربة.