شبوة ونهب الثروة
بقلم/ م/ فهد العبسي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 27 يوماً
الإثنين 21 مايو 2012 05:09 م

مقدمة تاريخية

شبوة حاضنة التاريخ اليمني ذات المساحة المترامية الأطراف ومديرياتها السبع عشرة لها شموخ وكبرياء كشموخ أبنائها وقصورها وحصونها مثل قصر ذيبان في مدينة عتق وقصر الهبيلي في مدينة النقوب، فشبوة القديمة 115 كم شرق مدينة عتق احتضنت التاريخ اليمني القديم وكانت عاصمة دولة حضرموت، تحوي العديد من القصور خلف سورها العظيم، كما أن (تُمنع) عاصمة الدولة القتبانية تقع في مديرية عسيلان 170 كم غرب مدينة عتق عاصمة المحافظة وفي مدينة (تُمنع) التاريخية يقع سوق شمر الشهير الذي يحوي القانون التجاري القتباني. ولموانئ شبوة أهمية تاريخية عظيمة لا تقل أهمية عن مدنها مثل مينا قنا التاريخي الذي ربط التجارة اليمنية القديمة (تجارة اللبان) بين جنوب أفريقيا وشرق آسيا، فشبوة فيها الأرض والإنسان والنفط والعسل جردان، ولكن شبابها وأهلها وصحاريها ووديانها باتت تنزف دما وتئن من الويلات وصراع النفوذ.

الثروة

منذ بداية تشغيل الشركات النفطية في المحافظة فإن العلاقة بين السلطة المحلية والشركات النفطية ممثلة بالمجلس المحلي وبقية المكاتب الإدارية ذات العلاقة، تقتصر على بعض الاجتماعات أو التنسيق. وقد انعكس هذا سلباً على علاقة الشركات مع المجتمع المحلي، وحرمت المحافظة من حقوقها في الحصول على التنمية والعائدات المالية والضريبية، وحرم الشباب من أبناء المحافظة المؤهلين من فرص العمل والتدريب والتأهيل، ما عدا بعض الاستثناءات المقدمة من قبل بعض الشركات والتي تقدم بعض برامج التنمية المستدامه والمنح الدراسية ولكنها لا تلبي احتياجات المجتمع المحلي بالمحافظة. حتى المقاولين من أبناء المحافظة لم يجدوا حظهم من هذه الثروة المنهوبة.

ويعود تاريخ الاكتشافات النفطية في المحافظة إلى العام 1987، حيث تم إكتشاف النفط من قبل شركة تكنو أكسبورت السوفتية، في شرق وغرب عياد "قطاع 4". ويبلغ عدد القطاعات النفطية في اليمن 87 قطاعا تشمل ، 12 قطاعا إنتاجيا ، 26 قطاعا استكشافيا ، 7 قطاعات قيد المصادقة، 28 قطاعا مفتوحا ، 14 قطاعا قيد الترويج حالياً . وفي شبوة وحدها 17 قطاعاً نفطياً منها 4 إنتاجية والبقية ما بين استكشافي ومفتوح للترويج .

النــــــــزاع

نتيجة لغياب الآلية التي تنظم العلاقة بين الشركات النفطية العاملة في المحافظة والسلطة المحلية والمجتمع المحلي، أدى ذلك إلى نشوب نزاعات وحروب متعددة بين القبائل المحيطة بالآبار والشركات النفطية أحياناً، وبين القبائل والشركات النفطية أحياناً أخرى. وعلى سبيل الذكر للنزاعات لا الحصر، ففي 2006م، سقط أربعة قتلى من أبناء قبيلتي آل اسحاق وآل بريك أمام مقر شركة أس جي جي الفرنسية إثر إطلاق أحد المحتشدين النار في الهواء أثناء قيامهم بمطالبة الشركة بتوظيف بعض أبنائهم، فردت القوات العسكرية المرابطة والمكلفة بحراسة الشركة بإطلاق النار على الحشد القبلي وقتلت أربعة اشخاص، وفي نوفمبر 2007، اندلعت المواجهات بين افراد قبيلة بلحارث واطقم من اللواء 101 المرابط في بيحان شبوة بسبب قيام افراد من قبيلة بلحارث بتوقيف العمل في شركه كرواتيه للتنقيب عن النفط في منطقة عسيلان محافظة شبوه، أدت إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى بين الطرفين، وتدمير عدد من الأطقم العسكرية، كما نشبت حرب قبيلية دامية بين عبيده من مأرب وقبيلة بلحارث من شبوة في يونيو 2010، حول الارض المجاورة للبلك 18 بين حقلي جنة والنصر ، وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من القبيلتين. وفي 2008 اندلعت المواجهات بين "آل بريك" و "النسيين"، على خلفية ملكية منطقة العقلة الواقعة على بعد 90 كم من مدينة عتق بين مديريتي عرما ومرخة السفلى، حيث تدعي كل قبيلة ملكيتها للأرض، وتسعى للاستئثار على حصص العمالة التي ستوفرها الشركة لأبناء المنطقة وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، وفي يناير 2011، اندلعت المواجهات في منطقة العقلة بين آل إسحاق والنسيين في مديرية عرما، سقط على إثرها قتيل وعدد من الجرحي، حول ملكية أرض قامت بمسحها إحدى الشركات النفطية، حيث تتواجد في منطقة العقلة شركة OMV النمساوية والتي تمكنت من استخراج البترول عام 2006.

جذور النزاع

تتعدد المشاكل التي تعاني منها محافظة شبوة، فإلى جانب شحة المياة وندرتها والنزاع حول إدارتها فإنها تعاني من سطوة أصحاب النفوذ، والمتمترسين خلف السلطة ويلبسون عباءة النظام والقانون، فحرمان أبناء المنطقة من العمالة والتوظيف والتنمية وتوفير الخدمات للشركات البترولية هي أكثر ما يؤرق أبناء المحافظة، ولذلك فالكثير من الشباب يلجأون إلى قطع الطريق أو الاختطاف نتيجة للغبن والشعور بالإقصاء والحرمان، اضف إلى ذلك فإن أبناء المحافظة يشكون من بعض موظفي الشركات أو المندوبين والذين يتحولون إلى سماسرة بين الشركات والمجتمع المحلي أو ما يسمى بمندوب القبيلة والذي يتلاعب بالوظائف ويقوم بتوزيعها على الأقربين فالأقربين أو المقاولات من الباطن الذي تمارسه الشركات المحلية والمملوكة لأصحاب النفوذ والسلطة في العاصمة، فجميع المناقصات تتم في صنعاء، ومكاتب الشركات تتواجد في صنعاء، هناك مركزية في التعامل حتى مع أبسط الأشياء، فعلى سبيل المثال توفير الخدمات للشركات النفطية تقتصر على بعض الشركات المحتكره للخدمات وهي مملوكه للولد زعلان والشيخ غضبان، ولكم أن تتخيلوا أن شركة الشيخ طاهش بن ناهش تحتكر الطلبات الخاصة لاجل التقدم لأي عطاء معين وإذا فازت الشركة المقدمة للعطاء فعليها دفع ما نسبته 20% من العطاء لشركة الشيخ طاهش. بالإضافة إلى أن عدد من القطاعات النفطية المتواجدة في المحافظة يسيطر عليها أو على الأصح يمتلكها ذوي النفوذ والمتمركزين في العاصمة، وكما قال أحد أبناء شبوة "تخيل بأن القطاعات النفطية في شبوة لها مسميات سريه مثل قطاع السواد، وقطاع حزيز وقطاع الحصبة، وقطاع النهدين، وقطاع مذبح" كإشارة منه إلى أن تلك القطاعات تسيطر عليها قوى نفوذ من العيار الثقيل، ويقول آخر "تصوروا أنهم يقولون لنا بأن القطاع الفلاني في محافظة شبوه مملوك للشيخ ...

ولعل هذا هو أحد الاسباب الرئيسية التي تكمن في عدم فتح ملف الفساد الخاص بالقطاع النفطي حتى الآن فالجيمع ملوث ومشترك في نهب الثروة سواءً من كان ضد أو مع الثورة الشبابية الشعبية، فقد اختلف الطرفان وتحاربا، إلا أن أيا منهما لم يحاول فتح ملف الفساد النفطي ولايزال حبيس الأدراج، ماعدا صفقة بيع الغاز اليمني لكوريا وغيرها من القضايا البسيطة التي اختلفوا عليها.

وعليه ومن هذا المنبر نقول أما آن لهذا الملف أن يتحرك ويخرج للعلن أما آن لتلك القطاعات أن تسمى بمسمياتها. وحان الوقت لأن تدور عجلة التنمية ويعود جزء من هذه الثروة النفطية المنهوبة لصالح المحافظة، عن طريق تخصيص جزء من العائدات النفطية والضريبية لتنمية المحافظة في المجال الصحي والتعليمي والمياه والحفاظ على البيئة.

وجهة نظر للحل

هناك قوانين وآليات وضعتها الدولة والسلطة المحلية ومنظمات المجتمعي المدني لأجل تنظيم العلاقة بين الشركات النفطية والمجتمع المحلي ولكنها بقيت حبيسة الغرف المظلمة ولم تطبق أو تخرج للعيان والمطلوب إعادة تفعيلها وتطويرها بما يتوافق مع رغبات وتطلعات الشعب اليمني وأبناء المحافظات المنهوبة. 

اضف إلى ذلك فإن الحل لما تعانيه المحافظة يكمن في تعزيز وتقوية دور المجالس المحلية وتفعيل دور المكاتب التنفيذية ذات العلاقة، وعمل عقود واضحة وصريحة للشركات العاملة وتزويد السلطة المحلية بنسخة من تلك العقود، واستغلال الحصص المخصصة للتنمية المستدامة وفقا لخطط واضحة وسياسات مدروسة ومرسومة بناءً على احتياجات المكاتب المعنية، وتمكين الشباب من أبناء المحافظة، وإيجاد قوانين وآليات جديدة تنظم العلاقة ما بين الشركات النفطية والسلطة والمجتمع المحلي بما يخدم مصلحة الوطن العليا، بعيدا عن العصبيات المناطقية والحزبية، فقانون العمل رقم 5 للعام 1995م، والذي يتعلق بتنظيم العمل لا يلبي أدنى احتياجات المواطنين وذلك وفقا لآراء أبناء المحافظة والسلطة المحلية. يجب تعزيز مبدأ الشفافية في التعامل مع الشركات النفطية ومكافحة الفساد النفطي بشتى أنواعه سواءً كانت عماله أو تنسيق، وفضح المعاملات والعقود المشبوهة مع الشركات النفطية والشركات العاملة من الباطن الناتجة عن تزاوج السلطة والثروة، وفضح رؤوس الفساد القائمين عليها، وتطبيق النظام والقانون والمحاسبة والمسائلة على الجميع والحفاظ على الثروة من النهب والسلب.