صور بالأقمار الصناعية تكشف النشاط العسكري للحوثيين في مطار الحديدة فيديو مروع .. عنصر متحوث يحرق نفسه امام تجمع للحوثيين وسط ميدان السبعين بصنعاء الصحفي بن لزرق يشعل غضب الانفصاليين بتغريدة منصفة كشفت عظمة «مأرب» ويؤكد: اتحدى اكبر مسؤول في الدولة ان يكذب حرف واحد مما كتبته عقب اقتحامه للمنبر رفقة مسلحين.. خطيب حوثي يتعرض لإهانة موجعة من قبل المصلين تفاصيل صادمة.. قاتل صامت يختبئ في مشروب يومي يشربه الجميع الباحث على سالم بن يحيى يحصل على درجة الدكتوراه من جامعة المنصورة بمصر بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وفاة برلماني يمني بصنعاءإثر ذبحة صدرية مفاجئة. نادي رياضي شهير في اوروبا يغادر منصة إكس.. احتجاجاً على خطاب الكراهية.. لماذا حققت بورصة أبوظبي أداء فائقاً ؟ لماذا تخفي إيران عن شعبها والعالم أن أحد منشأتها النووية السرية تم تدميرها خلال هجوم أكتوبر ؟
في مصر، والدول الاستبدادية المحكومة بطغاة دمويين وعنصريين فقط، مطلوبٌ من الأطباء أن يكونوا قتلة، ومن المحامين أن يكونوا فاشيين، باسم الوطنية، أو بالأحرى استجابة للوثة نوع فاسد وملوث من الوطنية المنقوعة في سخام نوازع الإبادة والاجتثاث.
مجدّداً، تندلع ألسنة هذه الوطنية المدمرة لمناسبة مشاركة فتحي سرور، أستاذ القانون والوزير السابق ورئيس مجلس الشعب في مرحلة حكم حسني مبارك، والدكتورة آمال عثمان عميدة الحقوق والوزيرة السابقة، في الدفاع عن متهمين، مختلفين سياسياً، في القضية المعروفة باسم الكيانات الإرهابية.
هنا تتجلى أعراض أخطر أمراض الانقلاب الذي وقع في مصر، والذي التهم كل ما هو إنساني وأخلاقي، في طريقه لتصنيع مجتمع متوحش، البقاء فيه للأوغاد، والكلمة العليا للمكارثية والفاشية والعنصرية المجتمعية، في أقبح صورها.
رأينا ذلك، في أبشع تجلياته، مع مجزرة القرن في ميدان رابعة العدوية، حيث تواترت الأخبار عن رفض مستشفيات وأطباء استقبال جرحى المذبحة، وتركهم للموت، كما عرفنا غياباً كاملاً للضمير حين راح أطباء في مصلحة الطب الشرعي يزيّفون تقارير الوفاة، بالأمر والإكراه، وبعضهم فعلها ظناً أنه يقوم بدور وطني، وتابعنا مقايضاتٍ وضيعةً على ذوي الضحايا لكي يتمكنوا من استلام جثامين ضحاياهم ودفنها.
رأينا ذلك، كذلك، على منصات القضاء، حين عرفنا قضاةً يخلطون بين دور الحكم الذي يفصل بين متخاصمين، ودور الخصم الذي يواجه عدوه، المتهم، ولا يتورّعون عن إعلان انحيازاتهم الفكرية، وتسييد اختياراتهم السياسية.
والآن، تمارس عصابات الوطنية، الملوثة بكل عوادم الانحطاط الإنساني، الابتزاز نفسه على محامين اختاروا أن يقوموا بدورهم، كما رسمه قسم مهنة المحاماة وقوانينها وأخلاقياتها وأعرافها، ورأينا فريقاً يقوم بتخوين المحامين الذين يترافعون عن متهمين من "الإخوان" والمعارضين. وفي المقابل، وجدنا فريقاً آخر يأخذ على "الإخوان" الاستعانة بمحامين مختلفين معهم سياسياً، وكلاهما يمضي بهذا النفس الفاشي الإقصائي إلى آخر الشوط، فيعتبر الأمر خروجاً على مقتضيات الوطنية.
ثمة أسئلة تطرح نفسها هنا، ماذا تفعل حين يداهمك مرض خطير؟ هل تفكر في الذهاب إلى الطبيب الأمهر في علاج مرضك، أم تختار طبيباً يوافق هواك الأيديولوجي، ويتفق مع معتقداتك السياسية؟ السؤال للأطباء أيضاً: كيف تتصرّف حين يلجأ إليك مريضٌ تختلف مع قناعاته الفكرية وانتماءاته السياسية؟ ترفض علاجه، وتطلب منه البحث عن مكان آخر للاستشفاء، أم تعلي القيم المهنية والإنسانية، وتتعامل مع الأمر في نطاقه المهني فقط؟ تنسحب هذه الأسئلة كذلك على مهنة المحاماة: هل العدل جديرٌ بأن تطلبه وتدافع عنه، إذا كان في جانب خصومك السياسيين، أم تقف مع الظلم، سباحةً مع تيار الوطنية الفاسدة؟
في مهنة الطب، هناك قسم أبقراط الشهير الذي تجد روحه تسري في نصوص قسم الأطباء في كل المجتمعات "أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلًا وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو".
وفي المحاماة، هناك قسم مقدس أيضاً "أقسم بالله العظيم أن أمارس أعمال المحاماه بالشرف والأمانة والإستقلال، وأن أحافظ على سر مهنة المحاماة وتقاليدها، وأن أحترم الدستور والقانون".
في أزمنةٍ مضت، كانت أكثر إنسانية، وأخلاقية، كان القدّيس الشيوعي، نجيب الهلالي، يترافع عن الإسلاميبن في مواجهة جبروت دولة حسني مبارك القمعية، وكان محامون إسلاميون يدافعون عن حقوق المتهمين من أقصى اليسار، وكذلك كان الراحلون العظام من أهل مهنة العدل، عادل عيد وأحمد سيف الإسلام حمد.
أتذكّر أنه، قبيل ثورة يناير بشهور أو أسابيع، كان الصديق المحترم عصام سلطان محامياً عن السيدة مؤمنة كامل، في نزاع قضائي بينها وبين صحيفة الشروق، بشأن حوار منشور عن تزوير الانتخابات لصالحها، مرشحة للحزب الوطني الذي كان عصام سلطان معارضاً شرساً له، ومع ذلك بقي سلطان صديقاً ومصدراً محترماً للصحيفة، وبقيت الصحيفة منبراً لعرض آراء محامي خصومها وأخباره.. بل أنه كان دائماً سباقاً في الدفاع عن صحافيين، بعضهم يغرس أنيابه ومخالبه في لحمه وسمعته، الآن، بينما هو قابع في سجنه الظالم.
في المجمل، الطب والمحاماة والتدريس هي، في النهاية، وظائف فنية، تبقى محكومةً بالاعتبارات الإنسانية والقيم المهنية، على أساس أن العدل يطلب في ذاته، للجميع، وكذلك العلاج والتعليم، للكل، من نتفق معهم أيديولوجياً، أو نختلف.
هذا، فقط، في المجتمعات التي تتمتع بالحد الأدنى من القيم الإنسانية والأخلاقية، أم عن تلك الغابة الفسيحة التي تمرح فيها قطعان الطغيان وأسراب الأوغاد في مصر، فأن تكون إنسانياً ومهنياً موضوعياً، فتلك جريمة كاملة، وخيانة لمقتضيات الوطنية الملوثة.
#العربي الجديد