دوافع تحول الموقف السعودي تجاه اليمن
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 8 سنوات و شهر و 21 يوماً
الأحد 25 سبتمبر-أيلول 2016 05:01 م
معركة المملكة العربية السعودية في اليمن، لم تعد معركة التحالف العربي، بل معركتها الخاصة، وهي معركة وجود حقيقية، شهدنا ملامحها في التبادلات الدراماتيكية التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية، وهدفت إلى إعادة توطين وتمكين السلطة الشرعية في اليمن، ليس باعتبارها سلطة تفويض دستورية، للتحالف والمملكة ولحربهما المفتوحة في اليمن- لكن مجردة من الإمكانيات والصلاحيات الأخرى- بل سلطة حقيقية ذات سيادة كاملة سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، مع تنسيق تفتضيه الضرورة الاستراتيجية مع المملكة والتحالف.
خلف هذا التحول في الموقف السعودي، عوامل جوهرية، أهمها أن التحالف العربي، تحول بصورة أكبر إلى هيكل فضفاض وأقل تماسكاً ويعاني من تعارض مُخل في أجندات أعضائه ليس تجاه اليمن فقط ولكن تجاه قضايا جوهرية أخرى أهمها الموقف من القوى السياسية التي تندرج في إطار الإسلام السياسي.
وهذا الموقف بالذات تعزز بالموجة الجديدة من الحرب ذات الطابع العقائدي الموجهة حصراً ضد العقيدة السلفية للمملكة، التي ترددت أصداؤها من جروزني إلى نيويورك مروراً بأبوظبي حيث مقر "مؤسسة طابة" التي مولت مؤتمر جروزني المثير للجدل، وكذا القاهرة مقر الأزهر، وبقية ومراكز النشاط الصوفي على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي، وشاركت فيها إيران على أعلى المستويات.
تتالت التحديات التي واجهت الرياض خلال الأسابيع القليلة الماضية، في تكامل لا يمكن تجاهله، إذ لا يمكن فصل قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي اعتمده الكونجرس ومجلس الشيوخ، الأمريكيين، عن مؤتمر جروزني وعن دعوة وزير الخارجية الإيراني العالم إلى التخلص من الإرهاب الوهابي.
هذه الحزمة من التحديات ليس بوسعها بالتأكيد أن تُسقط المملكة العربية السعودية بالضربة القاضية، ولكنها يمكن أن تؤذي المملكة إذا لم تغير من مستوى وأسلوب مواجهة هذه التحديات، ليكون بنفس الأداء الذي أظهرته في السادس والعشرين من شهر آذار/ مارس 2015، تجاه التحدي القادم من اليمن.
العوامل السابقة، هي التي حرَّكتْ المياه الراكدة على الساحة اليمنية، وسمحت بالقرارات الاستراتيجية التي اتخذها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وقضت بإقالة مجلس محافظي البنك المركزي اليمني، وتعيين مجلس محافظين جديد، وقضت أيضاً - وهذا هو الأهم - بنقل مقر البنك من صنعاء إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، وتزامن ذلك أيضاً مع عودة نهائية للحكومة، وقد تتبعها عودة قريبة للرئيس هادي نفسه.
وكان لافتاً أن اجتماع الرباعية بشأن اليمن، الذي عقد قبل ثلاثة أيام في نيويورك، خرج ببيان يمكن وصفه بأنه مساند للخطوات الأخيرة، وإن أظهر بعض القلق حيال التبعات المترتبة على نقل البنك المركزي إلى عدن.
لا شك أن التغير في الموقف الدولي جاء ثمرة للضغوط التي مارستها المملكة، لأن ما هو معلوم من الموقف الدولي الذي يبدو متماسكاً إلى حد ما تجاه اليمن، أنه في الوقت الذي يُظهر دعمه للسلطة الشرعية، فإنه كان يعمل جاهداً على عدم عودتها إلى الداخل لممارسة صلاحياتها، ويدرجها ضمن الأعمال الاستفزازية، أي كما لو كانت تصرفات أحادية الجانب مثلها مثل التصرفات والقرارات التي يقدم عليها أو يتخذها الإنقلابيون في صنعاء، بل أن الحساسية تجاه سلوك السلطة الشرعية كانت عالية أكثر منها تجاه الانقلابيين.
لهذا بات من الضروري أن تواصل المملكة العربية السعودية تعزيز ترتيباتها للوضع في اليمن، ليصل إلى مرحلة يجد فيها الانقلابيون أنفسهم معزولين في نطاق جغرافي ضيق، كقوة متمردة وتخضع لحصار شديد من قبل الحكومة الشرعية والتحالف، مع إبقاء الخطط جاهزة للانقضاض عليهم في اللحظة المناسبة.
لم يعد هناك المزيد من الوقت ليضيع قبل استعادة محافظات تعز والحديدة وكامل الساحل التهامي، ومحافظة إب والبيضاء، والإسراع في تنظيم انتخابات نقل السلطة في المناطق المحررة، بعد أن تكون السلطة الشرعية قد أحكمت سيطرتها وهيأت الظروف الميدانية اللازمة لإنجاز هذا الاستحقاق.
لقد بدأ الانقلابيون ترتيباتهم بشأن الانفصال السياسي والاقتصادي عن سلطة الدولة وحكومتها الشرعية، وهذا يعني أنهم جادون في تأسيس سلطة أمر واقع موازية في المناطق التي يسيطرون عليها.
إذ لا نية لهذه العصابة الطائفية الفئوية والجهوية في التخلي عن المكاسب التي حصلت عليها، لأن لها أجندة مختلفة تماماً، فهي إذ تضع يدها على مقدرات الدولة وعلى جزء جغرافي يشمل نحو (10) محافظات، فإنه لا يهمها الوحدة اليمنية ولا عودة الاستقرار، لأن إبقاءها على هذا الوضع يمثل إستراتيجية مدعومة من إيران وتهدف إلى استعادة ما تزعم أنه حقها الإلهي والذي كانت هذه الفئة السلالية نفسها قد فقدته في 26 أيلول/ سبتمبر 1962.
سيتعين على المملكة العربية السعودية بالتنسيق مع الإمارات، أن تعمل على تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، وبالأخص مدينة عدن، لتتحول إلى عاصمة حقيقية لليمنيين، والأمر هناك لا يحتاج إلى معجزة، حتى فيما يتعلق بالعذر الذي جرى تسويقه واستثماره، ويتعلق باستمرار نشاط العناصر المتطرفة، لأن التهديد كان في الغالب موجهاً ومدفوع الأجر، سواء تم من قبل العنار المتطرفة أو من قبل العناصر المنفلتة المحسوبة على الحراك الانفصالي.
يحتاج التحالف فقط إلى إعادة تنظيم النشاط السياسي في الجنوب وجعله أكثر اتساقاً مع ترتيبات تثبيت وتمكين السلطة الشرعية الاتحادية بكل مؤسساتها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية.
ويحتاج على نحو عاجل إلى دعم الحكومة في إطلاق حملة واسعة لتأهيل العاصمة المؤقتة، وإنهاء كل مظاهر الانفلات والفوضى وإعادة فرض الهوية الوطنية اليمنية على التشكيلات المسلحة التي تم إنشاؤها في عدن والمحافظات المحررة وحملت اسم "قوات الحزام الأمني".
ليس هناك ما هو أكثر ضماناً لاستقرار تنعم به المملكة العربية السعودية ودول الجزيرة والخليج، من استقرار اليمن، وتحويله إلى ظهير حقيقي وجزء عضوي فعال في منظومة مجلس التعاون الخليجي.