إفراج الحوثيين عن موظفة أممية بعد خمسة أشهر من الاحتجاز أغنياء استفادوا من فوز ترامب بالرئاسة مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟ دولة عربية تفرض الحجاب على جميع النساء اعتباراً من الأسبوع المقبل السعودية تعتزم إطلاق مشروع للذكاء الاصطناعي بدعم يصل إلى 100 مليار دولار سعيا لمنافسة دولة خليجية الفائزون في الدوري السعودي ضمن الجولة العاشرة من الدوري السعودي للمحترفين المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يكشف عن توقعات الأمطار والأجواء الباردة في اليمن مظاهرات في مارب وتعز تندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وتدعو الضمير العالمي إلى وقفة شجاعة مع غزة
بقلم / جيفري دي. ساش أستاذ الاقتصاد ومدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا.
استخدام المعونات المخصصة للتنمية كسلاح سياسي لا يؤدي إلا إلي تفاقم معاناة الدول الفقيرة وإعاقة الأهداف التي تسعي الجهات المانحة لتحقيقها في كل يوم تقريباً تلوح الولايات المتحدة وأوروبا بالتهديدات بفرض عقوبات اقتصادية أو قطع معونات التنمية ما لم تمتثل إحدي الحكومات الضعيفة وتنفذ تعليماتهما السياسية. ولقد كانت أحدث تلك التهديدات موجهة إلي الحكومة الجديدة التي تتزعمها حماس في فلسطين. ومن بين الأمثلة الحديثة شهدنا تهديدات موجهة إلي تشاد، وأثيوبيا، وهاييتي، وكينيا، وبوليفيا، وأوغندا، علاوة علي عقوبات دامت طويلاً ضد ميانمار.
إن مثل هذه التكتيكات تتسم بقدر كبير من التضليل. ذلك أن استخدام المعونات المخصصة للتنمية كسلاح سياسي لا يؤدي إلا إلي تفاقم معاناة الدول الفقيرة وغير المستقرة، وذلك بدون تحقيق الغايات السياسية التي تسعي الجهات المانحة إلي تحقيقها.
ولكي نفهم السبب وراء هذا يتعين علينا أن نلقي نظرة متعمقة علي العوامل الجغرافية السياسية، وبصورة خاصة الانحدار التدريجي لهيمنة الولايات المتحدة وأوروبا علي العالم. ونستطيع أن ندرك بوضوح السرعة التي تنتشر بها التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية في كل أنحاء آسيا وفي دول العالم النامي. وهذه الحقيقة علاوة علي انتشار التعليم والوعي السياسي خلال القرن الماضي، جعلت من مسألة تقرير المصير الوطني الإيديولوجية المهيمنة في عصرنا هذا، وبطبيعة الحال أدي كل ذلك إلي نهاية عصر الاستعمار. وأصبحت المشاعر القومية تعمل علي تكوين ''أجسام مضادة'' للتدخلات الأميركية والأوروبية في الشئون الداخلية للدول الأخري.
والفشل في إدراك هذه الحقائق يكمن وراء الكوارث والإخفاقات المتكررة التي منيت بها السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، منذ الإطاحة بشاه إيران في عام 1979 علي أقل تقدير. لكن الولايات المتحدة ما زالت تنظر بكل سذاجة إلي الشرق الأوسط باعتباره هدفاً للاستغلال، سواء كان ذلك سعياً إلي تأمين النفط أو لأي غرض آخر. ففي الشرق الأوسط تُفَسَّر الحرب في العراق علي نطاق واسع باعتبارها حرباً تسعي بها الولايات المتحدة إلي السيطرة علي النفط في الخليج الفارسي وهو تفسير معقول وجدير بالتصديق نظراً لما نعرفه بشأن الأسباب الحقيقية لتلك الحرب. والحقيقة أن اعتقاد قادة الولايات المتحدة (والمملكة المتحدة) أن القوات الغربية سوف تُسْتَقبل بالترحاب وباقات الزهور باعتبارها قوات محررة وليست قوات محتلة، كان يحمل قدراً عظيماً من الغطرسة والسذاجة. إن إخضاع المعونات الأجنبية للمع! ايير السياسية يعكس نفس الغطرسة والسذاجة. فعلي الرغم من تأكيد الولايات المتحدة في خطبها العصماء علي مناصرتها للديمقراطية في الشرق الأوسط، إلا أن ردة فعلها الأولي إزاء انتصار حماس كانت مطالبة الحكومة المنتخبة الجديدة بإعادة ما قيمته خمسين مليوناً من الدولارات من المعونات التي كانت الولايات المتحدة قد قدمتها للسلطة الفلسطينية. مما لا شك فيه أن المباديء التي تعتنقها حماس لا تخدم السلام الدائم، حتي كما أكدت بوضوح بعض الدول العربية، مثل مصر. لكن قطع المعونات من المرجح أن يؤدي إلي تفاقم الاضطرابات، ومن المستبعد أن يؤدي إلي تسوية مقبولة ودائمة بين إسرائيل وفلسطين. إن الحكومة الفلسطينية المنتخبة حديثاً لابد وأن يكون التعامل معها، في البداية علي الأقل، باعتبارها حكومة شرعية. ثم بعد ذلك، إذا ما كان سلوكها رديئاً وإذا ما بادرت إلي رعاية الإرهاب، فمن الممكن تغيير السياسات في التعامل معها. ومن الضروري أن تأتي سياسة قطع المعونات كملاذ أخير، وليس كضربة أولي. ظلت سياسة قطع المعونات تصادف فشلاً دائماً في تحقيق النتائج السياسية المرغوبة لسببين علي الأقل. الأول أن لا الولايات المتحدة ولا الدول! الأوروبية تتمتع بسجل طيب كجهات تحكيم شرعية فيما يتصل بمدي ''جودة الحك م ورشده''. فقد ظلت الدول الغنية منذ أمد بعيد، وفي كثير من الأحوال بأساليب يحركها الفساد أو انعدام الكفاءة، تتدخل في الشئون الداخلية للدول التي تلقي عليها المحاضرات الآن. فالولايات المتحدة تنتهك مبدأ ''الحكم الرشيد'' بشن حرب لا ضرورة لها، هذا فضلاً عن فضائح الرشوة في الكونجرس، والكسب غير المشروع الذي تحققه شركات مثل ''هاليبورتون'' من خلال اتصالاتها ونفوذها لدي قوي سياسية.
السبب الثاني أن أسلوب التهديد الذي تنتهجه الولايات المتحدة وأوروبا بقطع المعونات أو فرض العقوبات أضعف من أن يؤدي بأي حال من الأحوال إلي إنجاز الكثير، باستثناء تقويض وإضعاف دول تعاني بالفعل من عدم الاستقرار والفقر. ولنتذكر التهديدات الأخيرة بقطع المعونات عن أثيوبيا، والتي تقدر بحوالي 15 دولاراً أميركياً عن كل مواطن إثيوبي سنوياً علماً بأن قدراً كبيراً من هذه المساعدات يذهب إلي مستشاري الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وإنه لمن قبيل الوهم أن نصدق أن التهديد بقطع المعونات من شأنه أن يمكن الولايات المتحدة وأوروبا من التأثير علي مسار السياسة الداخلية المعقدة في أثيوبيا.
إن قطع المعونات عن أثيوبيا سيؤدي في واقع الأمر إلي موت أعداد كبيرة من بين الفقراء الذين لن يجدوا الأدوية، والبذور المحسنة، والمخصبات الزراعية. والحقيقة أن سجل إعادة المعونات ثم قطعها ثم إعادتها لهو سجل بائس بكل ما في الكلمة من معاني. فقد أدي هذا الأسلوب إلي انزلاق هاييتي علي سبيل المثال إلي هوة لا قرار لها. أما العقوبات المفروضة علي ميانمار، والتي دامت عقداً من الزمان حتي الآن، فلم تسفر عن إعادة أونج سان سون كي إلي السلطة، بل لقد أدت إلي تفاقم المرض والفقر المدقع في تلك الدولة. وكذلك التهديد بقطع المعونات عن كينيا، وتشاد، ودول أخري لن يؤدي إلا إلي تفاقم الأحوال هناك سوءاً. كل هذا لا يعني ضرورة امتثال الولايات المتحدة وأوروبا لكل تحرك يأتي به أي ديكتاتور فاسد. لكن الواقعية في عالم الشئون الاقتصادية الدولية تتطلب قبول الحقيقة التي تؤكد أن المعونات الرسمية ال! مخصصة للتنمية من شأنها أن تساعد في التوصل إلي الأهداف السياسية العريضة المتمثلة في تحقيق الاستقرار وترسيخ الديمقراطية، ولكن علي الأمد البعيد. ذلك أن الوسيلة المثلي لترسيخ الديمقراطية تتلخص في تحقيق التقدم الاقتصادي النشط والتوزيع العادل للثروة علي فترة معقولة من الوقت.وعلي هذا فإن المعيار الصادق لتقديم المعونات الرسمية المخصصة للتنمية لابد وأن يتمثل في تقرير ما إذا كانت تلك المعونات الرسمية تستخدم بالفعل لتعزيز التنمية الاقتصادية. وهذا يعني أن تلك المعونات لابد وأن تكون جديرة بالاعتماد عليها ومتوقعة، ولابد وأن توجه نحو احتياجات التنمية الحقيقية بأساليب يمكن متابعاتها وقياسها وتقييمها. ولكن هل من الممكن مراقبة وقياس معونات التنمية؟ وهل هي عرضة للسرقة؟ هل تعمل علي دعم احتياجات التنمية الحقيقية، مثل زراعة المزيد من الأراضي بالمحاصيل الغذائية، ومكافحة الأمراض، أو بناء شبكات النقل والمواصلات، ومحطات الطاقة، والبنية الأساسية للاتصالات؟
إذا تسني لنا توجيه مساعدات التنمية إلي الاحتياجات الحقيقة، فلابد من منحها للدول الفقيرة والدول التي لا تتمتع بقدر كبير من الاستقرار، علماً بأن هذه المساعدات من شأنها أن تنقذ أرواح الناس وتحسن من الأداء الاقتصادي، وأن تؤدي بالتالي إلي تحسين توقعات الحكم الديمقراطي الرشيد علي الأمد البعيد.