القضية الجنوبية الحلول السياسية والضمانات؟
بقلم/ طاهر شمسان
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 3 أيام
السبت 14 سبتمبر-أيلول 2013 08:19 م

إن المهمة الجوهرية ذات الطابع السياسي الصرف الموكلة إلى فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني هي تحديد شكل الدولة وما يرتبه من توزيع للسلطة والثروة..وما عدا ذلك فالفريق يناقش قضايا حقوقية ليس من الصعب الإجماع عليها لأنها واضحة ويمكن رؤيتها بالعين المجردة..وانطلاقا من طبيعة عمل فريق القضية الجنوبية نستنتج ما يلي:

1 - إن شكل الدولة يجب تحديده واختياره من منظور القضية الجنوبية كما هي قائمة اليوم بكل تجلياتها ومعطياتها وتعقيداتها، وليس من منظور آخر على الإطلاق.

2 – إن شكل الدولة المطلوب هو ذلك الذي يحمل معه حلا سياسيا وطنيا عادلا للقضية الجنوبية.

3 – إن الحل السياسي للقضية الجنوبية لن يكون وطنيا إلا إذا جاء في إطار الوحدة، ولن يكون عادلا إلا إذا حقق للشعب اليمني حلمه في دولة وطنية ديمقراطية تقف على مسافة واحدة من كل مواطنيها ولا تفرق بينهم على أساس الانتماء السياسي أو المعتقد الفكري أو المذهب أو اللون أو الجنس أو المنطقة أو المحتد الطبقي والاجتماعي.

تشخيص القضية الجنوبية:

من الصعب اقتراح الحل السياسي الناجع للقضية الجنوبية قبل تشخيصها والكشف عن جذورها والتعرف على محتواها..وهذا بالتحديد ما طلب من فريق القضية الجنوبية أن يفعله، حيث رتبت مسارات الحوار بين مكوناته، زمنيا ومنطقيا، على النحو التالي:

1 – جذور القضية الجنوبية.

2 – محتوى القضية الجنوبية.

3 – الحلول والضمانات.

والحقيقة أن مكونات الفريق إلتزمت بهذه المسارات، ولكن ليس بآلية الحوار التشاركي التعاوني، وإنما بآلية تفاوضية غير مباشرة قامت على فكرة أن يقدم كل مكون رؤية مكتوبة في الجذور وأخرى في المحتوى وثالثة في الحلول والضمانات..وقد أتاحت هذه الآلية لكل مكون أن يكتب ما يريد ويتحفظ على ما يريد ويفسر ما يريد كما يريد.\والنتيجة أن رؤى مكونات الفريق تباينت لأسباب معرفية وأيديولوجية وسياسية..والمحصلة النهائية أن فريق القضية الجنوبية تعثر ولم يستطع أن ينجز المهمة الموكلة إليه في تحديد شكل الدولة من منظور القضية الجنوبية..وعند الاطلاع على المقترحات التي قدمتها مكونات الفريق لشكل الدولة لوحظ أنها انقسمت إلى خمس مجموعات على النحو التالي:

1 – دولة إتحادية مستقلة في الجنوب.

2 – دولة إتحادية يكون فيها الجنوب إقليما واحدا موحدا بشكل جديد.

3 – دولة إتحادية متعددة الأقاليم (مع التشديد على التداخل الجغرافي بين الشمال والجنوب في تقسيم الأقاليم)

4 – دولة إتحادية متعددة الأقاليم (مع إحالة تقسيم الأقاليم للخبراء والمختصين)

5 – دولة بسيطة لا مركزية.

ومن البديهي أنه إذا وضعنا هذه المقترحات تحت مجهر القضية الجنوبية فإن النتيجة ستكون واحدا من احتمالين:

1 – إما أن تكون جميعها مقترحات غير موفقة.

2 – إما أن يكون مقترح واحد فقط هو الموفق والبقية جانبها التوفيق.

وهذا ما سيظهر تباعا في سياق هذه الورقة.

أسباب عدم التوفيق في اقتراح شكل الدولة:

القاسم المشترك بين المقترحات غير الموفقة هو عدم اختيار شكل الدولة من منظور القضية الجنوبية..وهذا بدوره ناجم عن عدم التشخيص الدقيق لجذور هذه القضية ومحتواها..وما عدا ذلك فالأسباب متفاوتة على النحو التالي:

1 – مقترحات غير موفقة لأسباب معرفية.

2 – مقترحات غير موفقة لأسباب أيديولوجية.

3 – مقترحات غير موفقة لأسباب سياسية.

مفهوم الجنوب:

ظهرت القضية الجنوبية في التداول السياسي لصيقة بجغرافية الجنوب..ولهذا السبب بدت قضية ملتبسة منذ البداية..وهي كذلك إلى اليوم..ومن أجل التعرف عليها لابد أولا من تعريف الجنوب حتى نتمكن من التمييز بينها وبينه والكشف عن طابعها الوطني العام.

1 - الجنوب جغرافيا سياسية لها تاريخها الخاص في إطار التاريخ اليمني العام..وهذه الخصوصية أكسبته شخصية إعتبارية دولية مستقلة إسمها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية..ولا أحد يملك الحق في أن يحاسب التاريخ على مساره الذي أفضى إلى قيام هذه الدولة..فالتاريخ له منطقه وله قوانينه..والمطلوب هو قراءته قراءة علمية موضوعية بعيدا عن الأهواء والرغبات والتحيزات.

 2 – يؤمن الجنوب إيمانا قويا بأنه هو الذي استدعى الوحدة اليمنية من أرشيف التاريخ ونفظ عنها غبار الأزمنة..فهو الذي وحد نفسه في 30 نوفمبر 1967 بعد قرون من التشظي الممانع لوحدته والرافض ليمنيته..وبدون هذه الملحمة ما كان بمقدور اليمن أن يتوحد في 22 مايو 1990.

3 – ينظر الجنوب إلى نفسه على أنه طرف أصيل في وحدة 22 مايو 1990..ومنذ البداية رأى في هذه الوحدة إنجازا وطنيا تاريخيا تحقق للشعب اليمني..لكنه يرفض رفضا قاطعا النظر إلى هذا الإنجاز على أنه جاء لتصحيح خطأ وقع فيه التاريخ.

4 – إن الجنوب عندما تخلى عن شخصيته الاعتبارية الدولية في 22 مايو 1990 لم يفعل ذلك لأنه أقلية سكانية قررت أن تغرق في بحر الأكثرية التي تحتويها الجمهورية العربية اليمنية، وإنما فعل ذلك كي يتكامل مع هذه الأكثرية لتحقيق إزدهار مشترك وبناء شخصية جديدة مشتركة تتلاشى معها الجغرافيا السياسية للجنوب والشمال معا لصالح جغرافيا سياسية جديدة لليمن برمته ينعدم فيها الإحساس بالأقلية والأكثرية على كل المستويات.

6 – يؤمن الجنوب بأنه جزء من اليمن..لكنه لا يقبل أبدا اعتباره جزءا من الشمال..ومن ثم لا يستطيع في الوقت الراهن أن يركن إلى ما تقرره أكثرية عددية تتنازعها عصبيات وأيديولوجيات ومراكز نفوذ وتحتاج إلى وقت طويل كي تؤسس إختياراتها على أسس وطنية عقلانية.

لكل الاعتبارات السابقة لا يقبل الجنوب التشكيك الصريح أو الضمني بوحدويته..وفي الوقت نفسه يرفض تماما إبتزازه باسم الوحدة..وقد يذهب مذاهب غير عقلانية في التعبير عن عدم قبوله باستخدام الوحدة كسلاح لإخضاعه وتدجينه.

التعريف الموضوعي للقضية الجنوبية: 

بما أن القضية الجنوبية قضية سياسية وطنية وليست جهوية..إذن لابد أن تكون لها خطوط تماس مع شبكة معقدة من المصالح المشروعة وغير المشروعة في الشمال والجنوب معا..وكل طرف في هذه الشبكة المعقدة ينظر إليها ويعرفها من الزاوية التي تهمه، ومن داخل مجاله السياسي والإعلامي الخاص..لهذا تعددت تعريفاتها السياسية بتعدد الأطراف.

لكن لهذه القضية تعريف موضوعي واحد تتعمد معظم الأطراف إخفاءه لأسباب سياسية..وفيما يلي سنحاول تقديم صياغة أولية لهذا التعريف:

القضية الجنوبية هي تعبير ملتبس عن هزيمة المشروع الوطني اليمني ممثلا في دولة الوحدة..وقد نجمت هذه الهزيمة عن فشل أطراف النخبة السياسية الحاكمة في تحويل وحدة 22 مايو 1990 من حالة عاطفية مستقرة في الوجدان الشعبي إلى مشروع سياسي وطني مجسد في دولة لكل مواطنيها.

فالمعروف أن أطراف هذه النخبة اختلفت بعد إنتخابات أبريل 1993 حول دولة الوحدة وطرق إدارتها..وخرجت أزمة الدولة إلى العلن في أغسطس 1993..وبالرغم من الطابع السياسي لتلك الأزمة إلا أن التعامل معها تم بأدوات الحرب تحت شعارات الوحدة..غير أن الحرب لم تنهِ أزمة الدولة وإنما عمقتها وأساءت إلى الوحدة.

وخلاصة القول أن الوحدة كحالة عاطفية مستقرة في الوجدان الشعبي أستخدمت لهزيمة الوحدة كمشروع سياسي..ومن جانبها أدت هزيمة المشروع السياسي إلى تدمير الوحدة في الوجدان الشعبي، في الجنوب على الأقل.

الدرس المستفاد من هزيمة المشروع السياسي الوطني:

إذا كان المشروع السياسي الوطني قد سقط بواسطة حرب رفعت شعارات الوحدة ودارت - وفقا لهذه الشعارات - بين وحدويين وإنفصاليين، فإن استعادة هذا المشروع غير ممكنة بواسطة الحوار إذا بقي لهذه الشعارات ظل بين المتحاورين، أو وجد بينهم من يعتقد، صراحة أو ضمنا، أنه وحدوي يحاور إنفصاليين..فمن غير المعقول ومن غير المقبول أن يدور الحوار بشعارات الحرب..حتى وإن كانت هذه الشعارات مبطنة ومتوارية في اللاوعي.

القضية الجنوبية..وطنية المضمون وجنوبية الشكل:

إذا كانت القضية الجنوبية قضية وطنية، كما أسلفنا، فلماذا ظهرت لصيقة بجغرافية الجنوب؟..لماذا أخذت مسمى جهويا؟..هل كانت أمام الحراك الجنوبي خيارات أخرى وطنية للتسمية ورفضها لأنه لا يريد الوحدة؟..الحقيقة أن هذه الأسئلة تتستر على السؤال الجوهري، وهو:لماذا ظهرت هذه القضية أصلا؟..هل كانت ستظهر لو أن الطرف المنتصر في حرب 1994 حقق لليمنيين حلمهم الوطني في دولة الوحدة التي علقوا عليها الآمال؟

في اعتقادنا أنه لو فعل ذلك لنظر المواطنون في المحافظات الجنوبية إلى حرب 1994 على أنها بسبب صراع على السلطة بدأ وانتهى وأصبح من الماضي..لكن المنتصر لم يفعل شيئا من هذا القبيل، وإنما ذهب يمارس إنتهاكات ممنهجة لم تكن متوقعة ولا خطرت على بال أحد.

وكرد فعل على هذه الإنتهاكات ظهرت في الجنوب حركة إحتجاجية ذات طابع مطلبي حقوقي قوبلت بالقمع المادي بواسطة الجيش والأمن، وبالقمع المعنوي بترسانة من شعارات التسفيه والازدراء والتحقير والتخوين، أبرزها شعار الوحدة المعمدة بالدم..وفي هذه الظروف العصيبة اكتشف اليمنيون في الجنوب ما يلي:

1 – أن المنتصر يستخدم الوحدة وشعاراتها لابتزاز الجنوب والسيطرة عليه وإخضاعه وتحويل معظم سكانه إلى فقراء ومهمشين.

2 – أنهم يدفعون ثمن حلمهم بالوحدة وتعلقهم بها وذهابهم الطوعي إليها.

3 – أنهم كأقلية سكانية لا يستطيعون التأثير في المشهد السياسي بواسطة الديمقراطية المشوهة التي تؤثر على نتائجها أغلبية سكانية مغيبة ومتأثرة بشعارات الحرب.

3 - أن صراعهم مع المنتصر في حرب 1994 هو صراع وجود وليس صراعا من أجل المكانة.

وعندما يأخذ الصراع هذا البعد يبحث الطرف المهدّد عن كل ما لديه من أسلحة لإنقاذ وجوده وكرامته..والسلاح الوحيد الذي بقي متاحا لليمنيين في الجنوب هو جغرافيته السياسية وعلم الدولة التي كانت..وهذا ليس لأن الجنوبيين إنفصاليون، ولكن لأن المنتصر أغلق أمامهم كل الأبواب الأخرى الممكنة للمقاومة المشروعة..وبفضل جغرافيته السياسية إنتزع الجنوب الاعتراف بعدالة القضية الجنوبية كقضية سياسية وطنية عادلة بامتياز.

الدرس المستفاد من التصاق مسمى القضية الجنوبية بجغرافية الجنوب:

بما أن مؤتمر الحوار الوطني قد اعتبر القضية الجنوبية هي القضية الجوهرية في تحديد شكل الدولة..فمعنى ذلك أن هذا التحديد يجب أن يتم من منظور الحل السياسي الوطني العادل لهذه القضية كما هي قائمة بمعطيات اليوم، وليس بمعطيات ما قبل 22 مايو 1990..ولسان حال معطيات اليوم يقول ما يلي:

1 – إن الحكم على حرب 1994 يجب أن ينطلق من نتائجها، وليس من شعاراتها.

2 - إن نتائج الحرب في الجنوب ليست لصالح الإدعاء بأنها كانت حربا من أجل الوحدة.

3 - ليس مقبولا اليوم من أي طرف شارك في الحرب أو أيدها أن يتذرع بالخوف على الوحدة لفرض حلول سياسية بواسطة الحوار يعلم أن شروط قبولها غير متوفرة من منظور الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية.

4 – إن الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية يقتضي إن يكون الجنوب إقليما واحدا موحدا بشكل جيد يضمن له مكانته الطبيعية في المعادلة الوطنية.

5 – إن الجغرافيا السياسية للجنوب هي التي أنقذت مواطنيه في صراعهم من أجل الوجود والكرامة..والطبيعي أنهم لن يفرطوا بهذه الجغرافيا في ظل المعطيات الراهنة للقضية الجنوبية..فهي بالنسبة لهم من بين ضمانات الحل السياسي الوطني العادل لهذه القضية.

6 – إن الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية لا يتسق مع أي تفكير بتقسيم للأقاليم يقوم على التداخل الجغرافي بين الشمال والجنوب تحت مبرر الخوف على الوحدة..والتداخل الذي يمكن القبول به هو ذلك الذي أحدثه آخر تقسيم إداري للبلاد وأصبح مألوفا.

7 – إن الخوف على الوحدة ينطوي على اتهام مبطن بأن الجنوب بيئة خطرة عليها..وليس لهذا أي تفسير سوى الرغبة في تبرئة الجلاد وتحميل الضحية كل أوزار.

8 – إن الخوف على الوحدة في ظل المعطيات الراهنة التي تتجلى فيها القضية الجنوبية ليس له أي مصداقية ما لم يعبر عن نفسه من خلال الحرص على البناء المحكم للمضمون الوطني المدني الديمقراطي للدولة الوطنية، وليس على الوحدة التي لا خلاف حولها من حيث المبدأ.

 جذور القضية الجنوبية:

 بما أن القضية الجنوبية هي قضية سياسية وطنية عادلة بامتياز فإن البحث عن جذورها في الجنوب دون الشمال ينزع عنها مقدما صفة الوطنية ويحولها إلى قضية جهوية..وإذا صح أنها جهوية فإن الحوار بشأنها لا يستقيم إلا إذا كان حوارا جنوبيا جنوبيا لا دخل للشمال فيه سوى احترام النتائج التي سيتمخض عنها.

ونحن نجزم، دون أن نجافي الحقيقة، بأن جذر القضية الجنوبية موجود في الشمال وليس في الجنوب..وحجتنا أن حرب 1994 هي من التجليات العنيفة لهذا الجذر..ونتائجها في الجنوب وفي الشمال تؤكد على ذلك..ومع هذا سنفترض أن لها جذرا في الجنوب أيضأ..مع التأكيد على أن جذرها في الشمال أكثر عمقا وأكثر تشعبا وتعقيدا.

إذن لابد أن يكون لها جذر في الجنوب وجذر في الشمال..وكل منهما نما في تربة المناخ الصراعي الذي انبثقت فيه الدولة..مع ملاحظة أن الصراع في الجنوب أفضى إلى نتيجة تختلف عن تلك التي أفضى إليها الصراع في الشمال لأسباب كثيرة يطول شرحها.

الجذر الشمالي للقضية الجنوبية:

إنبثقت دولة الشمال في مناخ صراعي أفضى في نهاية المطاف إلى نظام سياسي عصبوي غير مؤهل لأي وحدة طوعية مع الجنوب قائمة على الندية والشراكة..والحقيقة أن نظام الجمهورية العربية اليمنية بمركزه العصبوي وتحالفاته لم يكن قائما على الشراكة بين أبناء الشمال أصلا..ومن البديهي أنه سيبدي مقاومة وممانعة لأي ندية وشراكة مع الجنوب مالم تكن شراكة إنتقائية تخدم حاجات المركز العصبوي وتمكنه من توسيع مصالحه في الجنوب دون أن تهددها في الشمال.

معالجة الجذر الشمال من منظور القضية الجنوبية:

من منظور الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية لا يمكن اسئصال جذرها الشمال إلا بإعادة تأهيل النظام السياسي في الشمال لوحدة طوعية مع الجنوب قائمة على الندية والشراكة.

الآلية المقترحة لإعادة تأهيل نظام الشمال للوحدة الطوعية والندية مع الجنوب:

 مصفوفة طويلة ومتكاملة من الإجراءات والترتيبات المؤسسية التي لا تقتصر على مضمون الدولة فحسب وإنما تطال شكلها أيضا..ومعنى ذلك أن القضية الجنوبية لا يمكن أن تحل من خلال أي شكل للدولة مهما كان مغريا ما لم يتم إختياره من منظورها وحاجاتها هي كقضية سياسية وطنية.

والشكل المطلوب للدولة هو ذلك الذي يمتلك القدرة على استئصال الجذر الشمالي للقضية من خلال مراقبة وتطوير المضمون الوطني المدني الديمقراطي للدولة بما يلبي مصالح السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني في الجنوب والشمال.

الجذر الجنوبي للقضية الجنوبية:

مثلها مثل دولة الشمال إنبثقت دولة الجنوب في مناخ صراعي أفضى في الأخير إلى نظام سياسي غير مؤهل لذهاب آمن ومدروس إلى الوحدة مع نظام الشمال..وهذا بسبب صراعات نخبة الحاكمة التي شقت الوحدة الوطنية للجنوب وأضعفت دولته في ميزان القوة العسكرية مع دولة الشمال..وقد مثل هذا الضعف عامل إغراء لابتلاع الجنوب بواسطة حرب 1994.

معالجة الجذر الجنوبي من منظور لقضية الجنوبية:

1 - أن تتوفر للجنوب كل شروط وضمانات البقاء الآمن والمدروس في ظل الوحدة.

2 - إنجاز مصالحة جنوبية جنوبية تقطع الطريق أمام أية مراهنة على تناقضات الجنوب واستثمارها لزعزعة استقرار اليمن برمته.

الآلية المقترحة لتوفير شروط بقاء آمن للجنوب في ظل الوحدة:

1 – فيما يتعلق بتوفير شروط وضمانات البقاء الآمن والمدروس في ظل الوحدة فالآلية المقترحة هي نفسها الآلية المطلوبة لإعادة تأهيل نظام الشمال للوحدة الطوعية والندية والشراكة مع الجنوب..مع اختلاف الأدوار بحسب اختلاف جذر القضية في الحالتين.

2 – فيما يتعلق بالمصالحة الجنوبية الجنوبية ينبغي أن تكون من متطلبات الذهاب الآمن إلى الدولة الإتحادية..وهذا يحتم أن تتم خلال الفترة الإنتقالية اللازمة لتوفير شروط الدولة الضامنة..كما ينبغي أن تلتزم الدولة بتنفيذ كل مخرجاتها.

 

 المحتوى السياسي للقضية الجنوبية:

 بما أن القضية الجنوبية قضية سياسية وطنية فمن البديهي أن يكون لها محتوى سياسي جنوبي وآخر شمالي.

المحتوى السياسي الجنوبي للقضية الجنوبية:

يتمثل المحتوى السياسي الجنوبي للقضية الجنوبية في إخراج الجنوب من المعادلة السياسية الوطنية بواسطة حرب 1994.

الحل المقترح لمعالجة المحتوى السياسي الجنوبي للقضية الجنوبية:

يكمن هذا الحل في إعادة الجنوب إلى وضعه الطبيعي في المعادلة السياسية الوطنية.

الآلية المقترحة لمعالجة المحتوى السياسي الجنوبي للقضية الجنوبية:

تكمن هذه الآلية في اختيار شكل الدولة من منظور القضية الجنوبية وبما يمكن الجنوب من ممارسة دوره الفعال في المعادلة الوطنية لصالح السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب.

المحتوى السياسي الشمالي للقضية الجنوبية:

يكمن المحتوى السياسي الشمالي للقضية الجنوبية في كل تفاصيل النهج السياسي الذي سار عليه نظام الرئيس السابق منذ 7 يوليو 1994 وحتى إسقاطه بواسطة الثورة الشبابية الشعبية عام 2011..وأخطر مظاهر هذا المحتوى هي التوريث والإرهاب والأغلبية البرلمانية المريحة والسجل السيئ لحقوق الإنسان، وحروب صعدة، فضلا عن استخدام المال العام في إفساد العام في إفساد الحياة السياسية.

الحل المقترح لمعالجة المحتوى السياسي الشمالي للقضية الجنوبية:

يكمن الحل المقترح لمعالجة المحتوى السياسي الشمالي للقضية الجنوبية في إعادة الاعتبار لدولة الوحدة بمضامين وطنية ديمقراطية.

الآلية المقترحة لمعالجة المحتوى السياسي الشمالي للقضية الجنوبية:

 دولة إتحادية يكون فيها الجنوب إقليما واحدا موحدا بشكل جديد يعيده إلى مكانته الطبيعية في المعادلة الوطنية ويمكنه من الإسهام الفعال في صياغة المضمون الوطني الديمقراطي للدولة.

الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية:

 1 – هو الحل الذي يعيد تأهيل الشمال للقبول بالوحدة الطوعية والشراكة الوطنية مع الجنوب.

2 – هو الحل الذي يؤمن للجنوب شروط بقاء آمن ومستقر في ظل الوحدة ويعيده إلى مكانته الطبيعية في المعادلة الوطنية.

3 – هو الحل الذي يضمن الصياغة المحكمة للدولة ويحقق مضمونها الوطني المدني الديمقراطي ويؤهلها للمساواة بين كل اليمنيين دون تمييز على أساس المنطقة أو الجنس أو المذهب أو المعتقد الفكري أو الطبقة...الخ.

4 – هو الحل الذي تتوفر له عوامل الاستدامة السياسية والمؤسسية.

منطلقات الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية:

1 - إن الخلاف القائم منذ أغسطس 1993 هو خلاف حول دولة الوحدة وليس حول الوحدة.

2 - إن الوحدة أستخدمت ذريعة لإشعال حرب 1994.

3 – إن حرب 1994 عمقت أزمة دولة الوحدة وجعلتها أكثر تعقيدا.

4 – إن القضية الجنوبية تعبر عن أزمة في الدولة، وليس عن أزمة في الوحدة.

5 – إن الدفاع عن الوحدة في مواجهة القضية الجنوبية هو عمليا دفاع عن نتائج حرب 1994.

6 – إن شعار فك الإرتباط ليس شعارا مناوئا للوحدة، وإنما لدولة الوحدة بوضعها الراهن الذي يحمل سمات وخصائص دولة الشمال ونظامها السياسي.

7 – إن الحراك الجنوبي هو من الناحية الموضوعية حراك وطني يعبر عن قضية سياسية وطنية بغض النظر عن الطريقة التي يقدم بها نفسه داخل فوضى المشهد السياسي اليمني المليئ بالتعقيدات والمناورات.

8 – إن دولة الوحدة بوضعها الراهن مشكلة..واستعادة دولة الجنوب ليس حلا.

9 – إن الحل يكمن بتوافق اليمنيين على دولة بمضمون وشكل جديدين.

10 – إن شكل الدولة يجب تحديده في ضؤ التشخيص الدقيق والموضوعي لجذور القضية الجنوبية ومحتواها.

11 – إن الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية فرصة تاريخية أمام أبناء الشمال قبل أبناء الجنوب..وإلا فلا معنى لأحاديثهم حول الدولة المدنية الديمقراطية..وأيضا لا معنى لتعلقهم بالوحدة إلا من قبيل التعلق العاطفي الغنائي غير العقلاني الذي لا يرفع الظلم عن الجنوب، ولا يجلب العدل للشمال.

12 – إن الفرصة التاريخية المتاحة أمام اليمنيين من خلال الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية مرشحة للضياع إن هم إنحرفوا بالحوار من حوار حول الدولة إلى حوار حول الوحدة.

13 – إن الحوار حول الوحدة لا يستقيم إلا على أساس شمال وجنوب..أما الحوار حول الدولة فهو حوار بين اليمنيين مصنفين على أساس سياسي وليس على أساس جهوي.

14 – إن الحراك الجنوبي في الحوار الوطني لا يمثل الجنوب إلا من حيث أن الجنوب ضحية مباشرة لحرب 1994 في جوانبها الحقوقية..أما من الناحية السياسية فالحراك هو حامل اجتماعي للقضية الجنوبية كقضية وطنية يتعذر في الظروف الراهنه حلها حلا سياسيا لصالح الشعب اليمني في الشمال والجنوب دون حضوره الفاعل والمؤثر.

محتوى الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية:

يقوم الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية على المناصفة بين إقليمين أو المساواة بين عدة أقاليم يكون فيها الجنوب إقليما واحدا موحدا بشكل جديد دون أي تداخل جغرافي بينه وبين أي من الأقاليم الشمالية.

الحد الأعلى لعدد أقاليم الشمال:

بما أن منظور القضية الجنوبية هو الفيصل في تحديد شكل الدولة فإن الحد الأعلى لعدد أقاليم الدولة الإتحادية يتحدد من خلال قسمة الأغلبية السكانية على الأقلية السكانية..وإذا علمنا أن الأغلبية السكانية هي عشرون مليونا والأقلية أربعة ملايين فإن النتيجة = 5 أقاليم في الشمال إلى جانب الجنوب كإقليم سادس..والأربعة ملايين هو الحد الأدنى لمتوسط عدد سكان الأقاليم.

عدد مقاعد البرلمان الاتحادي:

 يساوي عدد مقاعد الجنوب في البرلمان الحالي مضروبا في الحد الأعلى لعدد الأقاليم..والنتيجة هي 336 مقعدا..

 يلاحظ أن وزن الجنوب في الصيغة الإنتقالية يشكل 50% من قوام المستوى المركزي للدولة بالرغم من تعدد الأقاليم..لكن هذا الوزن يتراجع تدريجيا بقدر ما يتحقق من مؤشرات بناء الدولة وتحقيق مضمونها الوطني المدني الديمقراطي..وعندما تتحقق جميع المؤشرات سيكون وزن إقليم الجنوب قد تراجع إلى 56 مقعدا في حال كان عدد الأقاليم 6.

ضمانات تحقيق الحل السياسي الوطني العادل للقضية الجنوبية:

بسبب حرب 1994 ونتائجها الكارثية يحتاج الجنوب إلى نوعين من الضمانات:

1 – مصفوفة من الضمانات القانونية:

 تشملها وثيقة تسمى وثيقة إعادة تأسيس دولة الوحدة..توقع عليها كل الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني..ويدخل فيها رعاة التسوية والمجتمع الدولي والجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي كشهود وضامنين.

2 – ضمانات ذات طابع إجرائي مؤسساتي:

هذا النوع من الضمانات يقوم على فترة إنتقالية تسمى "مرحلة تحقيق المضمون الوطني المدني الديمقراطي للدولة الإتحادية" كما هي مبينة في الجدول أعلاه..ويتحقق هذا المضمون من خلال مصفوفة كاملة من المؤشرات القابلة للتزمين والقياس والتنفيذ..وهذه المرحلة لا تقاس بالزمن وإنما بإنجاز مؤشرات تحقيق المضمون الوطني المدني الديمقراطي للدولة..ويجري النص على هذه المؤشرات بتفاصيلها في وثيقة الضمانات القانونية المذكور أعلاه.

كما يجري النص في وثيقة الضمانات القانونية أيضا على مجلس وطني من كفاءات نوعية مستقلة عن الأحزاب وتختار مناصفة بين الشمال والجنوب..ومهمة هذا المجلس هي متابعة ومراقبة مؤشرات تحقيق المضمون الوطني المدني الديمقراطي للدولة الإتحادية..ويتمتع هذا المجلس باستقلالية مالية وإدارية كاملة وله صلاحية الوصول إلى المعلومات التي يريدها بدون أية موانع..ويقدم المجلس تقريرا دوريا عن مؤشرات الإنجاز..ويكون هذا التقرير ملزما للسلطة التنفيذية..وعلى وجه العموم تتضمن المؤشرات ما يلي:

1 – مؤشرات خاصة بالجيش والأمن.

2 – مؤشرات خاصة بالقضاء.

3 – مؤشرات خاصة بالخدمة المدنية.

4 – مؤشرات خاصة بسيادة القانون واحتكار الدولة للقوة.

5 – مؤشرات خاصة بالحكم المحلي.

6 – مؤشرات خاصة بالتنمية المستدامة بجانبيها الإيرادي والإنفاقي 

7 – مؤشرات خاصة بالديمقراطية.

8 – مؤشرات خاصة بحقوق الإنسان.

9 – مؤشرات خاصة بالإعلام.

10 – مؤشرات خاصة بالنوع الاجتماعي.

11 – مؤشرات خاصة بالفئات المهمشة وإدماجها في المجتمع.

12 – مؤشرات أخرى...يجري ذكرها.