لماذا انهارت العصابات في إب، فجأة؟
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 9 سنوات و 3 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 11 أغسطس-آب 2015 11:33 م

كل ما في الأمر أن أكثر من ٦ آلاف غارة جوية، بالإضافة إلى استنزاف على الأرض لأكثر من أربعة أشهر وفي كل الجهات، قوضت كل قوة صالح والحوثي. قتلت الرجال، وأعطبت الآلات، وقوضت شبكات الاتصالات، واستنزفت الشجاعة والمال، والصبر، وراكمت الخسارات والأعداء.

هذه هي الصورة الكلية لقوة الرجلين، حالياً.

 

وبقي، بعد كل ذلك، من قوة الرجلين بناء هش منهك. وما إن دفعت مقاومة إب الباب حتى انهار كل ذلك البناء.

 

في لحظة الانهيار تحسس من بقي مع صالح والحوثي رؤوسهم "انجُ سعد فقد هلك سعيد".

 حارب الرجلان بالمرتزقة. أربعة أشهر في الجبهة هو عمل عظيم بالنسبة لمسلّح ذهب إلى الحرب لأجل مائة وخمسين دولاراً في الشهر.

 

يعلم صالح إن الحبل يقترب من عنقه. وكذلك الحوثي. ولو بالمعنى بالتاريخي: فمع أولى طلائع المقاومة التي ستدخل صنعاء سيخلد اسم صالح كأقذر رجل مر في تاريخ اليمن. سيبقى عرضة للاغتيال المعنوي كل يوم، وحتى الأبد ويوم.

 

أما الحوثي فلن ينجو. ظهر في صعدة وعمّا قليل لن تبقى له سوى صعدة. لكن صعدة الراهنة تختلف عن صعدة سبتمبر ٢٠١٤.

 

في ذلك الشهر من العام الفائت كانت صعدة تعج بحوالي ٦٥٪ من ترسانة الجيش اليمني النظامي، ومئات المخازن والآلات الثقيلة التي حصلت عليها صعدة عبر حلفائها الخارجيين. في ٢٠١٤ أعلنت أميركا فقدانها الاتصال بصفقة أسلحة متطورة كانت متجهة إلى وزارة الدفاع اليمنية. لقد ذهبت إلى صعدة، وكانت قيمتها نصف مليار دولار. ولم تكن تلك الصفقة الضخمة سوى واحدة من مخازن السلاح في صعدة.

 

ليس السلاح فقط هو ما تعرض للفناء في صعدة. كذلك الرجال. عندما اقترب الحوثي من عمران كان يملك حوالي ٣٠ ألفاً من المحاربين المدرّبين. أولئك أرسلهم إلى الموت في كل مكان. لقوا حتفهم في بيحان والمعلا ولودر وتعز والحديدة ومكيراس ومأرب . إلخ. بقيت زوجاتهم فقط في صعدة. وخلف زوجاتهم يختبئ عبد الملك الحوثي.

 

لقد هدم عبد الملك الحوثي أسوار مدينته المقدسة وبقي وحيداً. بقي له المرتزقة الذين يبحثون الآن عن أفضل الأناشيد الوطنية التي غناها أيوب طارش.

 

المقاومة التي ستدخل قريباً شارع الزبيري في صنعاء ستنحت أكثر الصورة بؤساً وقذراة لعبد الملك الحوثي لمدة ألف عام. وستصبح الحوثية حركة مجرمة بالقانون، وحتى سلالته الرفيعة ستعيش مستقبلاً في غيتوهات خاصة على طريقة اليهود في أحياء وارسو القديمة. وهذه مآلات اعتيادية،كما في التاريخ، لكل الإثنيات الاصطفائية المسكونة بالضلالات والعنف، والتي تحمل مشاعر فوق وطنية أو تحت وطنية!

 لا يحب أحد أن تنال ذلك المصير، غير أن العيون المطفأة لعشرات الآلاف من اليمنيين ستلعن تلك السلالات لأمد بعيد.

 

انهار صالح، انهار الحوثي، انهار المرتزقة، انهارت الخرافة أمام شعب قوي وصلف وصلب وذي شكيمة.

 

البارحة قلتُ لرفيقتي:

الانتهازي يقاتل للحصول على مزيد من الامتياز والنفوذ

المهزوم يقاتل ليبقى حيّاً.

غريزتان تصارعتاً: غريزة البقاء في مواجهة غريزة الهيمنة.

غريزة البقاء أكثر بأساً وصلابة وشراسة من غريزة الاستحواذ. ذلك أنه ليس خلفها من شيء، بخلاف غريزة الاستحواذ.

 

يريدون بيع فكرة ساذجة تقول إن هزيمة صالح الراهنة، وحليفه الحوثي، بسبب انسحاب جيشه ضمن صفقة سياسية. 

 

يا لها من نكتة سخيفة.

 

فقد أبلغني العميد ركن الصفواني، الناطق باسم الحرس الجمهوري، عبر ابن عمّه قبل أيام: يا عزيزي لم يعد هناك من حرس جمهوري، لقد انهار كل شيء، وانتهى أمره.

صدقت مع قاله الصفواني، فقد أسقط طيران التحالف على مدى أشهر آلاف الأطنان من المتفجرات الحديثة والصواريخ الذكية على أرض مكشوفة وترسانة بلا غطاء.

 

انتهى كل شيء، وصالح يعرف ذلك.

 

حدث الانهيار المفاجئ في إب مع خروج ثاني دفعة من أسرته إلى الخارج. القادة الذين كانوا يوجهون الميليشيا في المدن اختفوا فجأة من صنعاء وما حولها. لقد فروا خارج اليمن فهرب من بقي من رجالهم. كل ما خلفهم صار خراباً، خراباً يبعث البؤس العميق في الروح والخوف في العظام. لذلك فروا.

ليس من إب وحدها. ليس من إب. حتى في البيضاء، هرب من بقي من المرتزقة والمتحوثون من اللواء ١١٧ في مكيراس، ومن الثكنات العسكرية والأمنية وتركوها فارغة خلفهم. تقول صحيفة المصدر هذا النهار: ذهب المواطنون لالتقاط الصور التذكارية في معسكرات الحرس الهارب.

 

قبل ساعات وصلتني أولى الأخبار من جبهة شبوة الحالية. العميد ركن عبد الله الصبيحي يقف على مشارف مدينة بيحان، شبوة، بستة آلاف مقاتل من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، ويجد مقاومة حوثية هشة وضعيفة لا تكاد تذكر.

 

لقد أصبحت قوة الحوثيين وصالح أثراً بعد عين. وصعدة، يا لها صعدة. لم تعد محاطة لا بالسلاح ولا بالمقاتلين.

 

بقيت فيها المقابر والنساء والآلام. كانت قضية صعدة، دائماً، هي عبد الملك الحوثي. هو قضيتها ونكبتها. وحل قضية صعدة يقتضي القضاء على تلك السلالة السامة من البشر. تلك هي قضية صعدة.

 

انهار صالح، انهار الحوثي، وبقيت التفاصيل الصغيرة.

 

أما الطريق إلى صنعاء فصار أخيراً مسألة بيروقراطية محضة!

 

ويا لها من دراما.

  تصبحون على خير