مفاهيم وأنوار.. من أين نأتي بالسعادة؟
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 18 يوماً
الأربعاء 31 يوليو-تموز 2013 07:37 م

لقد أحرزت البشرية في العصور الحديثة انتصارات شتى في مختلف العلوم ورغم تقدمها في مجالات مختلفة إلا أن المشكلات النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات في تفاقم خطير ووبال مستطير وأصبح ما يُسخّر لرفاهية الإنسان والتخفيف عنه سبباً في سحق كرامته وتدنيس إنسانيته وإزهاق روحه حتى أن الإنسان أصبح تائها وراء أوهام السعادة باحثا عنها تحت وهج الشمس وضياء القمر .. فما السعادة إذاً؟

نورد تعريفاً للسعادة يراه اهل الله وخاصته بأنه قريب من الصواب وهو أن السعادة هي " الصفاء القلبي والجمال الروحاني والنقاء الوجداني وهي هبة ربانية ومنحة إلهية يهبها الله لمن يشاء من عباده جزاء أعمالهم الجليلة التي قاموا بها" والسعادة لديهم هي التي تبعث الراحة النفسية وتحقق الرضا والطمأنينة وتقوم السلوك وتزكي النفوس الأبية .

وحقيقة السعادة عند أهل الله إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده هان لديه أن الله سبحانه وتعالى تحمّل حوائجه كلها وحمل عنه كل ما أهمّه وفرّغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته، وحقيقة السعادة لديهم ومدارها في طاعة الله والاعتصام بدينه والرجوع إلى هدي النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال تعالى"وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"

وطريق أهل الله إلى السعادة تنفيذ أوامر مولاهم فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال :" أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرّا وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم وأمرني أن أكثر من قول :لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش " رواه الإمام أحمد 5/159 .

وعند أهل الله السعادة لها ثلاثة مقومات " إذا أُنعم عليهم الله شكروا وإذا ابتلاهم صبروا وإذا أذنبوا استغفروا " وهم بحسب قول سفيان الثوري " ما بقي لي من نعيم الدنيا إلا ثلاث : أخ ثقة في الله أكتسب من صحبته خيرا إن رآني زائغا قومني أو مستقيما رغبني، ورزق واسع حلال ليست لله عليّ فيه تبعة ولا لمخلوق عليّ فيه منّة وصلاة في جماعة أكفى سهوها وأرزق أجرها "

والسعادة كما قال القرني في كتابه القيم " لا تحزن ص 222".

" ليستْ في الزمانِ ولا في المكانِ ولكنَّها في الإيمانِ وفي طاعةِ الدَيَّانِ وفي القلبِ والقلبُ محلُّ نظرِ الرَّبَّ فإذا استقرَّ اليقينُ فيه انبعثتِ السعادةُ فأضفتْ على الروح وعلى النفس انشراحا وارتياحاً ثمَّ فاضتْ على الآخرين

قال أحد الصالحين: والله إنا في سعادة لو علمها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف! وذلك لتقواهم وورعهم وقربهم وأنسهم بالله تعالى وللسعادة عند أهل الله أسباب وهي " العمل الصالح قال تعالى " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة " والزوجة التقية الصالحة. وجاء في الحديث " أربع من السعادة : المرأة الصالحة ... الخ" والكسب الطيب " إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً"وحُسن الخلق، والتودّد للناس "واجعلني مباركاً أينما كنت".

والسعادة دوماً تمنح الإنسان قبولاً ذاتياً وراحة نفسية و تساعده على تحقيق أهدافه السامية بدلاً من انشغاله بالتوافه وتعطيه فرصة بأن يكون مبدعاً مخترعاً، وترسم البسمة على الوجه وتدخل السرور على القلب ويربى الإنسان السعيد من حوله على الحياة الإيجابية وحب الله ورسوله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم

والسعادة تدفع الإنسان بأن يقبل على الله والإنابة إليه وامتلاء قلبه بمحبته تعالى.

وأخيراً : السعيد هو من عرف نفسه فعرف ربه وعبده حق عبادته وزكى نفسه بطاعة مولاه وجاهد في الله حق جهاده حتى يأتيه اليقين وعاش في كنف السعداء وتلذذ بطعم الحياة وإن لم يجد ماء ولا كساء وصدق القائل :

ولست أرى السعادة جمع مال .. ولكن التقي هو السعيد

وتقوى الله خير الزاد ذخراً .. وعند الله للأتقى مزيد